مساهمة في إشاعة الثقافة القانونية لدى جل المتدخلين بالقطاع الرياضى نظمت الجمعية المغربية «رياضة وتنمية»، والتي تترأسها البطلة المغربية الأولمبية السابقة نوال المتوكل، أول أمس الاثنين ندوة صحفية حول موضوع «القانون والرياضة» بقاعة المؤتمرات بقاعة المؤتمرات التابعة لمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، وذلك بحضور مجموعة من الفعاليات الرياضية والقانونية والسياسية والإعلامية الوطنية، حيث تم افتتاح الندوة بالاستماع إلى النشيد الوطني قبل البدء في التدخلات والمناقشة. عرفت الندوة التي نظمت لمواكبة الحراك السياسي الذي يشهده المغرب مؤخرا، والذي أثمر عن دسترة الرياضة ضمن الحقوق الأساسية التي يضمنها القانون للمواطن المغربي، ثلاثة تدخلات ضمن البرنامج العام للندوة لكل من البطلة الأولمبية وعضو اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية الدولية نوال المتوكل، وعرضين للدكتور اليازغي والأستاذ الرياحي، الأول حول «المسار التاريخي للرياضة والقانون» والثاني حول «تأملات في الرياضة والقانون». وجاءت الندوة التي عرفت حضورا وازنا، وأثار موضوعها اهتمام مسؤولين من الجامعات الملكية الرياضية ورؤساء أندية رياضية وقضاة ووكلاء الملك ومحامون وفاعلين في القطاع الرياضي، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الرياضية المكتوبة والمرئية والمسموعة، لتؤكد على أن العمل الجمعيات الرياضية لم يعد مقتصرا فقط على تنظيم السباقات على الطريق وتوزيع الجوائز على الفائزين، وهو ما أكدت عليه نوال المتوكل في مداخلتها، معتبرة أن الجمعيات الرياضية مطالبة بالمساهمة في نشر الثقافة القانونية في الوسط الرياضي الذي يندرج ضمن مكونات المجتمع المدني. وكانت الندوة فرصة للمتدخلين والمشاركين، أجمعوا خلالها على التقدم التي تسير فيه الرياضة، بالرغم من بعض العراقيل والمشاكل التي تصادف القطاع الرياضي، حيث أكدوا على أن تنصيص الرياضة بالدستور الجديد المعروض للاستفتاء مطلع الشهر المقبل، تأتي من أجل تجاوز هاته العراقيل والنهوض بقطاع حيوي استطاع أن يتفوق على قطاعات كبرى كالسياسة والاقتصاد والسياحة، حيث يكون الرياضيون أكبر حزب بالمغرب. إلى ذلك، فقد شكلت الندوة فضاء خصبا لكل المهتمين بالرياضة للمناقشة، لكن ضيق الوقت لم يسمح للكثيرين بالتدخل والإدلاء بدلوهم في موضوع على درجة عالية من الأهمية، وتم الاكتفاء بمجموعة من التدخلات أعرب أصحابها عن إعجابهم بقيمة العرضين المقدمين من طرفي الدكتور منصف اليازغي والأستاذ نور الدين الرياحي، وعن أملهم في أن يتم تفعيل هاته القوانين بعد أن ظلت إلى أمد بعيد مجرد حبر على ورق. في كلمة تقديمية لنوال المتوكل لابد من مواكبة التحولات دون المساس بالقيم الأخلاقية والتربوية للرياضة في بداية كلمتها الافتتاحية للندوة، رحبت رئيسة الجمعية المغربية «رياضة وتنمية» نوال المتوكل، بكافة الحضور وشكرتهم على تلبيتهم للدعوة من أجل المشاركة في الندوة المخصصة لقضية وصفتها البطلة الأولمبية ب»المهمة»، والتي تحظى باهتمام كبير من الأوساط الرياضية والمتعلقة بالجانب القانوني. وأشارت وزيرة الشباب والرياضة السابقة إلى أن الجمعية المغربية منذ تأسيسها سنة 2003، دأبت على المشاركة في مثل هذه الندوات تنظيما وإعدادا وتنشيطا، لكونها مؤمنة بأن مكانة الجمعية رهينة بانفتاحها على المحيط الخارجي، معتبرة أن الجمعية كمكون من مكونات المجتمع المدني تجد نفسها مطالبة برفع