مع دخول ثورة الشعب الليبي يومها السادس وسقوط مئات القتلى والجرحى برصاص الشرطة والمرتزقة الأفارقة الذين استنجد بهم النظام، ظهر تبدل واضح في المشهد وبدأت كفة الميزان تميل لصالح المتظاهرين، بعد أن أخذت الحصون التي احتمى بها القذافي تتهاوى الواحد تلو الآخر، سواء على المستوى الأمني أو القبلي أو حتى الدبلوماسي. فعلى الصعيد الأمني يبدو أن الإفراط في استخدام القوة والعنف غير المبرر في التعامل مع المتظاهرين والمجازر التي ارتكبت بحقهم، قد جاء بعكس النتائج التي أرادها النظام الليبي، إذ إن الكثير من قوات الشرطة والجيش أعلنوا منذ الأيام الأولى للثورة التي تفجرت يوم 16 فبراير الجاري انضمامهم للثوار، ورفضوا إطلاق النار على أبناء وطنهم، وهو الأمر الذي دفع القذافي للاستعانة بالمزيد من المرتزقة الأفارقة لتخليصه من المتظاهرين وحماية خيمته. وفي طرابلس لم تتردد قوة من الدعم المركزي والشرطة طويلا لاختيار الوقوف إلى جانب الشعب، وطاردت هذه القوات فلول المرتزقة وأمست معظم الشوارع تحت سيطرة الجماهير كما يقع في بنغازي وغيرها من المدن، التي فقد نظام القذافي سيطرته عليها. كما تمت السيطرة على قاعدة معتيقة الجوية بطرابلس، وانضمت القوات الجوية والبرية للمتظاهرين. القبائل تنضم للجماهير أما الحصن الثاني الذي بدأ يتهاوى من حول القذافي والذي جعله رهان الرمق الأخير، فهو حصن القبائل الذي تعامل معه النظام باعتباره فزاعة الحرب الأهلية التي لن تبقي ولن تذر، في حالة رفض الليبيون الإذعان للقذافي مرة أخرى. غير أن الأيام المتلاحقة للثورة حملت للقذافي مفاجئة غير سارة، فها هي قبيلة رفلة أكبر القبائل الليبية تعلن انضمامها للثوار. وكذا أعلنت قبيلة ترهونة -التي ينتسب إليها معظم جنود الجيش- تبرؤها من النظام، وترفض الانسياق إلى ما سمتها الفتنة التي دعا إليها سيف الإسلام القذافي، وأعد لها بتسليح العديدين. ولم تتردد قبائل الطوارق بجنوب البلاد في إعلان تأييدها للمطالبين بإسقاط نظام القذافي، مستذكرة المظالم التي ألحقها بها وبالبلاد. أما قبيلة الزوي التي تشكل وزنا لا يستهان به وسط القبائل الليبية، فقد أمهلت القذافي أربع وعشرين ساعة بدأت الليلة الماضية لوقف المجازر ضد الشعب، مهددة إياه بتعطيل تدفق النفط إلى الدول الغربية، وبعد ذلك «لكل حادث حديث»، على حد قول الشيخ فرج الله الزوي أحد مشايخ القبيلة للجزيرة. الحصن الدبلوماسي ويبدو أن القليل الذي رشح عبر الإنترنت من الجرائم التي ارتكبها القذافي بحق أبناء شعبه -بعد التكتيم الإعلامي الذي فرضه على مجريات الشارع- كان كفيلا بهز نظامه الرسمي من حوله، وها هم دبلوماسيوه يرفعون الصوت عاليا في أنحاء متفرقة من العالم ويعلنون براءاتهم من نظامه ويرفضون الاستمرار في العمل مع «نظام قمعي». وبعد أن غيّبت كاميرات وسائل الإعلام عن المشهد بالمدن الليبية المحترقة، ظهر الدبلوماسيون الليبيون على شاشات هذه الوسائل يعلنون استقالاتهم من العمل مع القذافي، وهذا ما فعله السفير الليبي بالهند علي العيساوي الذي اتهم في تصريحات ل»بي بي سي» القذافي باستئجار مرتزقة أجانب ضد أبناء بلده. وقبل العيساوي كان مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية عبد المنعم الهوني قد فعل الأمر نفسه وللأسباب ذاتها، وهي أيضا ذات الأسباب التي دفعت السكرتير الثاني في السفارة الليبية في الصين للاتصال بالجزيرة وإعلان استقالته وبراءته من القذافي ونظامه.