" كل أشرعتي تمزقت" المنظر: ] الستارة مغلقة… صمت يعم المكان… تفتح الستارة بالتدريج إلى أن تفتح بالكامل على صفارات سيارات الإسعاف، تضاء الخشبة… تدخل الممرضة "رحمة" وهي تتكلم عبر هاتفها المحمول مخاطبة زوجها ترتدي زي الممرضات الخاص بوباء كورونا[. رحمة: و الله يا صادق إنني أختنق، أريد أن أتنفس، أريد أن أخرج إلى دنيا الناس، أريد معانقة ولدي، و تقبيل والدتي، ستون يوما وأنا أنتظر. صادق: ]عبر الهاتف[، اصبري… اصبري، ستفرج إن شاء الله. رحمة: لم أعد أحتمل، لم أعد أحتمل ] تبكي[ لقد بدأت أشعر و كأنني في منفى صادق: كوني قوية كما عهدتك، و أنه ما علينا إلا أن نتحلى بالصبر، لأنه لا منفذ لنا إلا هو. رحمة: كيف أصبر وأنا محرومة من رؤية ولدي و من رؤيتك أنت كذلك صادق: ] باطمئنان[ ولدينا بخير… إنهما عند والدتك رحمة: ودراستهم؟ صادق: إنهم يتابعون دروسهم عن بعد، وأنا أزورهم كل ليلة. رحمة: الحمد لله، وأنت كيف حالك؟ صادق: أنا بخير، أتناول غذائي عند والدتي والعشاء عند والدتك لأراجع الدروس على الولدين. رحمة: لقد طمأنتني الآن عليك و على الولدين ، بلغ سلامي للجميع صادق: إن شاء الله رحمة: هيا، مع السلامة ] يدخل طبيب المستشفى الدكتور محسن و هو يتكلم عبر هاتفه المحمول بزيه الطبي[ محسن: ] يتحدث عبر الهاتف[ والله لقد امتلأ قلبي حنينا لرؤيتك و رؤية أولادي الزوجة: وهم أيضا اشتاقوا إليك محسن: والله إن كل لحظة تمر بي إلا وأشعر بشعور غريب يساورني لم أعرف كنهه الزوجة: إنه العياء، من يملك السيطرة عليك محسن: إنني أعتقد أن كل أشرعتي قد تمزقت والمجداف تكسر الزوجة: لا تنفخ في الجمر ليستيقظ ما بقي من الفحم محسن: إنه الإحباط الذي يربكني الزوجة: افترش الصبر و التحف الأماني واجعل كل همك مع مرضاك، فأنا والأولاد بخير، و الأسرة كلها تسلم عليك. محسن: لقد أصبح المستشفى بالنسبة لي سجن أبيض… سجن بلا أسوار، بلا أسلاك، سجن تطرزه ملائكة الرحمة بغير دواء الزوجة : لا تبتئس و لا تحزن، فغدا ينتهي هذا الوباء و يبقى في خبر كان محسن: لا فائدة، أقول لك لا فائدة، المستشفى لم يعد يحتمل أعداد المصابين الزوجة : المواطنون هم السبب، لعدم التزامهم بالحجر الصحي، و ها نحن نجني أخطاءنا محسن: نعم، نجني أخطاءنا، و أنا كل ليلة لا أبيت إلا على وهم قاتل، صدقيني يا حياة، صدقيني الزوجة: إنك تخلخل أعصابي بحديثك هذا يا محسن وتجعلني أسافر عبر عوالم لا أتقن السباحة فيها محسن: إنه الواقع يا حياة، إنه الواقع الذي نعيشه داخل هذا المستشفى، ستون يوما لم نذق فيها طعم النوم إلا وقوفا الزوجة: المجتمع كله يحييكم أنتم الأطباء، كما يحيي كل الأساتذة، و رجال الأمن وعمال النظافة، أنتم الجنود البواسل، حياكم الله محسن: ]ينظر إلى ساعته اليدوية[ هيا يا حياة، أستودعك الله، مع السلامة ] يضع هاتفه داخل جيبه فتخاطبه الممرضة رحمة[ رحمة: و الله يا دكتور لولا هذه المكالمات الهاتفية من الأسرة، لكنت جسدا من ثلج