كندا تختار المغرب أول بلد في العالم لتجربة التأشيرة الرقمية!    ريال مدريد يواصل هدر النقاط وبرشلونة يقتنص صدارة الليغا    إيغامان يهدي الانتصار إلى نادي ليل    مرتفعات الريف تكتسي حلة بيضاء بعد تساقطات ثلجية (صور)    استنفار أمني بعد العثور على جثث أسرة كاملة بأحد السوالم    شنوف يتباحث مع مسؤولين أردنيين    فضائح الأدوية تضع وزراء الصفقات الكبرى تحت المجهر    المنتخب المغربي النسوي U20 يهزم الأردن بثلاثية ويتأهل لنهائي اتحاد شمال إفريقيا    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: فيرجيني إيفيرا وكيارا ماستروياني تدعوان إلى سينما حرة ومتحررة من هاجس الربح المادي    بنكيران: حكومة العثماني كانت "معاقة" ولفتيت أصبح وزيرا لأنه "تدابز" مع "البيجيدي" وأخذوا منا حوالي 30 مقعدا    591 خرقًا إسرائيليًا لوقف النار في غزة    البواري: إصلاحات أخنوش أنقذت الفلاحة والمغرب مقبل على طفرة مائية غير مسبوقة    نتنياهو يطلب العفو رسمياً من رئيس الدولة    تحويلات الجالية المقيمة بالخارج تسجل رقما قياسيا جديدا    شوكي يهاجم : فوبيا اسمها التجمع الوطني للأحرار... والحزب يسير ولا يزحزحه أحد    أخنوش: الحكومة لم تعد تكتفي بتدبير نقص المياه ولكنها تجد حلولا جذرية وطويلة المدى لتأمين الموارد    يوسف ميهري خارج حسابات المغرب في كأس العرب واسم لامع يشارك بدلًا منه!    صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الافتتاح الرسمي للدورة 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    توقعات بارتفاع حجم الاستثمارات الإسبانية في طنجة خلال منتدى مدريد المرتقب    أخنوش يكشف أرقامًا مبشرة حول الزيتون والدعم للفلاحين    انتخاب خالد العلمي الهوير كاتبا عاما جديدا للكونفدرالية الديمقراطية للشغل    عبد الرحمن الصناغي يُكرَّم بالدكتوراه الفخرية تقديراً لجهوده في تطوير التعاون الرياضي والثقافي بين الصين وإفريقيا    أخنوش من تيسة: مسار الإنجازات يقترب من المواطنين... و2026 سنة الحسم في بناء الدولة الاجتماعية    توقيف المعارضة التونسية شيماء عيسى تنفيذا لحكم ضدها بالسجن 20 عاما    بركة في أسبوع التضامن: المغرب ثابت في دعم فلسطين ورسالة الملك خارطة طريق لحل عادل ودائم    أكاديمية المملكة تنصب 7 أعضاء جدد    ثورة منتظرة في بث "الكان".. وكاميرات عنكبوتية بإشراف دولي غير مسبوق    أخنوش: نجوب كل مناطق المغرب لنقترب من واقع المواطنين ونستمع لمتطلباتهم حتى نضمن لهم حياة أفضل    االجامعة الوطنية للصحة تستنكر "الأزمة الخانقة" داخل الوكالة المغربية للأدوية وتحذّر من تهديد استقرار المنظومة الصحية    اختتام مهرجان الدوحة السينمائي 2025    في جلسة نقاشية حول بناء منظومة سينمائية إقليمية مستدامة تؤكد على أهمية تعزيز التعاون:    فيلم "الخرطوم" يثير شعوراً قوياً بالوحدة بين الجمهور السوداني في مهرجان الدوحة السينمائي    الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب تتجاوز 27 مليار درهم        النيابة العامة تُلزم بتحديد تاريخ ارتكاب الجريمة في أوامر الإيداع بالسجن    قافلة كان المغرب 2025 تنطلق في جولة من لندن في غياب تمثيلية مغربية        إدارية فاس تحدد تاريخ النطق بالحكم في طلب عزل رئيس جماعة تارجيست    ترامب يعلن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي وكراكاس تندد: "هذا تهديد استعماري"    الصين/آسيان: إطلاق قاعدة للابتكار لتعزيز التعاون في الصناعات الناشئة    أخنوش: تأمين الماء أولوية وطنية ومشروع الربط المائي أنقذ 12 مليون