التحديات وبذل الجهد من أجل نشر الثقافة القانونية في الوسط الرياضي. وقالت نوال المتوكل «إن المرحلة الجديدة التي دخلتها الرياضة الوطنية تتطلب وجود ركائز صلبة وآليات تؤهلها لمواكبة التحولات العميقة التي تعرفها الرياضة على الصعيد الدولي»، مضيفة أن الجانب القانوني يظل من بين الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها بأية حال من الأحوال، لأن الجانب القانوني، حسب البطلة الأولمبية، له أهمية قصوى في تنظيم وتقنين وتحصين المجال الرياضي ووضعه على الطريق الصحيح. وأقرت المتحدثة نفسها، بأن الرسالة الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس المنعقدة بمناسبة المناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008، شكلت منعطفا حاسما في الرياضة المغربية وضع حاجزا بين عهدين، وقالت إن الكل بات مقتنعا بأنه لا يمكن الاستمرار على نفس المنوال وبنفس المناهج والأساليب التي «عفى عنها الزمن، وباتت تشكل عرقلة حقيقية أمام أي تطور منشود». وأشارت المتوكل إلى أنه ومنذ انعقاد المناظرة التي تميزت بمجموعة من القرارات الهامة، مجسدة الرغبة الملكية السامية في جعل الرياضة إحدى روافد التنمية المستدامة، عبر تخصيص موارد مالية قارة وتعزيز البنيات التحتية الأساسية بتعميم المنشآت على جل المدن والأقاليم، وسياسة إنشاء المركبات الكبرى، والعودة لتنظيم التظاهرات الدولية. وتابعت المتوكل بقولها إن آخر الإشارات القوية التي ظهرت إلى الوجود، جاءت من خلال التنصيص على النهوض بالقطاع الرياضي بمشروع الدستور الجديد الذي ستتم المصادقة عليه في الأول من يوليوز المقبل، مضيفة أن عملية التنصيص على الاهتمام بالرياضة خلفت ارتياحا واسعا في الوسط الرياضي والجمعوي، حيث أن مشروع الدستور الجديد أصبح يلزم السلطات العمومية بتنمية الرياضة والنهوض بها، مشيرة في ذات الوقت إلى أن الرياضيين على موعد تاريخي من أجل التصويت الإيجابي لصالح الدستور الجديد، من أجل أن تحتل الرياضة الوطنية المكانة الوازنة التي ينشدها لها صاحب الجلالة ضمن القطاعات الإستراتيجية للدولة»، تضيف نوال المتوكل. وقالت وزيرة الشباب والرياضة سابقا، إن التحولات التي تعرفها الرياضة على الأصعدة الجهوية والوطنية والدولية، تفرض مواكبة هذه التحولات، رغم الصعوبات والعراقيل التي قد تصادفنا في عملية النهوض بالقطاع الرياضي، مشددة على أنه لا يجب إغفال القيم التي تنبني عليها الممارسة الرياضية أو مميزاتها، وضرورة استحضارها دائما، خاصة وأن الرياضة تحولت إلى صناعة قائمة بذاتها، وهو ما جعل المتوكل تؤكد على ضرورة الحفاظ على فلسفة الرياضة باعتبارها «مدرسة للحياة والتربية على المواطنة رياضة تحترم المبادئ السامية للحركة الأولمبية، المبنية على السلام والمحبة والتطوع والروح الرياضية والمنافسة الشريفة، ونبذ الكراهية واحترام الآخر، وهى القيم التي يجب علينا جميعا المحافظة عليها والدفاع عنها وتعميقها في نفوس الأجيال القادمة». واستحضرت نوال المتوكل في هذا السياق، فقرات من الرسالة الملكية خلال المناظرة الوطنية، حين قال جلالته: «إن ثقتنا كبيرة في الإمكانيات الكبيرة للرياضة المغربية، ومن هنا، لن نألو جهدا من أجل دعم كل المبادرات الحسنة التي تعمل جاهدة على بلوغ هدفها الأسمى، المتمثل في جعل الرياضة المغربية نموذجا متميزا ومدرسة حقيقية للحياة وللوطنية والمواطنة وعنصرا للتلاحم الاجتماعي ورافعة لإشعاعنا الجهوي والدولي»، انتهى كلام صاحب