محسن: حقيقة يا رحمة، إنها هي التي تخفف عنا ألم البعاد، ومن مضايقة هذا الحصار رحمة: لقد تعبت يا دكتور… والله لقد تعبت محسن: إن ما نحن فيه ونعيشه يوميا بين أشيائنا في دهشة مروعة سببه المواطن رحمة: أتفق معك دكتور إننا كمن يعيش وسط بيت زجاجي يخشى سقوط الحجارة أو البرد الثقيل محسن: و الله إنني لأتعجب لهذا المواطن الذي يلهو راكضا غير آبه بهذا الوباء رحمة: و كأنه لا يستمع لنشرات الأخبار الوطنية والدولية محسن: حتى و لو كان يستمع إليها أو إلى بعضها فهو لا يعيرها اهتماما رحمة: و نبقى نحن من يدفع الثمن محسن: نعم… ثمن الشوق للأولاد و الأهل والأقرباء رحمة: ستون يوما كلها مفروشة بالخوف مغطاة بالحزن محسن: ثلاثون عاما و أنا طبيب و لم أعرف وباءا من مثل هذا الوباء اللعين رحمة: أظن أنه أخطر من وباء الطاعون محسن: كلهم أوبئة و فيروسات تنتشر بين البشر كالنار في الهشيم رحمة: مع الأسف الشديد كل جهات الأرض باتت تحت رحمة هذا الكورونا اللعين محسن: لا عاصم اليوم منه إلا بالحجر الصحي و ارتداء الكمامة في الشوارع والأزقة والتزام الناس لمنازلهم رحمة: ولكنهم لم يلتزموا يا دكتور محسن: وماذا عسانا نعمل لهم، مهمتنا نحن هي التطبيب لا غير. رحمة: أظن أنها مهمة المسؤولين عن النظام الداخلي للوطن محسن: المسؤولون نبهوا المواطنين عن طريق وسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمكتوبة ولكن ]صمت[ لقد صدق الشاعر حين قال: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي رحمة: ] تضيف قائلة[ ولو نار نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد محسن : ] في تعجب[ أتحفظين الشعر يا رحمة؟ رحمة: الشعر بالنسبة إلي يا دكتور هو غذاء الروح، فبالشعر أنا أنسى كل همومي، وخصوصا مع هذا الوباء اللعين محسن: أتفق معك يا رحمة لولا هذا الشعر لكانت حياتنا جافة رحمة: والله يا دكتور كلما شعرت بأنني حبلى بالتوتر، أقوم بانجاب أبيات من الشعر تسليني محسن: و أنا مثلك، أحفظ العديد من الأشعار لفطاحل الشعراء من كل العصور ] تسمع صفارات سيارات الإسعاف ينظران إلى بعضهما[ هيا إذن لاستقبال المرضى اظلام تام النافذة الثانية " لا تحكم على الناس من مظاهرهم" المنظر: ] الطبيب محسن يقف أمام شخص مجهول في بهو المستشفى[ الطبيب: من أنتم أيها السيد، و كيف دخلتم المستشفى؟ الغامض: أنا الغامض بن غموض الفاتك الطبيب: ]في استغراب[ ماذا قلت؟ ! الغامض: لقد تربيت على ألا أعيد كلامي مرة ثانية لأي أحد الطبيب: ولكنني لم أسمع بك من قبل الغامض: ] يقهقه[ وكيف تسمع بمن لا تعرفه؟ الطبيب: ] بلهجة جادة[ اسمع أيها السيد الغامض بن غموض، أرجوك ألا تضيع وقتي، وأخبرني كيف دخلت؟ الغامض: بودي لو أخبرتك كيف دخلت ولكن؟ الطبيب: ] مستفسرا[ و لكن ماذا؟ قل يا سيدي وتكلم فالمستشفى محاصر من كل الجهات ولا يدخله إلا العاملون به مع المرض الغامض: كل المستشفيات أملك مفاتيح أبوابها، وأدخل من أي باب شئت وأخرج غانما كما دخلت الطبيب: ] في حيرة[ يخيل إلي أنني أقف مع مجنون أو معتوه أو تائه، أو ربما مع لص ماكر. الغامض: ] يضحك[ لست هذا و لا ذاك أيها الطبيب الطبيب: ومن تكون إذن، وماذا تريد؟ الغامض: جئت مع من جيء بهم إليك هذه الساعة. الطبيب: لا تتكلم معي بالألغاز، أرجوك وخلصني … ماذا تريد؟ الغامض: كلامي واضح يا دكتور الطبيب: المهم… جئت مع من جيء بهم إلى المستشفى، و لكن لم تجبني عن سؤالي، ماذا تريد؟ الغامض: ] بكل هدوء[ اسمع أيها الطبيب المعالج، تعجبني رحابة صدرك الطبيب: ثم ماذا بعد؟ الغامض: أريد منكم أن تجدوا لي اسما أعرف به عند الخاصة و العامة، أعرف به في المختبرات والصيدليات أعرف به في الشرق والغرب وفي كل بقاع العالم الطبيب: كيف تطلب مني أن أجد لك اسما، وأنت تعلم أن هذا ليس من اختصاصي، ثم قلت لي آنفا بأنك الغامض بن الغموض الغامض: نعم، قلت لك هذا الطبيب: إذن؟! الغامض: ] يقاطعه[ أليس من حق أي شخص أن يختار اسمه الطبيب: على ما أعتقد، لا يمكنه ذلك، فأبواه هما من يملكان هذه الأحقية الغامض: و من حقه أن يغير اسمه إن أراد ذلك الطبيب: في شبابه نعم الغامض: هذا إن كان مخلوقا، وإن كان مصنوعا فمن يملك حق تسميته الطبيب : المخترع طبعا الغامض: صدقت، المخترع… إذن ما الإسم الذي تختاره لي الطبيب: ولكنني لست مخترعا… اسمع لقد أحرجتني أيها الغامض فأنا لا أملك هذه الخاصية، و دعني أرجوك أباشر عملي الغامض: ومن يملك ما أريد في نظرك؟ الطبيب: باستطاعتك أن تعرج على الدوائر الحكومية المختصة و هناك قد تجد ضالتك الغامض: ] يضحك[ لا أيها الدكتور، اسمي المبجل أنتم الذين تختارونه وتلصقونه بهيأتي الطبيب: يا الله، هل كتب علي أن أناقش هذا الغامض مناقشة بزنطية و في هذه اللحظة بالضبط ] صمت[ اسمع أيها الغامض أرجوك أن تغادر المستشفى كما دخلت، ودعني أداوي مرضاي الغامض: ] يقهقه[ المسكين… يداوي مرضاه، الظاهر لي أنك لم تفهم اللعبة بعد يا دكتور؟ الطبيب: عن أي لعبة تتحدث أيها الغامض الذي لا أعرفه؟ الغامض: يؤسفني أنك ثقيل الفهم، أو أنك لا تريد أن تفهم الطبيب: أفهم ماذا؟ خبرني، أرجوك فالوقت لا يرحم الغامض: اسمح لي لو قلت لك بأنك تتعب نفسك فقط الطبيب: إذن فارحمني و اذهب إلى حال سبيلك و دعني أباشر مهنتي كما قلت لك الغامض: و الله و بالله وتالله، لو باشرتها ليل نهار فلا تحصد إلا الخسران المبين الطبيب: و كيف عرفت ذلك؟ الغامض: لأنني أنا الغامض الذي يرى ما لا يرى الطبيب: فهيا خبرني ماذا ترى من الذي لا يرى الغامض: إنني أرى أنفسا قد حان وقت هجرانها الطبيب: هجران ماذا؟ الغامض: هجران أجسادها طبعا الطبيب: و كيف عرفت ذلك؟ الغامض: إنها خبرتي و مهنتي التي أورثنيها والدي المعظم الطبيب: ووالدك المعظم هذا كان يستطلع الغيب ليعلمك رؤية ما لا يرى؟ الغامض: جزاه الله خيرا فقد أنجب العديد من إخوتي الطبيب: على ما أعتقد أنت أكبرهم الغامض: بالعكس يا دكتور ] بتهكم[ أنا أصغرهم، و أقواهم الطبيب: أصغرهم الغامض: نعم، فعمري لا يتعدى الخمس سنوات الطبيب: مستحيل أن تكون بهذه الهيأة و عمرك خمس سنوات الغامض: عليك ألا تحكم على الناس من مظاهرهم الطبيب: احتفظ بنصيحتك لنفسك و دعني أباشر عملي الغامض: انتهى عملك اليوم مذ دخلت عليك هذا المستشفى الطبيب: كيف … انتهى عملي، لم أفهم قصدك، أوضح، و إلا طلبت من عسس و شرطة المستشفى باعتقالك الغامض: نصف مرضاك يا دكتور غادروا دنياهم الطبيب: ماذا تقول؟ الممرضة: ] تقبل الممرضة رحمة مهرولة[ دكتور… دكتور الطبيب: ] يلتفت إليها[ نعم..نعم.. ماذا بك يا رحمة الممرضة: ] و هي تلهث[ الجناح "س" يا دكتور الطبيب: الجناح "س" الممرضة: نعم… نعم… كلهم… كلهم ]في اضطراب[ الطبيب: كلهم ماذا؟ الممرضة: ] بصوت عال و بسرعة[ كلهم ماتوا الطبيب: ] يضع رأسه بين يديه[ اللهم فاشهد، لقد بدلت كل ما في وسعي لإنقاذهم، ولكن ]يسقط له اللفام عن أنفه[ الغامض: ] ينظر إلى الطبيب[ دكتور.. ضع اللفام على أنفك و إلا … الطبيب: وإلا ماذا؟ الغامض: ستكون ضيفا لا قدر الله من ضيوف الجناح "س" الطبيب: ]غاضبا[ اغرب عن وجهي… اغرب أيها اللئيم… اغرب إظلام تام النافذة الثالثة " لا معنى للموت قبل الأوان" المنظر: ] الغامض بن غموض يقف داخل بؤرة ضوء حاملا كتابا ستلط الإضاءة بالتتابع على عنوانه و هو كوفيد 19 كورونا[ الغامض: ] في كبرياء[ ما شئت أنا، لا ما شئتم أنتم أو هم، أنا الغامض بن غموض، أجوب القرى و المداشر، أجوب الحارات والدروب، أطوف الأزقة و الشوارع، وأنفث سمي في كل من يلقاني غير مكترث بجنسه و فصله و مقدرا سنه وعمره، أنا من يثير البلبلة في العالم، فبربكم أخبروني أنه من أثار هذه الزوابع في النفوس و احتار الأطباء في تفسير جنسه أهو مصنوع أم مخلوق ] صمت[ أعرف أنه لا جواب لديكم، و قد لا أخفيكم سرا أنه أنا بجلال قدري و عظمة سطوتي لم أعرف من أنا، قيل لي يوما بأن عشي فوق ناطحات السحاب و قيل لي بأن مرتعي جنب السور العظيم، و هكذا تهت بين الجهات لا ألوي على شيء، وأخيرا أجمعوا قولهم بأنني من سلالة عريقة كثيرة العدد أبسطها مرض الزكام و يعلم الله ماذا وراء هذا التصنيف… إنني مثلكم أنتظر إتمام الأبحاث العلمية في المختبرات… أعرف أنكم أجبرتم على ترك وظائفكم ومهنكم، ولكن اصبروا، حتما سيملؤون الإذاعات و التلفزات بالزعيق والصراخ والتخويف وأنتم المساكين تصدقون الأوهام. آه ما أعظمني، لأول مرة أحس بأنني سيد هذا العالم أعرف أنكم لا ترونني بأعينكم المجردة… هيا استعملوا المجهر و مهما رأيتموني قولوا يا سبحان الله كيف لهذا الشيء الذي هو أنا طبعا غير وجه العالم. والله إنه ليحزنني أن أراكم تتساقطون تباعا، الواحد تلو الآخر، و لكن عليكم أن تعرفوا أن الذنب ليس ذنبي فما أنا إلا شيء مأمور، ولو التزمتم بالحيطة والحذر في غفلة مني لوجدتم أنفسكم في مأمن من سمومي ومن تجار الموت كذلك. من حقكم أن تتسوقوا وأن تلتذوا بالجلوس في المقاهي و