مغربي من العطش    اعتماد الزاهيدي: حزب الأحرار خلق دينامية غير لا يمكن المزايدة بشأنها    الجماعة الترابية للبئر الجديد تفنّد إشاعات عزل رئيسها وتؤكد استمرار عمله بشكل طبيعي    إحباط محاولة للهجرة السرية بجماعة أولاد غانم إقليم الجديدة بتنسيق أمني محكم    لقاء يناقش كتاب "إمارة المؤمنين"    إصابة سيدة بحروق في اندلاع حريق داخل شقة سكنية بطنجة بسبب تسرب غاز    مراكش تحتفي بأيقونة السينما الأمريكية جودي فوستر    جامعة غزة تخرج من تحت الأنقاض وتعيد طلابها إلى مقاعد الدراسة بعد عامين من حرب الإبادة (صور)    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    المغرب .. 400 وفاة و990 إصابة جديدة بالسيدا سنويا    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديب المغربي محمد أنقار
نشر في بيان اليوم يوم 23 - 10 - 2011

النقد الروائي بالمغرب شأنه شأن الإبداع الروائي ذاته لا يزال يبحث عن خصوصياته الجمالية التاريخية
يعد الدكتور محمد أنقار من أهم الباحثين المشتغلين بالحقل النقدي، ساهم عبر عدد من الدراسات والكتب النقدية الرصينة في صياغة اجتهاد نقدي بملامح عربية، كما شكل منجزه القصصي والروائي الذي استأثر باهتمام الباحثين والنقاد، إضافة نوعية للمتن السردي العربي. التقينا به في رحاب جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وكان لنا معه الحوار التالي:
الاختلال والتوازن
* يتضمن كتابك «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية. صورة المغرب في الرواية الإسبانية» ثلاثة أبواب خصصت الباب الأول لمباحث الصورة، وهو يحتاج إلى ذاكرة نقدية قوية. والباب الثاني عنون ب»الصورة المختلفة» ويمكن اعتباره مرآة لنجاعة معيار الصورة الروائية في رصدها لمظاهر اختلال صورة المغرب في الرواية الإسبانية، وبابا ثالثا عنون ب «نحو صورة متوازنة». فكيف يمكن للصورة الروائية أن تكون متوازنة طالما أن الاختلال سمة بارزة فيها سواء على نطاق الرواية الاستعمارية أو في روايات بروست أو تولستوي أو كونديرا؟
- سأجيب عن السؤال من دون أن أتوقف عند مقدمته فأقول:
إن «الاختلال» الذي عالجته يخص بالدرجة الأولى النوع الروائي المعروف ب «الرواية الاستعمارية». ففي هذا النوع يكون «الاختلال» سمة تكوينية في معظم نصوصه الروائية حيث يأبى الروائي إلا أن يضحي بأصول الفن، وجلال الحقيقة الإنسانية في سبيل تلبية نداء الأطروحة الاستعمارية. وبذلك يتجلى «الاختلال» لكل ناقد أو بلاغي محايد، ويغدو من الممكن إثبات ذلك «الاختلال» بالحجج الأسلوبية المتناقضة، أو الزائفة، أو المرتبكة جماليا.
أما فيما يخص الأنواع الروائية الأخرى غير الاستعمارية فلا أرى أن «الاختلال» يجب أن يكون مقوما من مقوماتها. وبهذا المفهوم لا أظن أن معظم روايات بروست وتولستوي وكونديرا تتسم باختلال من هذا القبيل صحيح أنه من الممكن أن نعثر لدى هؤلاء ولدى غيرهم من الروائيين على أخطاء أو هفوات جمالية، وعلى الرغم من ذلك يبقى الإقناع الجمالي حاضرا في إبداعهم بقوة مهيمنة. كل ذلك يعنى أن «الاختلال» الجمالي أو الأسلوبي» هو حالة ملازمة لكل إبداع روائي، تتيح للروايات الاستعمارية (ويمكن أن نضيف إليها كثيرا من الروايات التاريخية والجنسية) فرصا عدة لمعاينة الاختلال بصورة ملموسة.
ثم لا تنس أني عنونت الباب الأخير ب «نحو صورة متوازنة» من غير أن أقول «صورة متوازنة» مراعيا بذلك «طغيان «الخلل الجمالي» على معظم الروايات الاستعمارية المكتوبة عن المغرب، في حين يظل «التوازن» أملا جماليا لم يتحقق للأسف في تلك الروايات المكتوبة باللغة الإسبانية.