الجلالة. وفي ختام كلمتها الافتتاحية، جددت رئيسة الجمعية المغربية «رياضة وتنمية»، ترحيبها بكل الحاضرين للمشاركة بهذه الندوة من أجل الإفادة والاستفادة، داعية الجميع إلى المساهمة في النقاش وتبادل الآراء من أجل حمل مشعل ينير للمغاربة درب ممارسة الرياضة. مداخلة منصف اليازغي حول «المسار التاريخي للرياضة والقانون» 90 قانون خلال الحماية مقابل 60 فقط في عهد الاستقلال حاول الدكتور منصف اليازغي في مداخلته التي تجاوزت الساعة، أن يقدم جردا تاريخيا لمسار الرياضة في القوانين المغربية بدء بفرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912، ثم المرور بعهد الاستقلال وانتهاء بالدستور الجديد الذي نص على دسترة الرياضة، حيث قال بأن الانطلاقة الأولى لكرة القدم جاءت عبر المستعمر الذي أدخلها إلى مدينة وجدة سنة 1907، عبر بناء أول أرضية صالحة لممارسة الكرة تحت اسم «مارشال ليوطي»، مشيرا إلى أن المستعمر نقل الكل ما يعرفه عن كرة القدم والرياضة إلى المغرب، مما جعل القوانين المغربية تابعة لقوانين المستعمر في تلك الفترة. وأضاف المتحدث ذاته أن موقع الرياضة في الهيكل الإداري للحماية الفرنسية كان يؤطر للفرق والجمعيات الرياضية التي كان أغلب المنخرطين فيها من الفرنسيين أو المقربين من الإقامة العامة وتحظى بالدعم المخصص دون غيرها، عبر مجموعة من الظهائر التي تتم المصادقة عليها من طرف المقيم العام وتتبع للقانون الفرنسي والتي كان أولها ظهير «الشركات» 24 ماي 1914، مضيفا أن المستعمر رفض مثلا اسم النجاح الذي اقترحه الكوكب المراكشي نظرا لبعده النضالي، فيما اعتبرت الحماية اسم فريق النجم الأخضر محملا بالرمزية، وأكثر حدث يسجله التاريخ هو رفض طلب تأسيس مرتين مشيرا إلى أن الحماية الفرنسية ركزت على قوانين سباق الخيول والقمار والياناصيب من أجل طمس الهوية المغربية عبر أزيد من 30 ظهيرا. وبخصوص الانطلاقة الفعلية للتشريع الرياضي، قال اليازغي إنها انطلقت سنة 1941، حيث تم إصدار الميثاق الرياضي في فبراير 1941 سنة واحدة عن صدور الميثاق الرياضي الفرنسي، هذا الأخير، يضيف اليازغي، عرف قفزة كبرى جراء السياسة التي نهجتها فرنسا بعد هزيمتها أمام النازية، فيما لم يغفل الخبير بالقوانين الرياضية أن عدد القوانين الرياضية بعد الاستقلال عرف تراجعا عما كان عليه في عهد الحماية الفرنسية، إذ انتقلنا من أزيد من 90 قانونا إبان الاستعمار الفرنسي إلى حوالي 60 قانون بعد الاستقلال. واستطرد المتدخل قائلا أن المغرب عمل على تحديث ترسانته القانونية التي ورثها عن عهد الحماية رغم بعض الثغرات التي شابتها، فمثلا ظلت وزارة الشباب والرياضة من دون تحديد اختصاصاتها إلا في فبراير 1976، وهو نفس الإشكال الذي طرح بالنسبة للمؤسسات الرياضية الاستشارية كما حصل مع اللجنة الأولمبية التي لم تكن تتوفر بدورها على مرسوم يحدد اختصاصاتها، مشيرا إلى أن ديباجة قانون 09-30 في عهد وزيرة الشباب والرياضة والرئيسة الحالية للجمعية المغربية «رياضة وتنمية» بإحياء المجلس الوطني للرياضة. وأشار منصف إلى أن الدستور الجديد بإدراجه للرياضة، بات أول دستور على الصعيد الإفريقي والعربي وليلتحق بالدساتير الأوروبية والميثاق الأوروبي 2007 الذي يشير إلى ضرورة قيام الدول الأعضاء بتيسير كل السبل أمام ممارسة مواطني الاتحاد للرياضة، خاصة وأن ظهير الحريات العامة التي غدت الرياضة أحد مكوناتها كان جد متقدم على الصعيد العربي على اعتبار أنه اعتمد في الكثير