يستعين حاكم عربي في نظام شمولي بقواته الأمنية ومسلحي ميليشيا غير نظامية موالية له للقضاء على احتجاجات سلمية مطالبة بالديمقراطية مما يسفر عن مقتل المئات منهم نساء وأطفال. أما الخيارات المتاحة أمام الغرب فهي إما إصدار بيانات تدين الاستخدام المفرط للقوة أو السعي لفرض عقوبات من الأممالمتحدة وإجراء تحقيق من خلال المحكمة الجنائية الدولية أو تقديم دعم عملي للمحتجين المطالبين بالديمقراطية أو التدخل العسكري. ويتفاوت رد الفعل في رأي المدافعين عن حقوق الإنسان طبقا لطبيعة كل حالة على حدة. فالقوى الغربية التي قررت التدخل العسكري في مواجهة الزعيم الليبي معمر القذافي استنادا إلى مبدأ في الأممالمتحدة يقوم على تحمل المسؤولية في حماية المدنيين اقتصر رد فعلها على مقتل نحو 350 شخصا في سوريا على الغضب الذي لم يتجلى إلا من خلال التصريحات. فالمصالح الاقتصادية والأمنية للغرب والقيم الإنسانية تختلف في كل حالة لكن ما يعتبر ازدواجية في المعايير يثير السخط في الشرق الأوسط والرأي العام في دول غربية. وقال جو ستورك نائب مدير الشرق الأوسط في جماعة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان في بيان معلقا على الأحداث في سوريا «بعد مذبحة يوم الجمعة لم يعد كافيا إدانة العنف». وأضاف «في ظل سياسة إطلاق الرصاص بهدف القتل التي تنتهجها السلطات السورية على المجتمع الدولي أن يفرض عقوبات على من يأمرون بإطلاق الرصاص على المحتجين». وعندما استدعت البحرين في الشهر الماضي قوات من المملكة العربية السعودية لمساعدتها في القضاء على الحركة الداعية للديمقراطية والتي يمثل الشيعة أغلب المشاركين فيها رددت الولاياتالمتحدة وأوروبا بعض التصريحات الصورية تعبيرا عن الاستياء ثم لاذت بالصمت. كان قتل المتظاهرين في البحرين على نطاق أصغر مما شهدته ليبيا أو سوريا كما أن ما أعقب ذلك من اعتقالات وإقالة من العمل وحالات اختفاء لم يلق نفس القدر من التغطية الإعلامية. بل الأهم من ذلك أن البحرين مقر الأسطول الخامس الأمريكي الذي يراقب ايران على الجهة المقابلة من الخليج وينظم دوريات في أهم الممرات الملاحية في العالم التي يجري من خلالها تصدير النفط. كما أن الأسرة الحاكمة في البحرين تربطها علاقات وثيقة للغاية بالقوة الاستعمارية السابقة بريطانيا لدرجة أن الدعوة وجهت الى ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة لحضور حفل الزفاف الملكي للأمير وليام وكيت ميدلتون الذي يقام يوم الجمعة المقبل لكنه رفض الدعوة لمنع احراج بريطانيا. وهناك أسباب إستراتيجية وسياسية وعملية تقف وراء تفاوت ردود الفعل الغربية تجاه أحداث في سوريا وليبيا واليمن بعد أن أيد الغرب بعد تردد التغيير الديمقراطي في تونس ومصر. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) عندما سئل عن هذا التناقض في المواقف «كل هذه المواقف مختلفة. لذلك يجب ألا نعتقد أننا لمجرد قيامنا ببعض الخطوات في ليبيا فاننا سنكون قادرين أو مستعدين أن نقوم بنفس الخطوات في دول أخرى بالعالم العربي». وقال هيج انه في حالة ليبيا هناك مطالبة مباشرة بالمساعدة من المعارضة كما أن جامعة الدول العربية طلبت من مجلس الامن التابع للامم المتحدة اصدار قرار لاتخاذ اجراء لفرض منطقة حظر للطيران. وتقول حكومات غربية انها حالت دون وقوع مذبحة كان