كشف الشاعر إدريس الملياني عن انتمائه إلى الجيل المغربي المُعرَّب الذي درس على يد مشارقة ينتمون إلى العراق وفلسطين وسوريا، وعلى يد مغاربة متشبعين بروح العروبة أمثال المجاطي والهواري وغيرهم من الشباب الذين كانوا يبحثون عن موطئ قدم وقلم تحت الشمس. وأضاف الشاعر إدريس الملياني الذي حل ضيفا على مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة مؤخرا، في إطار احتفال المختبر باليوم العالمي للشعر، أضاف أنه أقبل على قراءة روائع الأدب الروسي عن طريق الترجمات العربية “بتحريض” من الواقعية الاشتراكية في الأدب التي كان جيله من عشاقها، وهو ما وَلَّدَ لديه حبا وعشقا للغة الروسية عن طريق الكلمات المتداولة في هذه الترجمات، دفعاه إلى دراسة اللغة الروسية في المركز الثقافي السوفياتي في الرباط، والإقبال على قراءة الأدب الروسي في نسخته الأصلية وترجمته إلى العربية، مستهلا عمله الترجمي بقصيدة “انتظريني سوف أعود” للشاعر قسطنطين سيمونوف، التي كانت أشهر قصيدة على الإطلاق في حرب 1941 ضد النازية، تضارع مكانتها عند الروس قصيدة “إذا الشعب يوما أراد الحياة” لأبي القاسم الشابي، أو قصيدة “سجل أنا عربي” لمحمود درويش عند العرب، وتمتاز بحسها الوطني المقاوم الذي يعتبر القاسم المشترك حسب إدريس الملياني بين الشعراء الروس، مما أهلهم ليكونوا أنبياء الحقيقة وآباء الشعب الروحيين، ورسله وقدوته، وجعل قصائدهم تجري على كل لسان، وتفرض نفسها بقوة، مخترقة الزمان والمكان لتأخذ مكانة متميزة في خريطة الأدب العالمي. وعن واقع الكتابة الشعرية في العالم العربي قال الشاعر إدريس الملياني، إن الشاعر المغربي يحمل “مليون ألف بطيخة” في إشارة إلى عبء البحث المتعدد الذي يحتم عليه البحث في الأسطورة والتراث والأمازيغية وغيرها من المواضيع لكي يبدع، في حين يبقى حظ الشاعر المشرقي أفضل بكثير من نظيره المغربي، فكل شيء في متناول يده، الخرافة والأسطورة والتراث والآثار، والأمر نفسه يسري على الإبداع في الغرب، فالمبدع هناك لا يتحمل أي عبء سوى تطوير تجربته والبدء من حيث انتهى الآخرون، وقبل أن يلقي إدريس الملياني كلمته هذه، حرص على إلقاء مجموعة من قصائده واقفا احتراما للشعر كما قال. وافتتح هذا اللقاء بكلمة لعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة الدكتور حسن قرنفل، أكد خلالها على تميز المحتفى به وتفرده بمجموعة من الخصال النبيلة التي تجعل كل من يتعرف عليه لأول مرة يتمنى لو تستمر علاقته به إلى الأبد، مضيفا أن الشاعر إدريس الملياني يمثل صورة رائقة ومتقدمة للمثقف المناضل، الإنسان، النبيل، الخلوق، المحب للآخرين، والوديع الذي يضفي البهجة على المجالس التي يحضرها بروحه الخفيفة وابتسامته التي لا تفارق محياه. بدوره أثنى مسير اللقاء الدكتور نور الدين الزويتني على ضيف المختبر الشاعر إدريس الملياني، معبرا عن إعجابه بشخصه لما يمتاز به من تعدد مهام ومواهب (أستاذ صحافي ناقد مترجم)، مشيرا في الوقت نفسه إلى إسهامه في تطوير القصيدة الحديثة بما راكمه من تجربة امتدت على مدى عقود، وأهلته ليكون من رموز الشعر الحديث. ولم تخرج كلمة رئيسة مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية الدكتورة لطيفة الأزرق عن سابقتيها، إذ أكدت المتدخلة على عمق “التجربة المليانية” المستقاة من بقاع شتى، ومن ثقافات متعددة يجمع بينها الإنساني، مشيرة إلى أن هذه التجربة أثارت انتباهها لما تزخر به من فردانية وتميز في جوانب مختلفة مثل التناص والاحتفاء بالقافية التي تحقق أثرا جماليا لافتا للانتباه، والاعتداد بالرمز وجمالية المكان، والإجابة عن سؤال مدى مغربية الشعر الذي نكتبه بالعربية المعيار إجابة تنطق به أشعاره وقصائده. تجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء مع الشاعر إدريس الملياني كان جزءً من نشاط نظمه مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، على مدى يومي الأربعاء والخميس 27 و28 مارس 2019، وشارك فيه مجموعة من أساتذة الكلية وطلبة الدكتوراه والماستر بمداخلات قاربت موضوع الشعر من زوايا مختلفة.Haut du formulaire