النقد بين المحلية والكونية
* يقتضي مصطلح الصورة بالضرورة مراعاة مقتضيات الجنس الأدبي وأصول البلاغة والتلقي، مثلما يقتضي في الآن نفسه تحفز الناقد لعدم التقيد بالمعادلات النقدية الجاهزة. فهل يمكن لمصطلح الصورة أن يسهم في صياغة اجتهاد نقدي ذي طبيعة عربية لا تجعل من الخصوصية والمحلية دوائر مغلقة؟
- سأبدأ أولا بمسألة «الاجتهاد النقدي ذي الطبيعة العربية».
هناك من النقاد والمثقفين العرب من يرفض تسمية محاولات الخروج عن القوالب الجاهزة أو السبل المطروقة ب «الاجتهاد» وإن كانوا لا يقدمون في ذلك حججا مقنعة. إنهم يتحدثون عن «المجتهد» بشيء من السخرية أو الدونية.
كما أن هناك من النقاد من يرفض الحديث عن «نقد عربي» بدعوى عالمية النقد وكونية المفاهيم والرؤى مما بنفي لديهم احتمال وجود أية خصوصية أو محلية. ولكن إزاء رفض هؤلاء وهؤلاء لا أظن أن تطور الفكر النقدي الإنساني يمكن أن يناقض الاجتهادات المحلية بدليل أننا نستطيع أن نميز في سياق كونية المفاهيم والرؤى اجتهادات نقدية وبلاغية خاصة يمكن أن نرجعها إلى مصادرها الغربية أو الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الأمريكية أو الروسية. فهل يمكن -على سبيل المثال- أن ننفي عن الفكر النقدي لدى باختين الطوابع الروسية؟ وهل بإمكاننا ألا نعتبر البنيوية إفرازا ثقافيا غربيا؟ ثم ماذا عن نقاد شيكاغو، وعن حلقة براغ. وجماعة لييج، وعن النزعات الرومانسية والكلاسيكية والواقعية؟
وقد يحتمل أن تكون تلك الخصوصيات الثقافية قد برزت دونما وعي فكري مسبق أو تخطيط مرسوم قبليا، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن النفاد الغربيين كانوا «يجتهدون» تحت وطأة ظروف ثقافية واجتماعية وثقافية مخصوصة، وأن نتائج تلك الاجتهادات أصبح من الممكن أن تصب في السياق الكوني أو العالمي الشامل من غير أن يحدث أي تناقض بين المنطلق الخاص للغاية العامة.
أما فيما يخص «اقتراح الصورة» فقد يكون خاطئا أو في غير محله، أو اجتهادا لا ينسجم وسياق ثقافتنا الحالية، إلا أنه يظل، مع ذلك، علامة من علامات المساءلة وضرورة إعادة النظر في الجاهز، والبحث المتجدد عن سبيل نقدي يسعف في المقاربات الجمالية والبلاغية بطريقة مقنعة. لذلك تبقى أهمية «معيار الصورة» -كما قلت في مناسبة سابقة- ليست منحصرة في المعيار ذاته، بل في محاولة الانعتاق من خلاله أو محالة مراجعة الذات بواسطته.
* هل يمكن للصورة الروائية أن تهيئ مجالا جديدا للنقد الروائي في حل تشابكاته وتعقيداته؟
- تبعا للجواب السابق لا أظن أن اقتراح «الصورة الروائية» بإمكانه وحده أن يهيئ مثل ذلك المجال، وإنما يستطيع أن يسهم إلى جانب اقتراحات أخرى -من طينته أو تمضي فى سياق إستراتيجيته- في إعطاء صيغة حيوية ومغايرة للنقد العربي تخصيصا. إن الأمر لا يتعلق بمسألة الريادة أو السبق أو الادعاء، وإنما بتحفيزنا على أن نفكر جميعا في سبل عملية من شأنها أن تجعلنا نعيد النظر في طرائق نقدنا الروائي الحالي وفي نجاعته ومدى خدمته للإنسان.
أما فيما يخص تشابكات النقد الروائي -وحتى غير الروائي- وتعقيداته، فلا أظن أننا نستطيع التخلص منها أو تجاوزها. ذلك أن النقد، شأنه شأن الإبداع، بل شأن الإنسان ذاته، محكوم عليه أن يبقى أسير وضعيات معقدة، بحيث تغدو هذه الوضعيات هي الأخرى في حاجة ماسة إلى إعمال مستمر للذهن، وإلى اجتهادات دائمة لتجاوزها، أو على الأقل لفهمها واستيعاب صيغها.
