تحولت مدينة الراشيدية إلى فضاء للفرح والفرجة في بعدها «الفانتازي» من خلال كرنفال الفنون الشعبية الذي طاف شوارع المدينة ليلة أول أمس الثلاثاء، معلنا انطلاقة فعاليات مهرجان الراشيدية الذي ينظم هذه السنة في دورته الخامسة تحت شعار «تافيلالت أيقونة ثقافة الصحراء» و تستمر فقراته إلى غاية يوم السبت المقبل. آلاف المواطنين والمواطنات بمختلف فآتهم العمرية، من ساكنة المدينة وضواحيها تابعوا هذا الكرنفال الذي أفصح بطريقة بليغة عن المكنون الثقافي والحضاري لإقليم الراشيدية ومنطقة تافيلالت والجنوب الشرقي بصفة عامة، جسد من خلاله تميز المنطقة الغني والمتعددة، من خلال كل ألوان الطيف، الفن الشعبي الذي كان ترجمة حقيقية لصورة التعايش الثقافي، اللغوي، الفني والإثني الذي تزخر به المنطقة. وقد سعى المنظمون من وراء تنظيم هذا الكرنفال، حسب مدير المهرجان سعيد كريمي في تصريح لبيان اليوم ، إلى «إبراز هذه التعددية الثقافية التي تلتقي جوانبها المتعددة في إطار واحد هو الشخصية المغربية في أبعادها العربية والأمازيغية والإفريقية واليهودية».مثلت فرق الفنون الشعبية ل( جرافة أحيدوس والبلدي والملحون وكناوة) الغنى الثقافي لتافيلالت، كما أبرزت مختلف العادات والتقاليد المحلية من ملابس وفنون وإيقاعات وأغان ورقصات. واعتبر سعيد كريمي مدير المهرجان في كلمته الافتتاحية أن مهرجان الراشيدية أصبح يشكل مكسبا لساكنة تافيلالت وملكا مشاعا للجميع وليس لجهة أو مؤسسة بعينها، فهو على حد تعبيره «فضاء يجمع فسيفساء الطيف السياسي والثقافي والجمعوي يجتمعون على ما اتفقوا عليه ويعذر بعضهم البعض فيما اختلفوا فيه. فالمهرجان إذن فسحة لتدبير الاختلاف وتجاوز كل أشكال الخلاف، في أفق رسم معالم وقسمات مشروع متكامل يمتح من معين الثقافة العالمة، ومن ذخائر الثقافة الأنتروبولوجية، ثقافة المغرب العميق التي تعد تافيلالت موطنا لها، وأحد أبرز تجلياتها الواضحة». وشدد كريمي على أن شعار الدورة تم اختياره لتثمين ثقافة الصحراء وإخراجها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، وإبراز ثقافة الواحات التي أضحت محط اهتمام المنظمات الدولية، والفاعلين الإيكولوجيين الذين يحرصون على استدامتها وإبقائها، ليس باعتبارها متنفسا طبيعيا فقط، ولكن أيضا باعتبارها فضاء لثقافة القصور والقصبات، ولتراث لا مادي يضرب عميقا في القدم، يجمع بين طياته مختلف أبعاد الهوية الوطنية في شقها الأمازيغي، والعربي، والإفريقي، بل وحتى اليهودي بالنظر إلى كون اليهود تعايشوا لقرون عديدة مع ساكنة تافيلالت، وساهموا، بحسبه، في إرساء لبنات الذاكرة الجماعية. وجريا على عادة الدورات السابقة التي عرفت تكريم رموز الثقافة الوطنية من خلال الحضور القوي لأحد الأجناس الأدبية في كل دورة، ذكر كريمي أن هده الدورة ستتميز بتكريم الدكتور محمد برادة ومن خلاله الرواية المغربية والنقد الحديث، على اعتبار أن الأستاذ برادة يعد اسما وازنا بصم بعمق تاريخ الثقافة المغربية الحديثة، وأضاف سعيد كريمي أن الرشيدية التي ستتحول بفضل هذا المهرجان إلى مركز على المستوى الثقافي، وقبلة ومحجا لأهم المثقفين والفنانين المغاربة، ستعرف أيضا تكريم سيدة الطرب المغربي الأصيل الفنانة المتألقة لطيفة رأفت. وتسعى الدورة الخامسة لمهرجان الراشيدية حسب سعيد كريمي إلى تكريس دمقرطة الفعل الثقافي والفني عبر احتضان التخوم ومدن الهامش لتظاهرات ثقافية وفنية وازنة، والقطع مع سياسة المغرب النافع والمغرب غير النافع، وزرع بذور الفرحة والأمل لدى الساكنة، وجعلها تعيش لحظات الحبور وتذوق الفنون المغربية الأصيلة، والاحتكاك برموزها عن قرب بدل الاكتفاء بمشاهدتها افتراضيا عبر الفضائيات، كما تسعى الدورة إلى تقريب الثقافة والفن من المواطنين، وتجاوز المسافات الجغرافية، ورد الاعتبار لتافيلالت باعتبارها منبعا للعلم والثقافة والفكر والفن كذلك. وما شعر الملحون إلا دليل يعبر عما تزخر به هذه البلدة الطيبة من مقومات فنية، فمنبع ومنبت هذا الفن من تافيلالت، واحتكاك مبدعي الإقليم ومثقفيه مع المثقفين المغاربة الآخرين وتبادل الخبرات والمعارف فيما بينهم ، خاصة أن مدينة الرشيدية، يقول كريمي» تحتوي اليوم على نواتين جامعيتين، وتزخر بثلة من المبدعين والمثقفين الذين شقوا طريقهم نحو الوطنية، بل حتى العالمية، وهذه مناسبة لتكريس هذا التوجه». وضمن فقرات المهرجان كان للجمهور موعد مع سهرة فنية زاوجت بين التراث الأمازيغي التقليدي والعصري ، من خلال الفنانة السوسية عائشة تاشنويت، الفنان مصطفى أومكيل من الأطلس والمجموعة الأمازيغية الفتية «صاغرو باند» من منطقة تافيلالت بالإضافة إلى الفنانة الشعبية زينة الداودية. ويتضمن برنامج هذه الدورة الغني والمتنوع، الممول من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وعمالة الرشيدية العديد من الأنشطة الثقافية والفنية التي يشارك فيها عدد كبير من الفنانين والمثقفين الوازنين. بالإضافة إلى تقديم عدد من الكتب منها، ديوان «فيروز المحيط» لحسن أوريد وكتاب «الغرافيتيا .. الكتابات الحائطية في الوسط المدرسي» للسوسيولوجي أحمد شراك و«إي بلوس سي أفينيتي» (وأزيد إذا حدث تجاوب) لموحى سواك.