يستعيد المخرج المسرحي عبد اللطيف الصافي في عمله الجديد” نصراني ف تراب البيظان ” ، الذي قدم عرضه ما قبل الأول، مؤخرا بكلميم، نبض الحياة في الصحراء على خشبة المسرح. واعتبر المخرج أن المسرحية، المقتبسة من كتاب ” خمسة أشهر لدى البيظان” في الصحراء المغربية للمستكشف الفرنسي، كامي دولز، الذي جمع فيه حصيلة اكتشافاته، هي استعادة لمرحلة تاريخية في تاريخ الصحراء في القرن التاسع عشر. وتولدت الرغبة في الاشتغال على هذا النص الأدبي، لدى الصافي، يقول، من قوة الكاتب الفرنسي في التحدث عن مغامراته وعن مجتمع الرحل في أرض ” البيظان” الذي يستكشفه بإصرار تتوزعه الرغبة و الرهبة، وكذا انطلاقا من اهتمام كاميل دولز، وهو باحث أنتروبولوجي، بكشف الجوانب الخفية في حياة الرحل بالصحراء المغربية أواخر القرن 19. كما استرعى هذا النص اهتمام المخرج الصافي لكون كاتبه عاش “تجربة مريرة اقترب خلالها من الموت مرات عديدة” لهذا اعتبر الصافي أن أحداث مسرحية ” نصراني ف تراب البيظان” “ليست فقط حقيقية، بل هي ولادة جديدة و متجددة للذاكرة” تدعو الى استحضار “مفهوم الهوية” وترتيب العلاقات الاجتماعية و الإنسانية “انطلاقا من جدلية الأنا والآخر ومن ثنائيات الرفض والقبول والموت والحياة والاستقرار والترحال والحقد والحب” . ولهذا السبب ركز المخرج في الاشتغال على النص على تخلص المشاهد من كل مظاهر التمدن، فاسحا المجال لفضاء واسع تتقاسمه تلال من الرمال والخيام والآلام والأحلام والموت و الحياة .. فضاء ممتلئ بالفراغ و عنف الطبيعة وشظف العيش و أغان وأدخل المخرج، الذي أدى أيضا في المسرحية دور الشيخ، على النص الأصلي عناصر جديدة وأعاد كتابته فنيا ليتماشى مع رؤيته الإخراجية لما ينبغي أن تكون عليه الممارسة المسرحية بالأقاليم الجنوبية ، وجعل اللغة المنطوقة ” الحسانية”، كما يؤكد، أداة للتلقي لكن دون أن تلغي العناصر الفنية الأخرى خاصة جسد الممثل وأحاسيسه وتعابيره المختلفة. كما وظف عنصر الكوميديا لمنح العرض المسرحي شحنة فرجوية تساهم في إبراز ماهية المسرح بما هو جزء من الثقافة الوطنية و أداة حاسمة في تشكيل الوعي الجمعي وبناء الذاكرة المجتمعية. وتشخيصيا، وبعد أن أقر بإدخاله على نصه الأصلي جوانب لفظية “عنيفة” و تعديلات أساسية على حبكته الأصلية ذات نفس كوميدي، قال إنه اشتغل على الكلمات التي يمكن أن تتحرك في جسد الممثل و في أنفاسه والتي تضفي على الفضاء العام للعمل مسحة من الصوفية، كما وضع الشخصيات في مساحات تضيق و تتسع حسب تطور الأحداث و تواليها . وفي هذا الإطار، اعتمد المخرج على ممثلين شباب ترجموا النص، كما يقول على الركح، والذين شجعهم من أجل إبراز الكثافة التي تكمن في الحوار، على القيام بقراءات موازية لبعض الكتابات و المدونات التي تناولت حياة الرحل في الصحراء والتي رصدت أهم التحولات التي طرأت على مجتمع ” البيظان ” بالصحراء المغربية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وبخصوص مكانة هذا العمل الجديد في مسيرته المسرحية ، قال الصافي إن “نصراني ف تراب البيظان ” يندرج في سياق رؤيته لمقاربة الفعل المسرحي بالأقاليم الجنوبية ، والرامية بالخصوص الى تقريب الناس من المسرح وجعله ضمن اهتماماتهم سواء من خلال التيمات التي يشتغل عليها أو الأشكال الفنية والجمالية التي يتم توظيفها. وقام بتشخيص هذا النص، بالإضافة الى عبد اللطيف الصافي، كل من أيوب بوشان و مصطفى أكادر و حمادة أملوكو و إبراهيم بنرايس.