حساسية جمالية جديدة
* هل يمكننا اليوم الحديث عن تأسيس نوع من الجمالية في مجال الصورة؟
- من الواضح أن «الصورة» منذ العهود البشرية الأولى إلى يومنا هذا كانت ولا تزال بمنزلة الأداة أو المبدأ أو المفهوم أو الوسيلة أو المعيار النقدي أو البلاغي أو حتى التواصلي، وأن هذا التاريخ الطويل الحافل يقتضي منطقيا أن يكون هناك تجديد على مستويات التصور والفهم والتناول. لذلك يمكننا أن نتحدث اليوم عن صيغ جمالية جديدة نتعامل بها مع مختلف أنمط الصور بما فيها الصور الأدبية. بيد أن هذه الجدة لا تعني على الإطلاق. أية قطيعة مع طرائق التناول السالفة ومع الحساسيات الجمالية مختلف العصور. وفي بعض الأحيان يخطر لي خاطر يقول لي أن الصورة ليست مجرد حلبة بلاغية وإنما هي وسيلة تواصلية إنسانية نسخرها يوميا في حياتنا المعيشة، ونستغلها في شؤون تفكيرنا وكتاباتنا أحلامنا وكوابسنا. وفي ضوء هذا الخاطر التداولي أحدس أن الصورة قد تنوب عن البلاغة برمتها، أو عن مجموع ألوان التوشية تعبيرية، أو أن تغدو بابا من أبواب البلاغة الرئيسية. إلا أنني سرعان ما أعود إلى تلك البديهية التي ترى أن التفكير الجمالي يجب أن ينصب أساسا ليس على التسميات والفروق (النقد، البلاغة، التحليل، الصورة الأوان...) وإنما على ماهيات كل تلك المداخل. ومن هنا يمكن أن نقف على بعض مظاهر الجدة.
إذن من المحتمل أن تكون هناك حساسية جمالية جديدة في مجال معالجة الصور، إلا أن هذه الحساسية ليست جديدة بالمفهوم القطعي أو أنها مؤسسة على فراغ.
* في كتابه حول «الصورة» بلور الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز تصورا خاصا لجمالية الصورة السينمائية التي تنبني على علاقات جديدة مغايرة للعلاقات الواقعية. فهل يمكن للصورة الروائية أن تنبني هي الأخرى على تكسير دلالات الاعتيادية وكسر نظم العلاقات الإدراكية النمطية؟
- أرجح أن تكون أهمية مصطلح الصورة الروائية آتية من طموحه إلى إثارة الانتباه نحو قيم جمالية قائمة ومتحققة بالفعل، أكثر مما يصبو إلى كسر الدلالات الاعتيادية وتبني علاقات جديدة مغايرة للعلاقات الواقعية، ومن المعروف أن الصور الروائية أو عموم الصورة السردية أقدم من الصور السينمائية الحديثة العهد. ذلك أن السرد وإبداع الصور من خلال الحكي أو الاستماع إليه هما من الخصائص الفنية المتأصلة في الإنسان مهما تباينت مستويات حضارته ودرجات ثقافته في حين تقيم حداثة الصور السينمائية فرص الكلام عن إمكانيات التكسير أو التغيير على مستوى وسائط التواصل الفني.
لذلك لا أرى أن الصورة الروائية بإمكانها أن تدعي مثل ذلك الطموح الجمالي الكبير. فالصور السردية متحققة دوما في الإبداع الإنساني مثل تحقق الصور الشعرية. ولا أظن أن أحدا سبق له أن ادعى يوما أن الصور الشعرية من شأنها أن تجعلنا نعيد النظر في علاقات التواصل الفني إعادة تغيير جذري. وإنما هي، في أحسن الأحوال، صيغ جمالية يحاول من خلالها النقاد والبلاغيون والمبدعون «تنظيم» الإبداع ذاته وإثارة الانتباه إلى جانب من مظاهره الجميلة. وكذلك هو حال الصورة الروائية التي تصبو إلى أن تقول لنا أن النثر يتوفر هو الآخر على قيم جميلة قمينة بأن نفهمها ونتذوقها ونحسن التعامل معها بلاغيا. ذلك لا أظن أن الأمر يمكن أن يصل في حال الصورة الروائية إلى مستوى «كسر نظم العلاقات الإدراكية النمطية».