المطاعم، و أن تستحموا في الحمامات و تتزينوا عند الحلاقين و ترتادوا المسارح و دور السينما والملاعب و المساجد كما يذهب التلاميذ إلى مدارسهم و الطلاب إلى كلياتهم، ولكن… بيني و بينكم حتى لا يسمعنا أحد، خذوا حذركم… فاللقاح غير موجود، و كل من يصاب منكم لا يلومن إلا نفسه. ]يضحك[ أعرف أن حب البقاء عندكم أضحى رهينا بتكبيل الخطى في حضرة كل دار وأن منازلكم مساجدكم.. انظروا إلى المدن كيف أمست مطرزة بالصمت والسكون عابرة أيام عمرها على صهوة زمن يعدو من غير خيول، والناس تعثروا في الطرقات و راحوا يلوكون في همهمات تعويذات علها تذيب المخاوف تسمح عن وجوههم الذبول، أعرف أنه لا معنى للموت قبل الأوان، ولكنه القدر الذي سمح بتشييع الجثامين من غير ذوي الأرحام، أو ربما شيعت من غير صلاة جنازة أو قراءة قرآن. ]يضحك[ مساحيق الكبار بددتها و عريت وجه التنين الأصفر و قزمت ألعوبة العجوز ودفعت بالعم السام ليخبئ رأسه في الرمل يعض على نواجده بنواجده في انكسار ]يضحك[ ها أنا ماض لأضع حدا لحياة ورود وأزهار في صمت، وهي المسكينة أراها تملأ حياتها عشقا بالتملي في ملكوت الله، ها أنا ماض أنحر من كل مشاتل العالم مليون وردة، أحنق القرنفل والياسمين و أذبح البنفسج والنرجس والنسرين حتى لا أرى منهم و منكم غير أجساد صرعى في كل مكان ها آندا الآن أمامكم يا صناع القرار ويا محبي الحياة وعشاقها هاجموني إن استطعتم… هيا … هيا. إظلام تام النافذة الرابعة " إنه أخطر من الخطر" المنظر: ] في غرفة الإنعاش يقف الدكتور محسن مفكرا والممرضة رحمة تهيئ أدوات التعقيم[ الطبيب: أظن أنني افتقدته الممرضة: ] مستفهمة[ افتقدت من يا دكتور؟ الطبيب: ذلك الغامض بن غموض الممرضة: و كيف تفتقده و أنت كنت تتحدث إليه؟ الطبيب: لست أدري ] كمن تذكر شيئا[ عرفته.. عرفته.. اللعين يا رحمة الممرضة: عرفت من يا دكتور؟ الطبيب: الغامض بن غموض الممرضة: ومن يكون هذا الغامض بن غموض الذي شغل بالك؟ الطبيب: إنه هو.. هو و رب الكعبة… إنه هو ]يضرب كفا بكف[ الممرضة: ]في استغراب[ دكتور محسن… دكتور محسن ماذا أصابك؟ الطبيب: لا يا رحمة لم يصبني شيء، و إنما عرفته… عرفت الوباء الذي كان يناقشني … احذري أن تقتربي منه إن التقيت به مرة أخرى. الممرضة: أ هو بهذه الخطورة الطبيب: نعم… إنه أخطر من الخطر، بل هو الخطر بعينيه و رجليه الممرضة: لست أدري إن كان الباب الرئيس مغلقا أم لا؟ الطبيب: هذا هو الفيروس الذي أتعبنا وأتعب العالم كله الممرضة: ] في استغراب[ الفيروس… لم أفهم يا دكتور، ماذا تقصد بالفيروس الطبيب: إنه هو اللعين جاء يستفزني الممرضة: دكتور عن أي فيروس تتحدث؟ الطبيب: إنه كورونا يا رحمة… الكوفيد 19 أفهمت الآن الممرضة: ] مذعورة[ دكتور إنني أحسن بقشعريرة تسري في بدني كله الطبيب: لا تخشي شيئا، فأنت مع ضحاياه ستين يوما في هذا المستشفى، اسمعي ما دام لثامك يغطي وجهك وتعقمي يديك مرة… مرة، فلن يستطيع اجتياز ذاتك الممرضة: أصحيح ما تقول يا دكتور؟ الطبيب: أنسيت أم تناسيت التعليمات التي تبث للمواطنين الممرضة: لا لم أنس شيئا، وإنما هو الخوف يا دكتور الطبيب: ] في استغراب[ كيف تقولين الخوف وأنت تعيشين مع المصابين كل يوم و ليلة. الممرضة: اسمح لي دكتور، لم أقصد، و إنما الطبيب: ] يقاطعها[ أعرف… إنها الضغوطات النفسية الممرضة: صدقت دكتور، و لكن كيف السبيل إلى الشفاء من خطر هذا اللعين؟ الطبيب: هذا الشيء هو الذي حير العلم و الدين. الممرضة: وما دخل الدين في هذا الوباء؟ الطبيب: هدئي من روعك و اسمعيني الممرضة: ها أنا دكتور الطبيب: إذا كان هذا اللعين مخلوقا فهو جندي من جنود الله يرسله الله إلى الظالمين من عباده الذين ابتعدوا عن الطريق المستقيم، وإن كان مصنوعا فهو من ابتكار تجار الموت الجبناء لذا على الدين و العلم أن يضعا يدا في يد لاجتثاته من فوق الأرض و من جو السماء الممرضة: أفهم من كلامك أنه ليس هناك أي تعارض بين الدين و العلم في مواجهة هذه الجائحة. الطبيب: طبعا، على الكل أن يتحمل مسؤوليته الممرضة: وكيف ذلك؟ الطبيب: إن كان هذا اللعين جندي من جنود الله كما يقول الدين، فعلى البشرية أن تعود إلى التعاليم الدينية بإتباع الأوامر و الابتعاد عن النواهي و هنا أتذكر ما قاله لافوتنين في رائعته الحيوانات المرضى بالطاعون حيث قال: إنه مرض ينشر الرعب، مرض أرسلته السماء في ثورة غضبها، عقابا على الجرائم التي ترتكب على وجه الأرض الممرضة: و إن كان من ابتكار تجار الموت كما قلت؟ الطبيب: في هذه الحالة، وجب توعية الناس باتباع كل التعليمات الطبية، و على علماء الأوبئة أن يبذلوا قصارى ما يعرفون للبحث عن العلاج و اللقاح الملائم الممرضة: أتمنى أن يتفهم الجميع خطورة هذا الوباء وأن يأخذوا حذرهم الطبيب: أنت تعرفين انطلاقا من هذا الكم الهائل من المصابين الذين عندنا في هذا المستشفى أن الداء قد استفحل كثيرا الممرضة: وعليه لابد من الإكثار من التوعية والتوجيه، إضافة إلى التشديد على الحجر الصحي الطبيب: إضافة إلى ذلك ضرورة سن عقوبات زجرية و صارمة لكل مخالف، و إلا ستكون هناك كارثة كبرى لا قدر الله الممرضة: اسمع أيها الدكتور الفاضل، لقد أدركت الآن فقط أنه اللعين مصنوع، و لذلك يتباطأون في إيجاد الدواء اللازم أو اللقاح المنجي من تسلطه الطبيب: أشاطرك الرأي، فلو كان من جنود الله لوضع الله له الدواء الممرضة: طبعا لأنه ما من داء إلا و له دواء إلا الموت الطبيب: المذنبون هم تجار الموت ألا لعنة الله عليهم صباح مساء الممرضة: ولكن كيف منحوا للظالم جواز المرور إلى أبدان الناس الطبيب: إنه يتسلط على كل من ضعفت مناعته، ولا فرق عنده بين الجنسين، أو بين غني وفقير الممرضة: إذن ابتكروه للحد من سكان المعمور فإذا به ينقلب عليهم هم كذلك الطبيب: لقد انفلت من بين أيديهم الممرضة: ] تضحك[ انقلب السحر على الساحر الطبيب: الحمد لله أنك ضحكت ]تسمع صفارات سيارات الإسعاف[ إظلام تام بقلم: محمد فراح