عودة إسرائيل لأحضان أفريقيا من بوابة تزكية الصراعات المسلحة تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتوفير غطاء لوجيستي وعسكري للجيش الكيني في مواجهته المسلحة ضد مليشيات (الشباب) التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، وأوضحت تقارير نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن تعهدات نتانياهو جاءت خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء الكيني رايلا اودينغا لتل ابيب الأسبوع الجاري. أبعاد إستراتيجية إسرائيلية بالغة التعقيد وألمحت التسريبات التي نشرت صحيفة معاريف العبرية جزءاّ منها إلى أن الدعم الوجيستي والعسكري الإسرائيلي لن يقتصر على كينيا، وإنما سيطول دول القرن الإفريقي وشرق القارة السوداء، التي يبلغ عدد سكانها 138 مليون نسمة يدين معظمهم بالمسيحية، وقالت التسريبات أن هذه الدول هي إثيوبيا، كينيا، جنوب السودان، وتنزانيا، وان الدعم الإسرائيلي الذي يدور الحديث عنه سيشمل مواد خرسانية جاهزة، وسفن سريعة، ومدربين عسكريين، وأسلحة، وآليات نقل مدرعة، ومنظومات تعقب اليكترونية. ووفقاً لما نقلته التسريبات عن دوائر أمنية في تل أبيب، ينطوي الإمدادات اللوجستية والعسكرية الإسرائيلية لدول القرن الإفريقي وشرق القارة السوداء على أبعاد إستراتيجية بالغة التعقيد، إذ تسعى حكومة نتانياهو إلى تدشين محور إفريقي مناهض لما وصفته إسرائيل بالتيار الإسلامي المتطرف في إفريقيا، أما فيما يتعلق باختيار إسرائيل لدول القرن الإفريقي، فيعود إلى كثافة السكان المسيحيين في تلك الدول، وإمكانية استغلالهم في دحر نمو التيارات الراديكالية، بحسب وصف الدوائر الإسرائيلية. وتؤكد التسريبات أن إسرائيل تحاول بتلك الخطوة أيضا وقف المد الإيراني والشيعي في قارة إفريقيا، واحتجاز مواقع في القارة السوداء، لتحويلها لاحقاً إلى قواعد لسلاحي البحرية والجو الإسرائيليين على امتداد خليج عدن وشرق المحيط الهندي، إذ تسود التقديرات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأن إيران وضعت لنفسها قدماً عسكرية في تلك المناطق، ونقلت دوائر أمنية إسرائيلية عن رئيس الوزراء نتانياهو تأكيده لنظيره الكيني أن إسرائيل تعتزم تدشين ائتلاف مناهض لتيارات الراديكالية في إفريقيا على أن يشمل هذا الائتلاف كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وتنزانيا. وتشير التسريبات العبرية إلى أن الخطوات الإسرائيلية بهذا الخصوص تجري بالتنسيق مع الرئيس الأميركي باراك اوباما في إطار ما تصفه الولاياتالمتحدة بدحر نفوذ التيارات الراديكالية في القارة السوداء، ففي وقت تعكف الإدارة الأميركية على خلق قنوات من التواصل والتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا والدول العربية، تعمل بالتعاون مع إسرائيل وفرنسا على تعزيز مكانة العناصر الغير إسلامية في القرن الإفريقي وشرق القارة السوداء. غطاء لوجستي وعسكري لدول القرن الإفريقي وأوضحت مصادر مقربة من ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي، أن رئيس الوزراء الكيني رايلا اودينغا أكد خلال زيارته لتل أبيب في الثالث عشر من الشهر الجاري، أن بلاده حصلت غطاء لوجيستي من الدولة العبرية، مشيراً إلى أن هذا الغطاء سيمكن كينيا من الأصوليين الإسلاميين العاملين في بلاده. والمح محللون سياسيون في تل ابيب إلى أن تصريحات اودينغا، تعكس تلقي رئيس الوزراء نتانياهو والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز تحذيرات من المستوى الاستخباراتي بعدم التعهد للضيف الكيني باعتزام إسرائيل المشاركة في محاولات كينيا مداهمة الأراضي الصومالية لمجابهة مليشيا (الشباب)، كما تلقت الولاياتالمتحدة التحذير عينه من وكالة الاستخبارات المركزية ال CIA، وفي مقابل ذلك يقتصر الغطاء الإسرائيلي على الدعم اللوجيستي والعسكري فقط، نظراً لعدم ثقة الولاياتالمتحدة وإسرائيل في رغبة كينيا دحر مليشيا (الشباب) الصومالية، وإنما تعتقد واشنطن وتل أبيب أن كينيا تتطلع إلى احتلال مدينة الميناء البحري الصومالي (كاسمايو) الواقعة على ساحل المحيط الهندي، ويقطنها ما يقرب من ربع مليون نسمة، وبعيداً عن أن المدينة تُعتبر عاصمة لمليشيا (الشباب) حيث انطلقت منها العديد من العمليات المسلحة في قلب العاصمة نيروبي، ينذر احتلال كينيا لتلك المدينة بسيطرة نيروبي الكاملة على جنوب الصومال، غير أن إمكانيات الجيش الكيني سواء كانت العسكرية أو اللوجستية لا تمكنه من النجاح في تلك الخطوة، إذ يكتفي الكينيون في الوقت الراهن