عن سن يناهز تسعة وستين سنة، توفي أمس الاثنين الصحافي عمر سليم، بإحدى المصحات الخاصة بالدارالبيضاء، بعد مسار مهني متميز ورصين في الميدان الصحفي. الراحل من مواليد 10 غشت 1954 بمدينة الدارالبيضاء التي قضى فيها طفولته قبل أن يلتحق بمدرسة البعثة الفرنسية «إرنست رينان» بحي الوازيس، إلى جانب صديقيه ندير وفهد يعته اللذين كانا من أبناء جيرانه. وانتقل عمر سليم فيما بعد إلى ثانوية «ليوطي» لإتمام دراسته الثانوية، قبل أن يلتقي مرة أخرى بفهد وندير يعته بعاصمة الأنوار باريس، حاملا شهادة الباكالوريا، وساعيا لإتمام دراسته الجامعية. في باريس، اختار عمر سليم أن يدرس بمعهد الدراسات السياسية بعد نجاحه عن جدارة واستحقاق في المباراة إلى جانب طالبين مغربيين آخرين، لكنه قرر بالموازاة مع ذلك، إتمام دراسته في سلك الدكتوراه تخصص الأدب والفلسفة بجامعة السوربون التي كان صديقاه ندير وفهد يعته يدرسان فيها القانون، حيث حضر إلى مناقشة أطروحتيهما أثناء التخرج. استهوى المسرح سليم عمر، فكان يرتاد الخشبة، مشخصا مجموعة من الأدوار في مسرحيات متفرقة بباريس، إلى جانب خوضه غمار إخراج بعض الأعمال. لم يتردد سليم عمر قيد أنملة في العودة إلى المغرب بعد حصوله على شهادتي الدكتوراه من معهد الدراسات السياسية بباريس وجامعة السوربون، وظل يبحث عن ذاته في بلده، حائرا بين الارتماء في حضن المسرح والوقوف بإجلال أمام صاحبة الجلالة. استهواه المسرح، فكانت البدايات على الخشبة، إلى جانب عبد الكريم برشيد، حيث أشرف كمخرج على بعض المسرحيات التي أداها فريق من الشباب بالمسرح البلدي، قبل أن يتخلى عن هذا الاختيار آخذا بعين الاعتبار ملاحظات والده الذي نصحه بالتوجه إلى فرنسا مرة ثانية لدراسة الفلسفة. ورغم الخيار القسري بالتخلي عن المسرح، ظل سليم عمر وفيا للمسرح طيلة حياته، مشددا في أحد تصريحاته الصحافية على أن الركح كان له أثرا إيجابيا في حياته العائلية والمهنية، وهو ما جعله رجل نكتة خفيف الظل بشهادة كل من تواصل معه. لم يبعد أبو الفنون سليم عمر عن صاحبة الجلالة. فقد كان بالموازاة مع نشاطه المسرحي، دائم التعامل مع الجرائد المكتوبة، خصوصا جريدة «البيان» بالفرنسية، حيث كان يكتب إلى جانب رئيس تحريرها الراحل ندير يعته، الذي ظل صديقا وفيا له طيلة عدة سنوات، نشر خلالها مقالات بلغة راقية وأنيقة. وسيكون للقدر كلمته في توجه عمر سليم نحو مدينة طنجة. فقد التقى أحد أصدقائه في إحدى وكالات الأسفار حاملا تذكرة سفر نحو فرنسا. وبعد حديث عن الأيام الخوالي، أقنعه هذا الصديق بزيارة عروسة الشمال التي جذبته إلى تجربة إذاعية داخل محطة حديثة هي «ميدي 1»، شهر شتنبر 1980. كان التردد باديا عليه، لكنه سيقتنع بعد لقاء مع مدير الإذاعة «بيير كازالطا»، بالاشتغال بهذه المؤسسة، لتمضي رحلته هناك حوالي 20 سنة تقلد خلالها المسؤولية بعدة أقسام. وعرف سليم عمار برصانته في جميع المهمات التي تقلدها سواء وهو صحافي ب»ميدي 1» أو مسؤول عن قسم البرامج والأخبار بالقناة الثانية، كما أنه كان موسوعة ثقافية متنقلة اكتسبها من محيطه الأسري خصوصا والده الذي كان رجل تعليم يدرس اللغة الفرنسية، وهو ما ساعده على إتقان لغة موليير التي سيشتغل بها لعدة سنوات، كما أتمم بها مساره الدراسي بتميز بشهادة الفرنسيين أنفسهم. ظل سليم عمر يفتخر بمغربيته رغم الإغراءات المادية للاشتغال في فرنسا التي لم تربطه بها أي وثيقة هوياتية من قبيل الحصول على الجنسية أو شيء من هذا القبيل، علما أنه اشتغل بها كمتعاون في مجال الصحافة لمدة سنتين (1978 و1979)، خلال مراحل تكوينه الدراسي. جدير بالذكر، أن عمر سليم عمر، «أو سليم عمار، اسمه الحقيقي»، هو والد زميلنا كريم عمار الصحفي بجريدة «البيان» بالفرنسية، وبهذه المناسبة الأليمة تتقدم أسرة «البيان» و»بيان اليوم»، لزوجة الراحل ولأبنائه عادل وهشام ولزميلنا كريم وكافة أسرته بأحر التعازي في هذا الفقدان الجلل. «إنا لله وإنا إليه راجعون»