منذ تصاعد التوتر بين ماليوفرنسا حاولت باريس إرجاع الخلافات إلى استعانة المجلس العسكري في باماكو بمرتزقة مجموعة فاغنر الروسية لملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب الجيش الفرنسي من مالي، غير أن الأمر يبدو أنه يتجاوز ذلك بكثير. فبعد أقل من أسبوع على طرد مالي السفير الفرنسي خرج رئيس الوزراء المالي شوجويل كوكالا مايغا عن صمته ليطلق اتهامات خطيرة ضد فرنسا مثل دعمها لجماعات انفصالية في شمال بلاده وتحريض دول الاتحاد الأوروبي ضدها من أجل الإطاحة بالمجلس العسكري. وترأس فرنسا الاتحاد الأوروبي لستة أشهر، ودفعت نحو تكريس ضغوط ضد المجلس العسكري المالي للإسراع في إجراء انتخابات يستلم بعدها المدنيون السلطة. وقال مايغا إن فرنسا -ومن خلال ممثليها في جميع المؤسسات الدولية- تحاول عرقلة المشاريع التنموية في مالي، مشيراً إلى أن باريس لها تأثير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وأنها تضغط على المجموعة من أجل إصدار عقوبات ضد باماكو. وأضاف "مالي تعتقد أن فرنسا تمتلك كافة المعلومات حول القرارات التي ستتخذ في قمم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وقادرة على التأثير على تلك القرارات وتوجيهها". وأوضح أن فرنسا أعلنت موعد انعقاد قمة الإيكواس في التاسع من يناير الماضي، والعقوبات التي ستفرض فيها على مالي تمّ الإعلان عنها قبل نحو شهر من انعقاد القمة. كما اتهم فرنسا بانتهاك اتفاقيات التعاون العسكري، وذكر أنها قررت مغادرة القاعدة العسكرية في شمال البلاد دون إعلام الحكومة بذلك، ما دفع الأخيرة إلى مراجعة اتفاقية التعاون التي سمحت لفرنسا بإنشاء قاعدة عسكرية. وأفاد مايغا بأنهم فوجئوا باتخاذ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قرارات بشأن مالي بناءً على المعلومات الواردة في وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية، ودون فتح أي قنوات للحوار مع باماكو. وقال إن الحكومة الحالية في مالي حللت الوضع من خلال استخلاص الدروس من التاريخ، في ضوء التطورات التي شهدها العالم خلال العشرين أو الثلاثين سنة الماضية، مشيرًا إلى أن باريس مازالت تسعى للهيمنة على القارة الأفريقية. ولفت إلى أن الوضع الأمني يزداد سوءًا على الرغم من استمرار عملية "برخان" العسكرية التي أطلقتها فرنسا سنة 2014 للقضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي والجهود التي تبذلها بعثة "مينوسما" التابعة للأمم المتحدة وفريق عمل تاكوبا الأوروبي. واعتبر مايغا أن المشكلة الأمنية في مالي هي أشبه بمرض يتم علاجه لسنوات بناءً على تشخيص خاطئ، إذ قال في هذا السياق "أُعطي المريض دواءً ووصفة طبية، وقيل له إنه سيتعافى في غضون شهرين، لكن المرض الذي أصاب جزءًا واحدًا فقط من جسده في ذلك الوقت انتشر إلى 80 في المئة من جسده خلال السنوات الثماني الماضية". وأضاف أن الحكومة الحالية في مالي أجرت تحليلًا دقيقًا للمشكلة سواء من ناحية التشخيص أو من جهة العلاج أو من ناحية الطبيب، وذلك في إطار نظرة شاملة إلى الحرب الحالية ضد الإرهاب. وأكد أن الجماعات الانفصالية التي جاءت إلى المنطقة (مالي) من ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 كانت مدعومة من فرنسا؛ فقد تلقت دعمًا مباشرًا من الأخيرة بالسلاح والذخيرة. وتابع "قطعت باريس وعدًا للانفصاليين باحتلال شمال مالي وتقسيمه وإقامة دولة مستقلة لهم. هذا ما يقوله قادة المجموعات الانفصالية الذين يتلقون دعمًا علنيًا من السياسيين الفرنسيين". وأشار مايغا إلى أن الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد انقلاب 2013 في مالي طلبت المساعدة من فرنسا التي بدورها استجابت لذلك. وذكر أن "باريس أطلقت عام 2012 عملية عسكرية لهزْم الميليشيا الإسلامية المتمردة" في شمال مالي، وذلك استجابة لطلب من قبل الحكومة الانتقالية التي تصفها باريس اليوم بأنها "حكومة غير شرعية". وأردف "كان من المفترض أن تساعدنا فرنسا على مكافحة الإرهاب، لكنها على العكس من ذلك أوجدت الظروف التي أدت إلى انقسام في مالي وتعزيز مواقع الحركات الانفصالية. وخلال السنوات التسع الماضية تفشت مشكلة الإرهاب في البلاد، وبدأت بالتمدد من الشمال نحو 80 في المئة من أراضي مالي". وحول اتفاقية التعاون في مجال الدفاع التي جرى التوقيع عليها مؤخّرًا بين روسياومالي أكد مايغا أن مالي مستعدة للعمل مع أي دولة تسعى لدعمها، مشددًا على أن السيادة الوطنية وكرامة الشعب خط أحمر لا يمكن التفاوض عليهما. وتابع "نحن لا نعمل فقط مع الجانب الروسي، وإنما نعمل أيضًا مع شركاء آخرين. هناك مساعٍ لتحويل مالي إلى ضحية على مذبح الحرب الجيوسياسية والاستراتيجية بين روسيا والغرب، وهذا ما نرفضه تمامًا". وتؤكد هذه الاتهامات أن الخلافات بين باريس وباماكو تتجاوز مسألة سحب الجيش الفرنسي من مالي في سياق إعادة تموقع فرنسا في منطقة الساحل، ويبدو أن هذه الخلافات وصلت إلى نقطة اللاعودة. والاثنين الماضي طرد المجلس العسكري الحاكم في مالي السفير الفرنسي من البلاد بعد إدلائه "بتصريحات معادية". وتدهورت علاقة فرنسا مع مالي منذ تولى العسكريون السلطة خلال غشت 2020 في هذا البلد الغارق منذ عام 2012 في أزمة أمنية وسياسية حادة.