بقصف المدينة جواً، ومن المنتظر أن توفر لها الإمدادات الإسرائيلية فرصة السيطرة الكاملة على المدينة. ولعل هذه المعطيات هي التي حدت بتأكيد رئيس الوزراء الكيني على أن إسرائيل ستساعد وزارة داخلية بلاده على تعقب العناصر الإسلامية المتطرفة في بلاده بحسب صحيفة معاريف العبرية، ولم يكن مستغرباً وفقاً للصحيفة عينها أن يصطحب اودينغا خلال زيارته لإسرائيل وزير الأمن الداخلي الكيني جورج سيتوتي، الذي أكد انه منذ مداهمة جيش بلاده للصومال نفذت مليشيا (الشباب) التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي العديد من العمليات التخريبية في العاصمة الكينية نيروبي. خلق قنوات من التقارب للتأثير على الدول العربية وفي حديث خاص ل «إيلاف» يرى الخبير الأمني الباحث في الشؤون الإفريقية-الإسرائيلية حسين حمودة: «أن التوغل الإسرائيلي في القارة السوداء لا يقتصر على التسريبات العبرية الأخيرة، وإنما تسعى حكومات تل أبيب منذ وجود إسرائيل في المنطقة إلى العبث في إفريقيا وخلق قنوات من التقارب معها للتأثير بذلك على مواقفها السياسية وربما الأمنية من الدول العربية، وتتخذ إسرائيل من الصراعات المسلحة في إفريقيا مدخلاً لتفعيل نفوذها السياسي والأمني، فلم تكن إسرائيل بمنأى عن صراع إقليم دارفور، كما لم يغب الدور الإسرائيلي عن الصراع المسلح بين جنوب السودان وشماله قبل إعلان دولة الجنوب». والحقيقة بحسب الخبير حسين حمودة وحديثه مع «إيلاف» أن إسرائيل تدخل في صراع على احتواء الدول الإفريقية مع قوى إقليمية ودولية أخرى مثل إيران وفرنسا والولاياتالمتحدة، إذ استخدمت إيران دول القارة السوداء في تمرير العديد من صفقات الأسلحة، مخترقة بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي، والعقوبات الدولية المفروضة عليها، ولا يغيب عن إسرائيل مساعي حكومة طهران في تعزيز مواقف التيارات الراديكالية في إفريقيا لتحويلها لاحقاً إلى سلاح يساهم في توسيع نطاق مدها الشيعي في الشمال الإفريقي والدول العربية. وفي حديثه ل «إيلاف» أضاف الخبير حموده المدير السابق لإدارة مكافحة الصهيونية بجهاز امن الدولة المصري: «أن محاولات إسرائيل للسيطرة سياسياً واقتصادياً على الدول الإفريقية لا تتوقف عند الدول ذات الأغلبية السكانية المسيحية، وإنما تتجاوزها إلى الدول الإسلامية الإفريقية مثل السنغال، إذ تنطلق في مساعيها من زاوية خلق قنوات من التقارب الناعم، ولعل ما فعه ممثل تل أبيب الدبلوماسي في العاصمة السنغالية دكار خلال عيد الأضحى الماضي يؤكد ذلك، إذ كلفته الخارجية الإسرائيلية بتقديم 99 خاروفاً هدية من الدولة العبرية لحكومة السنغال، وتوزيع هذه الخراف على فقراء ويتامى الدولة الإفريقية، الذين يدين معظم سكانها بالإسلام». ضلوع تل أبيب غير المباشر في حربين مرتقبتين الغريب بحسب حسين حمودة أن إسرائيل اختارت 99 خاروفاً ليتناسب العدد مع أسماء الله الحسنى، ولعل ذلك هو ما أكده سفير تل أبيب لدى دكار، زاعماً احترام إسرائيل لطقوس المسلمين في أعيادهم، الغرب من ذلك أن حكومة السنغال باركت الخطوة الإسرائيلية، واعتبرتها دليلاً على متانة العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، وتلقى سفير تل أبيب في دكار خطاب شكر يحمل هذا المضمون. أما الخبير الدكتور سيد فليفل العميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، فقال في حديث خاص ل «إيلاف»: «أن التسريبات العبرية التي يدور الحديث عنها تعكس مدلولاً وحيداً وذلك إذا خرجت إلى حيز التنفيذ، وهو ضلوع إسرائيل غير المباشر في حربين مرتقبتين في القارة السوداء، بدأت أحداهما كينيا في السادس عشر من أكتوبر المنصرم، عندما اجتازت قواتها الحدود الصومالية لمداهمة مليشيا (الشباب) المحسوبة على تنظيم القاعدة، أما الحرب الثانية فيمكن الإشارة إلى بوادرها على خلفية تردي الأوضاع الأمنية على الحدود الفاصلة بين شمال وجنوب السودان، وتؤكد تلك المؤشرات أن خيار المواجهة العسكرية السودانية مع دولة جنوب السودان الوليدة ليست مستبعدة». ويؤكد خبير الشؤون الإفريقية فليفل في حديثه ل «إيلاف»: «تعكف إسرائيل على دعم رئيس جنوب السودان سيلفا كير عسكرياً واستخباراتي وذلك في مقابل المساعدات التي يمنحها الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد للرئيس السوداني عمر البشير، وعبر هذه الآليات تعود إسرائيل بشكل سريع إلى أحضان القارة السوداء بنفس الأسلوب القديم وهو تزكية الصراعات الإفريقية المسلحة بعد أن توقف نشاطها لمدة أربعين عاماً». - عن إيلاف -