الكتابة هنا عن رحيل صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة، ليس استدعاء بروتوكوليا لتعابير وجمل تفرضها المناسبة، إنما الفعل استحضار لتاريخ ولرمزية ولدلالات... لقد كتب المؤرخ عبد الهادي التازي أنه عند البحث في كل التآليف المدونة عن تاريخ النضال الوطني ضد الوجود الاستعماري بالمغرب، لا يمكن ألا تجد اسم الأميرة للاعائشة بارزا... وعند معانقة التاريخ أيضا، من خلال ذكريات المتقدمين منا سنا وحكايات النساء بالخصوص، يحضر اسم الأميرة، ويحضر المغرب المتأهب لمعانقة الاستقلال، وهنا يذكر لنا كل من عاش تلك الفترة تفاصيل الصورة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وقتها، حتى أن كثير أسر عمدت إلى اختيار اسم «عائشة» لبناتها اللائي ولدن في تلك السنوات، تقديرا وإعجابا ب «زعيمة النهضة النسائية»... الأميرة تلقي الخطاب الشهير في طنجة، على هامش زيارة والدها جلالة الملك المغفور له محمد الخامس سنة 1947، وإلقائه خطابه التاريخي هناك. الأميرة ألقت خطابا أمام تجمع للنساء، يوما واحدا فقط بعد الخطاب الذي ألقاه والدها الملك، وكان مغرب 1947 يبعث بذلك للاستعمار ولكل العالم رسالته القوية بأن المغرب المستقل هو مغرب المساواة بين الجنسين.. الأميرة في 1947 تخرج على مواطناتها وعلى كل العالم بلباس عصري لم يكن مألوفا حينها، وترفع الصوت عاليا وتعلن المواقف، وهي بذلك كانت تعلن أيضا عن ملامح المغرب الجديد، وتعلن عن إرادة المرأة المغربية وانخراطها القوي في معركتي التحرير والبناء، وهي في ذلك لم تكن فقط توجه ضربة للمستعمر، وإنما كانت تعلن صورة مغرب المستقبل في وجه كل الرجعيين، وتكشف عن اصطفاف الأسرة الملكية، بتوجيه من السلطان محمد الخامس، إلى جانب تعليم الفتاة وخروجها للمساهمة في مسلسلات النضال الوطني والبناء التنموي إلى جانب الرجل، ثم تعززت، على ضوء ذلك، أعمال الحركة الوطنية بشأن المدارس الحرة، وفيما يتعلق بتعليم وتوعية النساء المغربيات... وعندما نعيد اليوم قراءة ما قالته الأميرة للاعائشة سنة 1946 في فاس، عندما رددت كلمة والدها: «إن الأمة كالجسر لا يمكن إصلاح نصفها مع بقاء النصف الآخر ناقصا أو عليلا، لقد مضى ذلك العصر الذي أهملت فيه الفتاة المغربية وحرمت من حقوقها، وسترينا الأيام فتيات المغرب غدا وهن شامخات الرؤوس يذكرن بأسماء السيدات الصادقات»، هنا ندرك سر ما تحقق لاحقا من مكاسب على مستوى حقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، وانخراط المؤسسة الملكية إلى جانب هذه الدينامية الحقوقية والمجتمعية. إن مشهد صورة الأميرة للاعائشة في خطاب طنجة عام 1947، وأيضا على غلاف مجلة «التايم» سنة 1957، ومسارها العام، كل هذا يرسم لنا الملامح العامة لأميرة ذات شخصية قوية، وذات مسار طافح بالرمزيات وبالإشارات القوية التي أسست لتحولات هامة شهدها المغرب المستقل. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته