قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن المغرب عرف مجهودات كبيرة، عبر عقود، من أجل تطوير التعليم، وذلك من خلال عدد من مشاريع الإصلاح التي همت هذا القطاع. وأضاف بنعبد الله الذي كان يتحدث، يوم الجمعة الماضي، في لقاء نظمه قطاع التعليم العالي وقطاع التربية الوطنية لحزب التقدم والاشتراكية، بالرباط، حول موضوع “إصلاح منظومة التربية والتكوين من خلال الرؤية الإستراتيجية لمشروع قانون الإطار 51 – 17: آفاق وتحديات التنزيل”، أن الإشكال في تنزيل المخططات التي يتم وضعها للنهوض بالتعليم مرتبط ب “الحكامة”، مشيرا إلى أن المغرب تأخر كثيرا في مسار الإصلاح، مما أدى إلى تراكم عدد من المشاكل التي كان بالإمكان تجاوزها. وجدد بنعبد الله التأكيد على أن هناك جهودا كبيرة بذلت في مسار الإصلاح سواء على مستوى التصورات أو على المستوى المالي، مبرزا أنه ليس هناك أي عطب على مستوى وضع التصور الإصلاحي، حيث أن هناك مجموعة من التصورات، آخرها ما أنتجه المجلس الأعلى للتربية والتكوين بمساهمة الوزارة المعنية، مشيرا إلى أن هذا المشروع الجديد يشكل مدخلا أساسيا لتحقيق الإصلاح. وأكد بنعبد الله أن التحدي الرئيسي في إنزال المشروع الإصلاحي الجديد للمنظومة التعليمية هو “الحكامة” وربح الوقت واستدراك التأخر الكبير الذي حصل. في هذا السياق، أوضح زعيم حزب “الكتاب” أن مدخل الإصلاح يكمن في إصلاح التعليم الأولي والنهوض به، والتعبئة من أجل إنجاحه، مؤكدا على أن وزارة التربية الوطنية وضعت الأرجل الأولى في هذا المسار الذي يستلزم تعبئة طاقات المجتمع المدني وهيئة المنتخبين المحليين لربح هذه المعركة، لأنها عمليا، يقول المتحدث، “مدخل أساسي لجميع الإصلاحات على المستوى المتوسط”. وإلى جانب ذلك، دعا بنعبد الله إلى النهوض بالمدرسة العمومية كمدخل ثان أساسي ورئيسي لإصلاح التعليم، وذلك على اعتبار أن المدرسة العمومية هي القادرة على توفير تساوي الحظوظ وتحقيق العدالة الاجتماعية، وباعتبارها المدرسة التي تفتح أمام جميع فئات الشعب، مشيرا إلى ضرورة جعل المدرسة العمومية مدرسة لكل أبناء الشعب وليست مدرسة الفقراء فقط والفئات المستضعفة، مشددا على أن تأهيل المدرسة العمومية مسألة أساسية، كما يرى ذلك حزب التقدم والاشتراكية الذي يضعها كأولوية للإصلاح. وأوضح بنعبد الله أن تأهيل المدرسة العمومية يتم من خلال إدخال عناصر الجودة والتدبير الجيد في إطار ترشيد الإمكانيات وتحسين الحكامة، مردفا أن إصلاح التعليم العمومي لا يعني إقصاء التعليم الخصوصي، حيث أكد في هذا السياق أن التعليم الخصوصي له مكانته، لكنه لا يمكن أن يشكل بديلا عن التعليم العمومي لا جودة ولا عددا ولا على مستويات أخرى. إلى جانب ذلك، دعا بنعبد الله إلى مصالحة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم والدولة من جهة، والموارد البشرية من جهة أخرى، مشيرا إلى أنه يتعين أن يحدث بينها وبين الدولة مصالحة حقيقية من أجل حمل مشروع الإصلاح بشكل مشترك، “لأنه بدون هذه الموارد البشرية لا يمكن أن ينجح أي إصلاح، لأن الطاقات البشرية يجب أن تكون معبئة ومجندة ومقتنعة بمشروع الإصلاح” يقول المتحدث. وقال بنعبد الله إن الأمر لا يتطلب فقط تحسين الظروف المادية للموارد البشرية من أساتذة وأطر إدارية، بل يتطلب أيضا إرادة من قبل الوزارة ومن قبل التمثيليات النقابية والمعنيين من الأساتذة والأطر في التعليم من أجل التعاون والعمل على تنزيل مقتضيات هذا المشروع الإصلاحي الهام. من جهة أخرى، أكد بنعبد الله على ضرورة