المقارنة المفاضلة
* هل يمكن عقد مقارنة بين الجنس الروائي وباقي الأجناس الأدبية، كما هو الحال مع أرسطو الذي عقد مقارنة بين نوعي التراجيديا والكوميديا والجنس الملحمي، وفي مقارنة غولدمان بين التراجيديا الإغريقية والفكر الفلسفي لدى باسكال؟
- إن مثل هذه المقارنة أمر ممكن بل هو متحقق بكثرة في تاريخ الآداب العالمية. لكن الأساسي ليس «الإمكان» أو «عدمه» وإنما معرفة القصد الذي يحتمل أن تفضي إليه مثل تلك المقارنة. وفيما يخص حال أرسطو فقد مارس المقارنة من أجل أن يؤكد أفضلية القيم التعبيرية في التراجيديا على القيم التعبيرية في الأنواع والأجناس الفنية والأدبية الأخرى. أما الغاية البعيدة لمثل هذه المفاضلة فتكمن في إيمان أرسطو بقدرة نوع أدبي مخصص -التراجيديا- على التغلغل العميق إلى أغوار النفس البشرية من أجل التصوير الجميل لتحولاتها وطوابعها الغريزية. وبذلك يمكن أن نتحدث عن «إيديولوجيا جمالية» تقف وراء التصور الأرسطي.
أما في حال لوسيان غولدمان فيمكن أن نتكلم عن إيديولوجيا اجتماعية تحفز على عقد مقارنة بين نوع أدبي ونوع فكري. ذلك أن غولدمان لم يشأ -عكس أرسطو- أن يكشف لنا عما في التراجيديا مع الإغريقية وفي أفكار باسكال ومدرسة بور - روايال من قيم جميلة. وإنما طمح، من خلال مجهود نقدي أن يثبت قدرة التعبير الأدبي والفلسفي على أن يسهما في التكوين المجتمعي ويسهم بذلك في استخلاص مقولة نقدية مجردة سماها ب «البنية العميقة». وتبعا لذلك أرى أن المقارنات في مجال الأجناس الأدبية يلزم أن تكون محكومة بغايات نقدية وبلاغية متعالية.
التجريب في الإبداع ونقده
* العالم العربي ليس له رصيد نقدي روائي كبير، لذا فإن الطموح النظري كثيرا ما يتجاوز جانب الممارسة في أي عمل نقدي. كما أن الدراسات النقدية كثيرا ما تروم التعميم بدل الاشتغال بنص روائي بعينه. ما هي وضعية الخطاب النقدي الروائي المغربي خصوصا بعد الكشف عن مكامن الضعف والخلل التي يعانيها هذا الخطاب الذي ظل لسنوات طويلة رهين وهم التمثل غير الصحيح للمرجعيات النظرية والنقدية المستوردة؟
- هذا سؤال عريض شاسع من الصعب الإجابة عنه بطريقة حاسمة. ويكمن وجه الصعوبة في أننا لم نقم بعد بمواكبة الإنتاج الروائي المغربي وتمثل رسائله الفنية وتأمل تفاصيلها، مثلما لم نقم بعد بإنجاز ما يسمى ب «نقد النقد» فبقدر ما نجهل الطوابع المتميزة لعديد من الأساليب الجمالية التي اعتمدها كثير من روائيينا غير المشهورين، نجهل كذلك الاتجاهات النقدية والبلاغية الأخرى التي لم تحظ بعد بالعناية والانتشار والتداول. والحق أنني أحاول أن أجيب عما يشبه هذا السؤال في الدراسة التي أعدها حاليا حول: الرواية المغربية بعنوان «حقل السمات» وباختصار يمكن أن أقول لك أن النقد الروائي بالمغرب شأنه شأن الإبداع الروائي ذاته، لا يزال يبحث عن خصوصياته الجمالية التاريخية. ومنذ كتابات التهامي الوزاني إلى يومنا هذا حصل كثير من التجريب على مستويات الكتابة والنقد. واستوردت كثير من الأساليب والمفاهيم. إلا أن كل تقييم لتلك المجهودات لا يجب أن يتم في رأيي بجرة قلم واحدة. وإنما من خلال «جانب الممارسة»، أي من خلال قراءات تطبيقية مفصلة في الإبداع ونقده.
