محمد الطيب الناصري: المحاكم العليا هي المؤهلة لتحقيق الأمن القضائي في المجتمعات الديمقراطية أكد وزير العدل محمد الطيب الناصري، أول أمس السبت بالدار البيضاء، أن المحاكم العليا هي المؤهلة لتحقيق الأمن القضائي الذي أضحى مطلبا أساسيا في المجتمعات الديمقراطية. وقال الناصري، خلال افتتاحه أشغال المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم العليا في الدول العربية، المنظم من قبل المجلس الأعلى تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، إن الأمن القضائي «يتمحور بصفة خاصة على المهمة الحمائية للقضاء في المجتمع المعاصر»، مشيرا إلى أن هذه المهمة لا تكتمل إلا «بتوفير آليات تضمن حسن سير القضاء، كاستقلاليته وجودة أحكامه وسهولة الولوج إليه ونجاعة إدارته، وهذه كلها مقومات تبعث الثقة في المؤسسة القضائية، وتضمن بالتالي ترسيخ الأمن القضائي». وأبرز أن الغاية الأساسية من توفير الأمن القضائي، هي ترسيخ الثقة في المؤسسة القضائية والاطمئنان إلى ما ينتج عنها أو ما تجتهد بشأنه من نوازل، مشددا على أهمية ضمان جودة أدائها، وتسهيل الولوج إليها، وعلم العموم بمجريات عملها القضائي. واعتبر الوزير أن من إيجابيات عقد مؤتمر خاص بالمحاكم العليا العربية إتاحة الفرصة أمام القضاة العرب للاستفادة من التجارب المقارنة في مواجهة الإشكالات التي تؤثر في تحقيق الأمن القضائي، والتي أجملها في تضارب الاجتهادات القضائية أو التراجع عن الاجتهاد القضائي المستقر وما يطرحه ذلك من تأثير على الأمن القانوني ومساس بالثقة المشروعة للمتقاضين وبحقوقهم المكتسبة. وبعد أن استعرض مجموعة من التجارب العربية في ما يخص تحقيق الأمن القضائي وتأمين الاجتهاد، أشار إلى ما تشهده المملكة المغربية من إصلاحات عميقة في مجال القضاء والتي توجت بمعالجة دستورية «جد متقدمة للشأن القضائي» همت على الخصوص مبدأ استقلالية القضاء وتوسيع المجلس الأعلى وتوليه مهمة تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة وغيرها من المبادئ الدستورية الخاصة بالقاضي وحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة. ومن جانبه، اعتبر الرئيس الأول للمجلس الأعلى مصطفى فارس أن «هذا اللقاء ينعقد في ظل ظرفية دولية وإقليمية دقيقة، وفي إطار سياق عام نعيش ظرفيته المتميزة بكل تفاعلاتها وتحدياتها، مما يحتم علينا كقضاة الألفية الثالثة المبادرة إلى مواجهتها». وأضاف في هذا الصدد، أن المداخلات والمناقشات المعمقة والآراء والتوصيات التي ستتمخض عن جلسات المؤتمر ستشكل «فرصة جيدة للبحث عن الأسلوب الأمثل لمواجهة هذه التحديات في سياق من الالتزام الجدي والإرادة المشتركة والرؤية الجماعية والتحرك الناجع». وشدد فارس على أن طبيعة المرحلة تقتضي من رجال القضاء العرب «المساهمة الفعلية والجادة في بلورة نموذج عربي لقضاء قريب من المواطن وفي خدمته ضمن بوثقة دولة الحق والمؤسسات والكرامة والمواطنة والمساواة». وبعد أن أشاد بما تمخضت عنه الدورة الأولى التي انعقدت بأبوظبي خاصة في ما يتعلق بتدعيم العمل العربي المشترك في مجال القضاء وإرساء مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وصون الحريات الفردية والجماعية وتوحيد الاجتهاد القضائي، أعرب عن أمله في أن تكلل أعمال هذا المؤتمر بالدعوة إلى إنشاء منظمة قضائية عربية غير حكومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة. وفي كلمة باسم المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، شدد نائب رئيس المركز جوزيف رحمة على أهمية الدور الذي تقوم به المحاكم العليا في ضمان العدالة الإنسانية دون محاباة أو تمييز، مبرزا أن هذه المؤسسات القضائية تقع على عاتقها مسؤولية الاجتهاد القضائي وسد الثغرات والتعامل مع الأمور الطارئة ومواكبة التحولات التكنولوجية الحديثة. وأشار إلى أن مثل هذه المؤتمرات تتيح لجميع المعنيين بمجال القضاء من محاكم عليا ومعاهد قضائية ومعاهد التسيير القضائي تحقيق التكامل في ما بينها لضمان سيادة القانون وجعل الجميع تحت سلطته. وأضاف أنه لابد من إيجاد آليات للتواصل وإخراج القضاء من دائرته المغلقة، وتقريب الجميع من الجهود التي يقوم بها في ما يخص محاربة الفساد والحد من النزاعات وتوفير العدل للمتقاضين وذلك لضمان انفتاحه على المجتمع واستجابته لتطلعات الشعوب. وكان المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم العليا في الدول العربية قد انطلق صباح أول أمس بمشاركة ممثلين عن 16 بلدا عربيا بالإضافة إلى باكستان، وبحضور ادريس الضحاك الأمين العام للحكومة، وعبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب، ووالوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى مصطفى مداح وشخصيات قضائية ودبلوماسية. وتضمنت أشغال المؤتمر، التي استمرت إلى مساء يوم أمس الأحد، على أربع جلسات مغلقة ناقشت موضوعات تهم «الأمن القضائي في اجتهاد المحاكم العليا العربية» و»مساهمات المحاكم العليا في تعزيز مبدأ استقلال القضاء» و»الوسائل البديلة لحسم المنازعات كالتحكيم والوساطة تحت مظلة السلطة القضائية» و»أثر استخدام الوسائل الالكترونية الحديثة في إدارة القضاء وتنظيمه ومساهمتها في تسريع الإجراءات». يذكر أن المؤتمر الأول لرؤساء المحاكم العليا في الدول العربية كان قد انعقد في مارس 2010 بأبوظبي.