نحيبٌ مكتوم وصرخاتٌ عالية، مريضٌ يُشفى، وآخر يموت، ميتٌ يُشيعه أبناؤه، وآخر يشيعه طاقم تمريض، وتبقى القلوب على الأبواب واجفة. هذا أبٌ على باب غرفة إبنه، وهذا إبن على باب غرفة أبيه. هذه أم على باب غرفة زوجها، وهذه إبنة على باب غرفة أمها والكل على باب الرحمان أملٌ في الشفاء. تحركاتٌ مريبة لبعضِ أفرادٍ من طواقم التمريض، أبوابُ غرفٍ تُفتح وتُغلق، عيونٌ تنظر متوترةً من فوق الكمامات، أطباء يهرولون من غرفةٍ إلى أخرى، وممرضاتٌ يتحركن بسرعةٍ، يدفعن أمامهن أجهزةً ومعداتٍ تتحرك على عجلات، يبدو أنها أجهزة تنفس، تنقبض وتنبسط لصدرٍ ما زال يعلو ويهبط، وأنابيبَ أكسوجين يتبادلها العاملون بين الغرف وصفاراتٌ متقطعة لقلوبٍ مازالت تنبض، وأخرى متصلة لقلوبٍ توقفت، فجأة تجد طبيبا يضرب كفاً بكفٍ ويقول (لا حول ولا قوة إلاَّ بالله )، بعدما طلب من إحدى الممرضات جهاز التنفس، الذي كان مع المرحوم لعله يلحق به مريض في الغرفة المجاورة. لهذا يا سادة انظروا إلى تلك المواقف الإنسانية المؤلمة، التي عاشها هؤلاء الأبطال وعايشوها مع حالاتٍ موجعة تنفطر لها القلوب؛ فهذا مريض تلقي منهم نتيجة تحليلة إيجابية، (فبالله عليكم كيف تلقاها)، وهذا مريض جاءوا إليه ليصطحبوه إلى الحجر الصحي، (فبالله عليكم كيف كان حاله وحال ذويه)، هذا مريض يطالبهم أن يمهلوه قليلاً مع أولاده، وهذه تتشبث بإبنها المريض، لأن تذهب معه وترافقه حتى وإن مات. هؤلاء في المطارات، وهؤلاء في الموانئ وأولئك يلاحقون المخالطين حتى في عقر ديارهم، وهؤلاء يتعاملون مع الموتى يتناقلونهم ويرافقونهم حتى مثواهم الأخير، في حالةٍ جمعت بين نقيضين لا يتحملهما إنسان. هذا إبن اغرورقت عيناه بالدمع، بعد أن علم أن حالة أمه باتت متأخرة. هذه فتاة جالسة على مقعدٍ منزوٍ تقرأ القرآن وتعلي من صوتها، كلما سمعت خبرا عن أختها المصابة بوباء كورونا، آملة في أن يبقيها الله حية، وهذا جالس في البيت على كرسي يرسم على ظهر الطاولة، الذي أمامه بطرف مفتاحٍ فى يده رسوماتٍ، لا يعرف لها معنى إلا أنها خطوط الحيرة والقلق. لكل هذه المواقف، تجعل كلا من الأطباء، الشرطة، الممرضين، العاملين في المستشفيات والمهن الطبية “رجالا ونساء” يستعدون لملحمة من التعب والسهر والتوتر، لمواجهة خطر كورونا، وأيضا قلة الموارد وفوضى الإشاعات، والتعامل في كل لحظة مع المرض والعدوى والموت، ولكن من يخفف ألمهم؟ فالشعور بالتقدير والامتنان نحوهم واجب علينا، ولكن ما رأيكم ألا نكتفي بذلك، بل نحاول دعمهم ومساندتهم، ولو بأبسط الوسائل؟ لكثير منهم أطفال، سوف يتركونهم لأيام طويلة تلبية لنداء الواجب، فهل يمكن لجيرانهم المساعدة في رعايتهم والترويح عنهم في هذه الأوقات القلقة؟ منهم من قد يحتاج رعاية لوالد أو والدة مسنين، فهل يمكن لأصدقائهم تولي هذه المسؤولية وحماية أهلهم من العدوى؟ وقد يحتاج الغائب منهم قضاء مشاوير واحتياجات في البنك، أو البقال، وغير ذلك من الأمور الملحة ولا يجد وقتًا، فهل من متطوع؟ دعونا لا نكتفي بالمطالبة برفع بذلاتهم وأجورهم، وهم بالتأكيد يستحقون الرفع. هذه مهمة النقابة والوزارة والبرلمان وسيأتي وقتها. بيد كل منا أن يدعم جاره، صديقه وزميله بمساعدة بسيطة تعبر عن الامتنان والتقدير والدعم المعنوي، فهذا أكثر ما يحتاجونه هذه الأيام. نعلم أنكم لا تأخذون المقابل المادي الكافي لجهودكم، ولم تلاقوا التبجيل والتوقير الذي تستحقونه. صفوة الكلام؛ شهادة حق، عرفان، اعتزاز واحترام بحق ذوي البذل البيضاء وذوي البذل الزرقاء والأيادي الكريمة المعطاء، أياد تمتد برأفة ورحمة وبذل النفس في سبيل الحفاظ على صحة وسلامة الآخرين، أياد تمتد بالخير للغير حفاظا على العهد والقسم، لهذا نيابة عن أبناء الوطن نقول لكم شكرا حفظكم الله ورعاكم. بقلم: عبد الرحمان رفيق