أدب الطفل
* لعله من البديهي القول إن المكتبة المغربية تفتقر إلى كتب علمية تعني بأدب الأطفال. ويأتي كتابك «قصص الأطفال بالمغرب» ليشكل مرجعا مهما في هذا المسار. فما هي أهم الإشكالات التي استأثرت بانتباهك وأنت تنجز هذا العمل؟
- لعل أبرز إشكال حاولت معالجته في ذلك الكتاب، يتمثل في البحث عن الخصائص الجمالية لقصة الطفل. قد يبدو الأمر في ظاهره يسيرا. إلا أن التأمل المتأني في هذا المضمار لابد أن يفضى بنا إلى مواجهة إشكالات حقيقية، ذلك أننا يمكن أن نتحدث عن قصص الأطفال من حيث الشخصيات والزمان والمكان والموضوع والعقدة، وكذا من حيث تاريخها، إلا أن الصعوبة تحصل عندما نحاول النظر إلى كل ذلك من منظور «ماهية جمالية» لا تاريخ لها أو تكاد. لذا كان الخوض في مجال تلك الجماليات من التحديات التي أرقتني وجعلتني أستكشف ضآلة ما أنجزه النقد العالمي في ميدان أدب الأطفال.
ولقد تناسلت عن هذا الإشكال الرئيس إشكالات أخرى حاولت الإجابة عنها في حدود علمي. من ذلك: كيف يمكن أن نحلل قصة للأطفال؛ كيف يمكن تجنيس قصص الأطفال؟ لماذا يجب على قصص الأطفال أن تتعالى عن الجوانب التعليمية المباشرة؟ كيف يمكن استخلاص القيم الجميلة من قصص الأطفال.
نكوص المسرح المغربي
* يشهد المسرح المغربي تراجعا واضحا على مستوى القيمة الفنية والجمالية للعروض المسرحية وللكتابة النقدية المواكبة له. ما هي في رأيك أسباب هذا النكوص؟
- هناك أسباب شتى لذلك النكوص يمكن إرجاعها إلى ندرة التشجيع وتدهور مفهوم الثقافة المسرحية لدى الجمهور وضمور التصورات النظرية والإبداعية لمفهوم المسرح لدى عديد من الكتاب والنقاد. ولتوضيح هذا السبب الأخير أقول إن القصد بذلك الضمور عدم قدرتنا على أن ندرك ما يحصل في المجتمع المغربي المعاصر من تحول وتطور في القيم الاجتماعية والفنية والثقافية، واستثمار كل ذلك في صياغة رؤى مسرحية من شأنها أن تترجم بصدق كاف ما نعيشه بأجسامنا وعقولنا ونفوسنا من تحولات وتطورات. وبذلك يتجلى أن أسباب النكوص يمكن إرجاعها إلى الجوانب المادية مثلما يمكن إرجاعها إلى الجوانب المعنوية المتمثلة أساسا في قلة القدرة على صياغة الرؤى المسرحية إبداعا ونقدا.
* يقال إن الآراء النقدية تعيق في كثير من الأحيان العملية الإبداعية. ما رأيك في هذا الأمر لا باعتبارك باحثا ولكن باعتبارك قاصا؟
- النقد مسؤولية مثلما الإبداع مسؤولية. ولذلك نحن مطالبون بممارسة كل منهما بوعي وتبصر وحذر. وبالفعل قد يكون هناك نقد متهور يسهم في تعتيم الرؤى الجمالية وإفساد الذوق وصرف الناس عن قراءة الإبداع وتأخير ظهور المواهب. مع ذلك فالموهبة الأصيلة قد تفلح في تجاوز مثل هذا النقد المعيق إن هي آمنت بإمكانياتها الذاتية وتسلحت بالصبر والنفس الطويل.
صحيح أن بعض المواهب الإبداعية قد تقبر أو تموت قبل أن تينع نتيجة عوامل عدة. إلا أن النقد غير المسؤول لن يستطيع أن يطفئ مثل تلك الشعلة قدر ما يمكن أن يؤخر انتشار إشعاعها.
أما بالنسبة إلي بوصفي قصاصها فقد تعرضت لمختلف أنماط النقد بما في ذلك النقد الذي يسب ويلعن، إلى النقد المجامل مرورا بالنقد الصادق المهووس بالبحث عن الحقيقة الإنسانية. ولقد علمتني كل تلك الأنماط كيف أقدر مسؤولية الإيمان بالموهبة الإبداعية التي قد يحظى بها أي منا. وعندما يتحقق مثل ذلك الإيمان، آنذاك يكسب المبدع مناعة قوية تجعله يهتم بكل مناقشة لإبداعه سواء أكانت سلبية أم إيجابية. إلا أنه يتعالى عن الحالتين معا لكي يتطلع نحو القبس البعيد الذي يغرينا بطلب الحقيقة أو سرابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.