من نصوصه على الميثاق الفرنسي، موضحا أن الفصول استلهمت مضامينها من الرسالة الملكية، الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضية بالصخيرات سنة 2008، والتي تم إدراجها ضمن باب الحريات والحقوق الإنسانية. وقال اليازغي إن الاستقلالية، التدبير المهني المضبوط، الديمقراطية، دعم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، وحق ممارسة المواطنين للتربية البدنية، أبرز الإشارات التي يمكن الوقوف عليها في الدستور الجديد، مضيفا أن دسترة الرياضة ليست نهاية المطاف من دون اقتناع من الفاعلين السياسيين، علما أن حضور الرياضة ببرامج الأحزاب يظل لدى معظمها باهتا، قبل أن يتطرف إلى مسألة هامة وهي أن لم يحصل يوما أن تقدم نائب برلماني بمشروع قانون يمس الرياضة، وأن كافة المشاريع التي عرفها المغرب وتمت المصادقة عليها في قبة البرلمان كانت من طرف الحكومة. وفي الختام، أكد الدكتور منصف اليازغي على أن كل القوانين التي تضمنها الدستور الجديد تهم الحركة الرياضية كما تهم بقية الأطياف المكونة للمجتمع المغربي، مشيرا إلى الرياضة نجحت في لم جمع شتات المغاربة كافة وتشكيل حزب رياضي هو الأول. عرض نور الدين الرياحي تحت عنوان : «تأملات في الرياضة والقانون» أغلب قوانين الرياضة بالمغرب مستمدة من الخطب الملكية على إيقاع شعري، استهل الأديب ورجل القانون نور الدين الرياحي مداخلته حول الرياضة، والتي اختار أن يجعل منها مجرد تأملات في الرياضة والقانون لكي يخرج بها من جو الرتابة التي تتسم بها النصوص القانونية، ويطرح سؤالا حول العلاقة التي تجمع بين هذين المكونين: القانون والرياضة. وأكد نور الدين الرياحي على أن قانون الرياضة بالمغرب يستمد أصوله وتاريخه من الخطب الملكية، مشيرا إلى أنه بعد العرض القيم لزميله الدكتور اليازغي، يقول الرياحي، أن حاول إيجاد شروح للنصوص الرياضية، لكنه لم يوفق، الأمر الذي دفعه إلى الاجتهاد ليعطي تحليلا لبعض النصوص، مؤكدا في ذات الوقت على أن هذا الورش يجب أن يكون محط اهتمام الرياضيين مباشرة بعد دسترة الرياضة. وحاول الرياحي استحضار المواقف والأدوار التي لعبها الرياضيون في رفرفة العالم الوطني للمغرب بالمحافل الدولية، حيث أشار إلى الخطاب الشهير للمغفور له الحسن الثاني في 1997، والذي أثنى فيه الملك المغربي الراحل كل من البطلين المغربيين سعيد عويطة ونوال المتوكل على الدور الذي لعباه في تعريف العالم ببلد اسمه المغرب، أكثر من معرفة هذا البلد عبر ملكه «المتواضع». ورأى أستاذ القانون أن خارطة الطريق نحو الإصلاح الرياضي بالمغرب عرفت مجموعة من الظهائر كظهير 89، إضافة إلى 13 مرسوما تنظيميا كترسانة مستقلة بذاتها، وهو الشيء الذي يطرح إشكالية قانونية حسب نور الدين الرياحي الذي تساءل: هل في نية المشرع أن يخرج كل هذه القوانين التنظيمية إلى حيز الوجود؟ وأكد المحامي العام بالمجلس الأعلى على أن الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في مناظرة الصخيرات 2008 شكلت خارطة طريق تروم تطوير القطاع على أسس الحكامة الجيدة والاحترافية قصد مواكبة الحركية التي تشهدها الرياضة حاليا على الصعيد العالمي، كما عقد مقارنة بين النصوص القانونية حول الرياضة والتربية البدنية لعامي 1987 و2009، مبينا أن القانون الأخير يهدف إلى تأهيل الرياضة الوطنية والقيام بإصلاحات عميقة في القطاع مع التنصيص على إجراءات مؤسساتية وقانونية وملاءمة الإطار القانوني لمتطلبات التنمية.