دعا المشاركون في لقاء تخليد الذكرى الخمسينية للخزانة العلمية الصبيحية بسلا، يوم السبت الماضي، إلى إدراج الخزانة الصبيحية ضمن التراث الوطني اللامادي باعتبارها معلمة ثقافية وطنية تضم رصيدا وثائقيا غنيا ومخطوطات نادرة ينبغي الحفاظ عليها، كما ينبغي تدخل الدولة لدعمها ماديا لتمكينها من رقمنة رصيدها من الكتب والمطبوعات لتبقى نبعا فياضا ينهل منه الطلبة والباحثون والراغبون في المعرفة . وأكد اسماعيل العلوي، رئيس جمعية سلا المستقبل، في كلمة ألقاها في هذا اللقاء الذي حمل شعار" الرمز المؤسس والمدينة"، على الشخصية المتفردة لمؤسس الخزانة الصبيحية، حيث كان رجلا وطنيا، كما كان رجل سلطة استثنائي، حيث كان يشغل منصب باشا مدينة سلا، ويدعم في الوقت ذاته الحركة الوطنية، ودافع إلى جانب رجالات الحركة الوطنية عن استقلال المغرب . وأشار رئيس جمعية سلا المستقبل، إلى أن المواقف الوطنية لهذه للراحل عبد الله الصبيحي، كلفته فقدان منصبه كمندوب للصدر الأعظم في الشؤون الفلاحية والتجارية في حكومة المخزن تحت إمارة المغفور له محمد الخامس الذي عينه بعد الاستقلال عضوا بالمجلس الوطني الاستشاري. من جانبه، تطرق أحمد الصبيحي، المحافظ الحالي للخزانة العلمية الصبيحية، في ورقة قدمها خلال هذا اللقاء، للرصيد الغني للخزانة التي منذ تأسيسها ضمت كما متنوعا من الوثائق والكتب تحت إشراف العلامة الحاج محمد الصبيحي، حيث شكلت مكتبته العلمية الهامة النواة الأولى لذخيرة الخزانة العلمية الصبيحية، والتي أغناها الابن المؤسس للخزانة عبد الله الصبيحي عبر اقتناء من ماله الخاص الوثائق والمخطوطات والكتب من مختلف الخزانات الخاصة بالعدوتين سلا والرباط وبعض المدن المغربية. وأشار المتحدث في هذا الصدد، إلى الرصيد الغني للخزانة الصبيحية، حيث تضم مطبوعات باللغتين العربية والفرنسية ومخطوطات تعود إلى قرون خلت، توثق لأحداث وعهود الحقب المعاصرة، وتتميز بتنوع مجالاتها حيث تشمل العلوم الشرعية واللغوية والفقهية وعلم الرياضيات والطب، مبرزا أن 90 في المائة من هذه المطبوعات حجرية، معلنا أن الرصيد الحالي للخزانة يتكون من 4300 مخطوط و1140 كتاب مطبوع بطبعة حجرية، وآلاف الكتب الفرنسية، وهذا الرصيد ساهمت الخزانة من خلاله، كليا أو جزئيا، خلال العشر سنوات الأخيرة ، في إعداد 230 شهادة دكتوراه وشهادة ماستر لطلبة مغاربة وأجانب. وركزت المداخلة الثالثة التي ألقاها إبراهيم غيلان نيابة عن الأستاذ محمد الفران، مدير المكتبة الوطنية، على ما يتطلبه الحفظ وتحديات الرقمنة من جهد وموارد مادية. وقد جسد ابراهيم غيلان هذا الجهد ذلك عبر شريط وثائقي يوضح مختلف المراحل المتبعة من أجل الحفاظ على ذخائر هذه المكتبة ودور الرقمنة في ذلك. هذا وقاربت العروض المكثفة التي قدمها الأساتذة المشاركون في هذا اللقاء، الرصيد الوثائقي للخزانة وملامح من الحياة الدينية والعلمية في سلا من خلال علمائها وصلحائها منذ بني العشرة، مرورا بمختلف الأسر التي تعاقبت على حكم المغرب. كما توقفت المداخلات عند الاكتشاف الأثري الهام الذي عثر عليه صدفة في موقع دار البارود بسلا وسطر مختلف المراحل التي مر منها التنقيب الأركيولوجي (2017-2019)، مستعينا بمجموعة من الصور التي عرضها أمام الحضور والتي تبين اللقى الخزفية المكتشفة وخلص المتدخل إلى أن ما ضمه مكان الاكتشاف حيث تم اكتشاف 44 فرنا لصناعة الخزف وعد من أهم مناطق هذه الصناعة في البلاد خلال العصر الوسيط. و شهدت الجلسة الثانية التي ترأست أشغالها الأستاذة لطيفة الكندوز، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، وهي الجلسة التي شهدت تقديم الأستاذ عز المغرب معنينو تقديم عرض بسط فيه تحقيق الرحلات وفهرسة المخطوطات السلاوية كفهرسة الخزانة العلمية الصبيحية وخزانة ابن خضراء ، كما أشار إلى رحلة إدريس الجعايدي إلى أوربا أيام الحسن الأول، وهي من تحقيق الأستاذ المتدخل الذي بيّن أهميتها العلمية وأبرز إسهامه في نفض الغبار عن مخطوط الدرة الغراء في ترجمة الإمام عبد الله بن خضراء لعبد الله ابن خضراء. فيما اختار الأستاذ العربي واحي مقاربة موضوع المجتمع السلاوي من خلال كنانيش الخزانة العلمية الصبيحية، وركز على مكانة الحرف وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية في سلا خلال فترة الحماية. أما الأستاذ عبد المجيد فنيش فتناول موضوع الفن والمسرح بسلا، مبرزا ما تزخر به الخزانة المذكورة من ذخيرة هامة تسهم في إماطة اللثام عن هذا الفن، الأمر الذي جعل فئة لا يستهان بها من الباحثين المهتمين بموضوع الملحون يجدون ضالتهم بها. واستعرض الأستاذ محمد السعديين، في مداخلته، ملامح من المجتمع السلاوي خلال القرنين 18و19 من خلال نوازل الفقيه عبد السلام حركات التي تتخللها مادة مفيدة تتعلق بالنزاع حول الأراضي الزراعية بسلا ومشاكل الطلاق والإرث والخصومات وعادة التغالي في المهر ونماذج من اللباس والأدوات المنزلية وأسماء العدول والقضاة السلاويين . يشار إلى أن اللقاء شهد تقديم عروض قيمة حول تاريخ ورجالات سلا، حيث توزع على جلستين. تمحورت الجلسة الأولى التي ترأسها محمد الناصري، الأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس بالرباط، حول سؤال النهضة من خلال ثلاث شخصيات من أسرة آل الصبيحي قدمه الأستاذ معروف الدفالي، فيما العرض الثاني ألقته الأستاذة نجاة المريني قاربت فيه مسار حياة الحاج عبد الله الصبيحي المؤسس لخزانة الصبيحي، مشيرة في هذا الصدد إلى عدد من الكتب التي نشرتها الخزانة العلمية الصبيحية.