قد تساعد عودة الولاياتالمتحدة للمشاركة في العمليات القتالية في ليبيا في كسر جمود الموقف القائم بين المعارضة المسلحة وقوات الزعيم الليبي معمر القذافي لكن يبدو أن واشنطن تحجم عن المشاركة بكامل طاقتها في صراع فوضوي بالفعل. وقال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونجيه هذا الأسبوع ان هجمات القذافي لن تتوقف دون مشاركة الولاياتالمتحدة في الغارات على دباباته ومدفعيته وهي المشاركة التي توقفت بعد أن تولى حلف شمال الاطلسي قيادة العمليات في ليبيا يوم 31 مارس. وأول أمس الاربعاء ذكر مسؤول فرنسي كبير أن مشاركة الولاياتالمتحدة مهمة اذ أن القوات الجوية الاوروبية تفتقر الى طائرات (تانكباستر) أيه-10 التي تحلق على ارتفاعات منخفضة ومقاتلات ايه. سي-130 التي يقول محللون انها ستكون مفيدة أمام قوات القذافي. وبينما تعلن واشنطن أن هذه الطائرات لا تزال متاحة عند طلبها فانها تحجم عن التورط في صراع اخر في العالم الاسلامي يتعذر حسمه بسرعة. ويرى محللون أن تدريب وتسليح المعارضة سرا ربما يتم بالفعل لكن يتعين أن يجري بوتيرة سريعة ويواكبه المزيد من الضربات الجوية الامريكية لتجنب جمود طويل في الموقف قد يعتبر فشلا في مهمة الحلف. وذكرت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) أول أمس الاربعاء أن طائرات مقاتلة أمريكية تواصل توجيه ضربات الى الدفاعات الجوية الليبية حتى بعد تولي حلف شمال الاطلسي قيادة العمليات في ليبيا الا أن استهداف دبابات القذافي ومدفعيته مسألة حاسمة. وقال ماركو بابيك من ستراتفور لاستشارات المخاطر السياسية ان نقص الطائرات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة تضافر مع ضعف المهارات العسكرية للمعارضة في تقليص فاعلية عمليات الحلف. وأضاف بابيك أنه لم يعد هناك الكثير من الاهداف التي يمكن أن تصيبها الطائرات التي تحلق على ارتفاعات عالية دون أن تخاطر بحياة المدنيين المفترض أن توفر لهم الحماية. وتستخدم الدول الاوروبية الاعضاء في الحلف والمشاركة في التحالف طائرات تحلق على ارتفاعات عالية في عملياتها بليبيا. واستطرد قائلا «أصيبت الدفاعات الجوية بالشلل الآن.. ويجب أن تستخدم الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض.. الهليكوبتر أو طائرات وارثوج ايه-10 حتى يمكن تحديد الاهداف التي يجب التعامل معها». إلا أن محللين يشكون في أن الولاياتالمتحدة سترغب في العودة إلى المشاركة الكاملة في المهمة القتالية. ويقول باراك سينر من معهد رويال يونايتد سرفيسز بلندن «سيواصلون تقديم المعلومات الاستخباراتية وقدرات التشويش... لكن إدارة (الرئيس الأمريكي باراك أوباما) لا تريد التورط في صراعات خارجية جديدة فيما تسعى الى وضع استراتيجيات للخروج من الصراعات التي ورثتها». ويرى كارل هاينز كامب من الكلية الحربية التابعة لحلف شمال الاطلسي أن ليبيا كشفت مرة أخرى القدرات العسكرية المحدودة لحلفاء الولاياتالمتحدة. وأردف «نحن الان في موقف يقلقنا جميعا.. مأزق لا يمكن للمعارضة وحدها التغلب عليه والنظام لا يسقط. «طائرات تانكباستر ايه-10 مناسبة تماما لهذا النوع من