القذافي قد هدد بارتكابها في بنغازي. وفقدت قوات القذافي السيطرة على أكثر من ثلث أجزاء البلاد كما أن قواته المسلحة هشة وتفتقر الى ما يكفي من الاسلحة. لكن على العكس من ذلك فان سوريا لديها جيش مدرب جيدا وتمتلك صواريخ روسية وطائرات قتالية ويعتقد كذلك أن لديها أسلحة كيماوية مما يجعل التدخل العسكري الغربي غير وارد على الاطلاق. ومن الاعتبارات الاستراتيجية الرئيسية أن الغرب يرغب في ضمان ألا تؤدي هذه الانتفاضات العربية وردود فعل الحكام الى زعزعة استقرار منطقة الشرق الاوسط مما يهدد امدادات النفط للدول الصناعية أو يؤدي الى صراع أوسع نطاقا. وارتفعت أسعار النفط بالفعل إلى نحو 125 دولارا للبرميل بعد أن كانت 80 دولارا في العام الماضي ومن أسباب ذلك انخفاض الإمدادات الليبية وأيضا خفض السعودية للانتاج مما أدى الى ارتفاع الاسعار. وينظر للخطوة السعودية جزئيا على أن من أسبابها الحاجة الى تمويل منح كبيرة وعد بها الملك عبد الله بن عبد العزيز للحيلولة دون حدوث أي اضطرابات محتملة في بلاده. كما أنها ربما تظهر التوترات بين السعودية وواشنطن. ويقول بعض الدبلوماسيين ان الاسرة الحاكمة في السعودية شعرت بغضب بالغ من الطريقة التي تخلى بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ومنذ الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين في العراق والأولوية الكبرى للولايات المتحدة في المنطقة هي منع إيران من الحصول على قدرات تمكنها من حيازة أسلحة نووية وهو ما يرى خبراء غربيون وعرب انه سيكون له أثر شديد على زعزعة استقرار المنطقة. وسوريا هي أقرب حلفاء ايران وتحاول القوى الغربية على مدى العامين الماضيين استرضاء الرئيس السوري بشار الاسد لابعاده عن طهران وتشجيعه على التوصل لاتفاق سلام مع اسرائيل والذي من الممكن أن يزيل مصدرا رئيسيا للاحتكاكات في المنطقة. وبعد سنوات من محاولة الضغط على سوريا دون نجاح يذكر فيما يتعلق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005 أرسلت الولاياتالمتحدة سفيرا مرة أخرى الى دمشق هذا العام.وعينت فرنسا مبعوثا خاصا في الصيف الماضي لتسهيل اتصالات سرية بين سوريا واسرائيل ويقول دبلوماسيون ان تركيا واسبانيا وألمانيا أيضا تشارك في نقل الرسائل بين الجانبين. وإذا سعى الغرب لادانة الاسد في مجلس الامن أو احالة ممارسات النظام السوري من قمع المتظاهرين إلى المحكمة الجنائية الدولية فان روسيا وهي حليف لسوريا منذ زمن طويل ربما تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار. كذلك فان أي اجراءات دبلوماسية غربية ربما تدفع سوريا أكثر في اتجاه ايران وربما تؤدي الى انتقام حزب الله في لبنان سواء من اسرائيل أو القوات الاوروبية الموجودة في المنطقة العازلة بجنوب لبنان. ويقول دبلوماسيون غربيون انهم يشعرون بالقلق من نشوب أي صراع طائفي في سوريا التي تتولى قيادتها منذ نحو 50 عاما الاقلية العلوية. والعنف الذي ربما ينخرط فيه السنة والعلويون والاكراد والدروز ربما تستدرج فيه تركيا ولبنان والعراق. لذلك فانه في حين أن من المرجح ان تشدد الحكومات الغربية لهجتها في مهاجمة الاسد وتبحث فرض عقوبات معينة من الاممالمتحدة واحالة القضية الى المحكمة الجنائية الدولية فليس في وسعها أي خطوة تذكر للتأثير على نتيجة هذه الانتفاضة الشعبية.