في شهر أبريل 2009 أصدرت الودادية الحسنية للقضاة مدونة للقيم القضائية،الهدف منها تأمين مبدأ استقلال السلطة القضائية وإحياء القيم السامية لدى القضاة.لقد قال عنها وزير العدل السابق، عبدا لواحد الراضي «أنها نابعة عن إرادة القضاة الذين انتظموا في شكل متميز داخل وداد يتهم وعقدوا لقاءات متعددة بمختلف جهات المغرب، وتبادلوا الرؤى بحضور نخبة من كبار قضاة المملكة ،واهتدوا إلى صياغة وثيقة نعتز بها كإنجاز ضمن مسلسل الإصلاح الذي أمر به صاحب الجلالة الملك..». ووصفها مصطفى فارس، الرئيس السابق للودادية الحسنية للقضاة، بأنها تشكل إطارا يتعرف القاضي والمجتمع من خلالها على الصفات والمزايا الواجب التحلي بها من طرف القضاة. وذكر في تقديم للمدونة «بأن المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة نظم عدة لقاءات ومشاورات انتهت إلى إصدار هذه المدونة التي راعت الخصوصية المغربية، وجاءت منسجمة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية والأعراف القضائية». وتحوي مدونة القيم القضائية مجموعة من المبادئ، نوجزها كالتالي: المبدأ الأول: الاستقلال تعتبر المدونة استقلال القاضي دعامة متينة لقيام المحاكمة العادلة، فالقاضي ملاذ للمظلومين، مأمور بإعادة الحق لصاحبه، لا يمكن أن يتوفر ذلك إلا إذا كان حرا في قراراته، مستقلا عن أي تأثير. ولتحقيق ذلك عليه أن: 1- يفرض استقلاله عن باقي السلط؛ 2- يبتعد عن إقامة علاقات غير ملائمة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعن الخضوع لأي تأثير منهما؛ 3- يقوم بمهامه القضائية بفعالية وأمانة، مستقلا إزاء زملائه القضاة عند اتخاذه لقرارات؛ 4- يصون مقومات الحياد و التجرد ،حفاظا على الاستقلال المؤسساتي للجهاز القضائي والنهوض به؛ 5- يكون مستقلا عن المجتمع قاطبة ،وعن أطراف النزاع بصفة خاصة .6 يمتنع عن الانتماء السياسي. المبدأ الثاني: النزاهة النزاهة سمة يتحلى بها القاضي فكريا وأخلاقيا، وهي لا تخص القرار القضائي فحسب، بل تشمل أيضا الإجراءات التي تؤدي إلى هذا القرار. ومن أجل ذلك تنص المدونة على أن يؤدي القاضي واجباته القضائية بكل نزاهة ومصداقية. كما عليه أن يتحلى بكل الصفات الحميدة، وأن يحرص في سيرته سواء داخل المحكمة أو خارجها، على كسب ثقة المتقاضين بصفة خاصة والناس بصفة عامة ،من خلال نزاهته ونزاهة الجهاز القضائي. المبدأ الثالث: التجرد و الحياد تعتبر المدون أن التجرد و الحياد أمران جوهريان وأساسيان لأداء واجبات المنصب القضائي، فاحترام هذا المبدأ واجب خلال جميع مراحل الدعوة، و هو من أهم شروط المحاكمة العادلة ومن جملة ما دعت إليه المدونة هو أن يقوم القاضي بأداء واجباته القضائية من غير مفاضلة ولا تحيز ولا تحامل ولا تعصب، وعليه تفادى كل ما من شأنه أن يثير شبهة سواء في علاقته مع مساعدي القضاء أو مع الأشخاص المترددين على المحكمة. كما لا يسمح لعلاقاته الاجتماعية أو الأسرية أن تؤثر في سلوكه و أحكامه ومواقفه. المبدأ الرابع: المساواة تمثل المساواة هنا سمة تتجسد في حياد القاضي ومعاملته للخصمين على قدم المساواة، وهي أمر ضروري لقيام المحاكمة العادلة. ومن تجلياتها الحرص على حسن سير الإجراءات المسطرية على أساس المساواة بين الأطراف المتنازعة بكل لباقة وصبر، ضمان المساواة بين الناس في مجلسه ووجهه وقضائه،حتى لا يطمع شريف في حيفه ولا ييأس ضعيف في عدله، وعدم السماح لموظفي المحكمة أو آخرين خاضعين لنفوذه أن يميزوا بين الأشخاص المعنيين في قضايا منظورة أمامه. المبدأ الخامس: الشجاعة الأدبية الشجاعة الأدبية هي الجرأة التي تساعد القاضي على حسم الوقف واتخاذ القرار المناسب المستمد من القانون والعدل، فهي الثقة بالنفس والإيمان بالحق والإحساس بجسامة المسؤولية، وهي التي تسهل مواجهة الصعاب، وتجاوز الحرج والتردد و الانصياع. ويؤكد هذه المبدأ على أن لا يخاف القاضي في الحق لومة لائم، وأن يمارس مهامه القضائية على أساس تقديره الجيد للوقائع وتفهمه الواعي للقانون بحسب ما يمليه عليه ضميره، ودون تأثير خارجي أو تحريض أو ضغط أو تهديد، أو تدخل مباشر أو غير مباشر من أي طرف كان. المبدأ السادس: الوقار والتحفظ الوقار والتحفظ سمتان ترفعان من شأن القاضي، ينبغي أن يتحلى بهما القاضي، لكونهما يحثان على الاتزان والتوازن خلال تصريفه لأشغاله وإصداره لأحكامه، التي يجب أن تتسم بالعدالة والإنصاف، أو في علاقاته التي من المفروض أن تتصف بالانتقائية وتجنب الأماكن المشبوهة. من جملة ما تدعو إليه المدونة، في هذا المضمار، هو أن ينأى القاضي بتصرفاته ومظهره عن كل ما من شأنه أن يمس هيبته ووقاره، أو يطعن في استقامته. وعليه أن يؤكد، من خلال وقاره، ثقة الناس في أمانة القضاء واستقامته، دعما لعدالة لا تتحقق بصورة مجردة فقط، ولكن بإعطاء الانطباع بأن العدالة قد تحققت فعلا. المبدأ السابع: الكفاءة تعني بها المدونة توفر القاضي على صناعة تنبثق من الحصول على أكبر قدر من المعرفة بالقانون، وبالعمل القضائي، وبعلوم العصر، وبتقنيات المعاملات وأعراف المجتمع، باعتبارها عنصرا أساسيا في المحاكمة العادلة. ولاكتسابها. على القاضي أن لا يقتصر في تطوير ملكته القانونية، وصناعته القضائية، على ما هو محلي، بل عليه أن يواكب العمل القضائي الأجنبي والاتفاقيات الدولية. كما عليه أن يمارس حقه في التكوين حتى يكون مواكبا للتطورات العلمية والتكنولوجية. المبدأ الثامن: السلوك القضائي وهو في المدونة صفة ملازمة لشخص القاضي، ويكتسي أهمية قصوى، مما يستوجب معه أن يكون ذا سلوك حسن، مميز من العدل الذي هو اسم من أسماء الحق سبحانه وتعالى. ومن جملة ما تشدد عليه المدونة أن يكون القاضي صبورا وقورا، محسنا للاستماع، ملتزما بالانضباط في مواعيد الجلسات، محترما مبدأ الإسراع في الإنجاز دون تسرع في الحكم بما يكفل سرعة البت ونجاعته داخل آجال معقولة، والمحافظة على هيبة المحكمة أثناء الجلسات، ثم أن يتنحى القاضي عن الدعوى كلما توفر سبب مبرر لذلك. المبدأ التاسع: اللياقة اللياقة مفهوم خاص في حياة القاضي تستمد كنهها من كون القاضي يفصل بين شرائح متعددة وغير متجانسة، مما يفرض عليه تصرفا يليق في مواجهة رؤسائه ومرؤوسيه، والمتقاضين ومساعدي القضاء والمواطنين بصفة عامة. ولتجسيد ذلك حددت المدونة مجموعة من الخصال، منها الحفاظ على النظام واللياقة في كافة الجلسات، وأثناء إجراءات الدعوى، وفي التعامل مع المتقاضين، وغيرهم ممن يتعامل معهم بصفة الرسمية. وعليه أن يقبل بكل حرية وإرادة القيود الشخصية التي تطوقه بشكل يتماشى مع كرامة مهنته، وتنظيم أنشطته غير القضائية من أجل تقليل مخاطر احتمال تعارضها مع واجباته القضائية. المبدأ العاشر: التضامن تعتبر المدونة التضامن بين القضاة لبنة لتحصين المهنة، ويشكل قوة لمواجهة لوبيات الفساد، ورادعا لمجموعات الضغط التي تحاول التأثير على القاضي، والزج به في غير ما هو منوط به. وتعتبر مؤازرة الزملاء الذين طالهم حيف، بمناسبة ممارسة مهامهم، ركنا من أركان التضامن التي حددتها المدونة.