العمليات- لمهاجمة تشكيلات الدبابات التي تسد الشوارع.. لكن أمريكا متمنعة للغاية. مرة أخرى يثبت ذلك الحقيقة القديمة ان الحلف بدون الولاياتالمتحدة لا يستطيع القيام بالكثير نظرا لنقص معداته العسكرية». وبينما يملك الحلفاء الأوروبيون الطائرات الهليكوبتر فإنها يجب أن تنطلق من حاملات تقف قبالة السواحل الليبية وقال مسؤول في الحلف انه لا توجد حاملات متوفرة في الوقت الحالي. وكما هو الحال في أفغانستان سيحجم الحلفاء على أي حال عن استخدام طائرات الهليكوبتر نظرا لسهولة تعرضها للنيران الارضية. وقال بابيك ان عزوف الولاياتالمتحدة عن العودة للمشاركة وتشككها في عملية قادتها سياسيا فرنسا وبريطانيا له ما يبرره في ضوء ضعف قوات المعارضة. وتابع «حتى اذا ما استخدم الحلف طائرات الهليكوبتر فمن غير الواضح ما اذا كان هذا سيكون مجديا لان قوات المعارضة التي يعول عليها الحلف كي تكون قواته البرية أثبتت فشلا ذريعا. «القضية الجوهرية هي ان المقاتلين (الليبيين) لم يرقوا لمستوى التحالف الشمالي (الأفغاني) أو جيش تحرير كوسوفو» في إشارة إلى القوات المقاتلة الوطنية في عمليات الحلف الأخرى في أفغانستان وكوسوفو. وقال كامب ان انهاء المأزق سيتطلب تعزيز العمليات العسكرية أو التدخل البري لكن حلفاء مثل تركيا التي عارضت في البداية أي تدخل في ليبيا ترفض توسيع مهمة الحلف. وما من أحد بما في ذلك القوات البريطانية والفرنسية يتحمس للتدخل البري الا في حالة استخدام قوات خاصة يمكن انكار وجودها. وقال دبلوماسي تركي «إذا ما ذهب تعزيز العملية أبعد من الإطار الذي حدده مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بقصد حماية المدنيين سيكون هذا مشكلة بالنسبة لنا... أعتقد أننا لن نكون وحدنا في هذا. وعلى سبيل المثال سنعارض الدخول إلى أراضي ليبيا». وذكر سينر أن دول الحلف ساهمت في حدوث مأزق بتفسيرها قرار الاممالمتحدة على أنه يقصر استهدافها لقوات القذافي على الوحدات التي تهدد المدنيين بصورة مباشرة. وأضاف «الاختيار الان هو بين خيارات سيئة... خلقنا سياقا تجري فيه حرب عصابات في مناطق حضرية. اذا لم نمكن المقاتلين فأي عمل عسكري نقوم به سيوقع ضحايا مدنيين». وبينما قد لا توافق جميع الدول الاعضاء في الحلف وعددها 28 على تسليح وتدريب المعارضة الليبية فقد لا يمثل ذلك عقبة أمام اقدام دول غربية وعربية بشكل منفرد على القيام بذلك سرا. وقال سينر «يمكن القول انه من الممكن تصور سيناريو يتغاضى فيه هيكل قيادة الحلف عن المخاوف المختلفة لأعضاء الحلف كل على حدة». وسيكون الملاذ الأخير للحلف هو إعلان أن المهمة التي ينفذها بتفويض من الأممالمتحدة نجحت إذا ما أوقفت قوات القذافي هجماتها لينهي عمليته في ليبيا. لكن هذا لن يقدم شيئا يذكر لتحسين سمعة الحلف بعد تورط طويل وغير حاسم في أفغانستان. ويضيف كامب «هذا سيناريو محتمل... لكننا بحاجة إلى صبر استراتيجي... «نحتاج إلى الشجاعة والقدرة على التحمل للصمود خلال الأسبوع أو الاثنين أو الثلاثة التي ستستغرقها المهمة... نعم كنا نأمل في سقوط القذافي على الفور.. كان سيصبح أمرا جيدا لكن لننتظر أسبوعا أو أسبوعين ونرى».