استيقظ سي أحمد هذا الصباح باكرا وتأبط في يده ملفا خاصا بابنه الذي يدرس في التعليم الخصوصي بالسلك الثانوي، وهو ينوي مرافقة ابنه سعيد للثانوية المراد التلقيح فيها، تهييئا للموسم الدراسي2021/2022. وقد وجد صعوبة قصوى في إقناع زوجته بجدوى التلقيح، وتلكأ ابنه في الاستيقاظ من النوم الذي أصبح روتينا تقليديا لدى أغلبية شباب هذا العصر، يسهرون طوال الليل وينامون بالنهار. لعله انقلاب أحدثته العطلة الصيفية واربكت به عقارب الساعة اليومية بالبيت: لا فطور في وقته ولا غذاء في أوانه ولا عشاء في عشوته. خاطب سي أحمد ابنه سعيد متوددا: (يالاه أولدي نوض دغيا راه فات علينا الوقت، نقضيو الغرض قبل ما يطلع النهار، ويصهض علينا الحال راه كالو بلي الحرارة غادي ترتفع هاذ ليام). بصعوبة اقتنع ابنه سعيد بكلام أبيه ونهض منتصبا وهو يزمجر بكلام غير مفهوم ينم عن عدم الرضا. وماهي إلا لحظات حتى وجدا نفسيهما خارج البيت يسيران جنبا إلى جنب وهما في صمت مطبق وكأنهما في صبيحة يوم أسود. يعم الابن غضب الاستيقاظ من النوم وهو الذي لم يأخذ كفايته منه، يمشي في الطريق وبه خصاص الصحو، ويعمُّ الأب هلع التلقيح وما يرافقه من إشاعات هنا وهناك. لكنه مع ذلك يحاول قدر المستطاع تشجيع ابنه على تبنّيه لما له من أثر في اكتساب المناعة الجماعية كما يُحْكَى ويشاع طبيا. ما إن اقتربوا من الثانوية حتى لاحت لهم من الأفق حشود من الناس وهي تجتمع في ازدحام شديد أمام بوابة الثانوية /مركز التلقيح الخاصة بالمتعلمين. في بادئ الأمر لم يصدق با أحمد عينيه بل قام بفتحهما جيدا لكي يتأكد من الأمر. يا لهول ما رأى إنه طوفان بشرية وكأنها واقفة تنتظر المساعدات الإنسانية كما في أفلام الحروب لقد اصطفت المئات منهم في طوابير أمام بوابة صغيرة ضاربة عرض الحائط مبدأ التباعد الذي يُنادى به في المساجد والأماكن الإدارية فوضى عارمة تجتاح المكان زادها ثقل المكان بالمرتفقين من آباء وأمهات. عندها نطق ابنه سعيد بلهجة ثائرة: (وشتي آالوالد كن غير خليتني ناعس راه كاين الزحام بزاف ما غاديش يمكن نقضيو الغرض هاذ اليوم). واصل الأب سيره غير مبال بكلام ابنه وتقدم في الطوابير لكي يسأل ويأخذ موعده كما يفعل الناس فإذا به ينال مرتبة جد متأخرة وهي رقم 400 ومع ذلك ركن إلى الوراء واقتعد طوار الطريق رفقة ابنه ينتظر موعد التلقيح وكذلك كان الشأن بالنسبة لباقي الناس المنتظرة. حشود هنا وحشود هناك، تجمعات صغيرة وكبيرة كلها هزمت أطروحة التباعد التي توصي بها وزارة الصحة. الساعات تطول والناس تتكاثر والفوضى الخلاقة تكبر ودرجات الحرارة ترتفع ومعها بدأت الأعصاب تنفلت والهرج والمرج يزيد ويزيد ليقلع الكثير من الناس إلى مغادرة السوق عفوا المكان لأن حظوظ انتشار فيروس كوفيد في هذه التجمعات كبيرة جدا، ولأن با أحمد إنسان متعلم ومثقف واعي فضل الانسحاب من حرب قد يكون فيها هو المنتصر إن أسرع في التراجع والتواري عوض الاندفاع وركوب المغامرة. وعلق سي أحمد مستهزئ من الوضع وهو يقول: (قالو زمان جا يداويها، صدق عاميها) أي نعم، أن نستجيب لنداء الوزارة، لكن أن نرمي أنفسنا إلى التهلكة فذاك أشد الأضرار، أما كان عليهم أن يرتبوا أمر التلقيح لكل إدارة مؤسسة على حدة وفي أوقات متباعدة تفاديا لكل ازدحام؟ هكذا كان سي أحمد يفكر وهو يمسح دنيا الثانوية ببصره ويتأمل الوضع. انسحب رفقة ابنه، كما انسحب غيره آملين في انفراج يبدد قلقهم مما هم عليه الآن. بعد مدة زمنية قصيرة وصلا إلى البيت فولجا إليه، لترتمي الأم على ابنها سعيد معانقة إيّاه وهي تفرح بعودته سالما معافى. لكن سرعان ما أوضح لها الأب الأمور فارتاحت واستراحت وهدأ بالها وصفا فكرها بعد أن غمرته الوساوس. غاصت الأم في أشغالها اليومية واستأنف الابن نشاطه في التسلية عبر الإبحار في عالم الفضاء الأزرق وخرج سي أحمد ليجتمع مع أصدقاء دربه. في المساء، وبينما هم يتناولون وجبة العشاء وعينهم على شاشة التلفاز لتلقّف آخر أخبار اليوم والتعرف على جديد الحالة الوبائية بالمغرب، إذ بالمذيعة تفاجئهم بقرار وزارة التربية الوطنية القاضي بإرجاء الدخول المدرسي ليوم الجمعة فاتح أكتوبر2021 ، عندها استبشر سي أحمد خيرا وأدرك أن الوزارة على حق، نظرا لما كان سيحدث لولا تمديد فترة العطلة لترك هامش زماني للأطقم الطبية لتتميم عمليات التلقيح المتواصل عبر كل أرجاء البلاد. بقلم: حسن الوافي