إيلاء الأهمية لمجال التعليم العالي والبحث العلمي، الذي قال إنه بدوره يعيش مجموعة من الإكراهات والتراجعات بالرغم من الإصلاحات التي تم إدخالها على النظام التعليمي الجامعي، مجددا في هذا الإطار التأكيد على مسألة “الحكامة” من أجل النهوض بهذا الجانب الحيوي. وذكر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالأهمية التي يكتسيها البحث العلمي كمنارة يتعين أن تشع وتصل بالبلاد إلى مراتب متقدمة. هذا، وأشار بنعبد الله، في ذات اللقاء الذي سيره الأستاذ الجامعي يوسف كواري، المنسق الوطني لقطاع التعليم العالي لحزب “الكتاب”، إلى انخراط حزب التقدم والاشتراكية في مناقشة القضايا التي تهم النهوض بقطاع التعليم، مشددا على أن الحزب ومناضليه ساهموا ويساهمون باقتراحتهم وانتقادتهم من أجل إنجاح المشروع الإصلاحي والنهوض بالتعليم باعتباره رافعة للتنمية. واعتبر بنعبد الله مشروع إصلاح التعليم الجديد أهم مشروع إصلاحي مطروح بالمغرب، مؤكدا على أن حزب التقدم والاشتراكية يدعم هذا الإصلاح ومنخرط فيه إلى جانب جميع الفاعلين، “لأننا نعتبر في التقدم والاشتراكية أن هذا المشروع هو أهم مشروع إصلاحي مطروح في بلادنا، ونعتبر أن نجاح هذا المشروع هو نجاح لمشروعنا السياسي العام الذي نحمله وندافع عنه، والذي قوامه الديمقراطية والحرية والتقدم والمساواة” يقول الأمين العام للحزب. من جانبه، قال سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي الذي حل ضيفا على لقاء حزب التقدم والاشتراكية، إن مشروع القانون – الإطار جاء بمجموعة من المقتضيات التي تروم النهوض بقطاع التعليم وفق رؤية إستراتيجية بعيدة الأمد، تبلورت من خلال التوجيهات الملكية السامية، وكذا توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، مضيفا أن هذا القانون يطمح لتحقيق مجموعة من المكتسبات في الأفق المتوسط والبعيد. وأوضح أمزازي أن رؤية 2015 – 2030 تهدف إلى تحقيق طفرة في قطاع التعليم، وتحقيق تقدم على مستوى قطاعات التربية الوطنية والتعليم العالي وكذا البحث العلمي، مع وضع تصور يهدف إلى ضمان أكبر ولوجية إلى التعليم، وتخفيض سنوات التعليم الإلزامي من 6 سنوات حاليا إلى 4 سنوات في الأفق المتوسط، وإلى ثلاث سنوات في المدى البعيد، مشيرا إلى أن المشروع يقوم على مجموعة من الرهانات التي تهم الأجيال الحالية والمقبلة، حيث كشف أن تصور الوزارة يمتد إلى غاية سنة 2040. وعن موضوع مجانية التعليم الذي كثر النقاش حوله في قانون الإطار، أوضح وزير التربية الوطنية والتعليم أن قانون الإطار يتضمن مجموعة من المبادئ والآليات الجوهرية لتمويل الإصلاح، تقوم أساسا على إحداث صندوق خاص لدعم العمليات المرتبطة بتعميم التعليم الإلزامي وتحسين جودته، حيث يتم تمويله في إطار الشراكة من طرف الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء مع تفعيل “التضامن الوطني” والقطاعي ومساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين على أساس ضمان “مجانية التعليم” الإلزامي وعدم حرمان أي أحد من متابعة الدراسة بعد هذا التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة. إلى ذلك، أكد أمزازي أن قانون الإطار يطمح إلى النهوض بكفايات التلاميذ، وتحقيق التوازن بين العالمين القروي والحضري، ونقص الفوارق في الولوج إلى التعليم، مشيرا في هذا الإطار إلى أن 1.1 بالمئة يغادرون حجرات الدراسة بالمستوى الابتدائي بالوسط الحضري مقابل أكثر من 5 بالمئة في الوسط القروي، مبرزا أن المشروع الإصلاحي الجديد يهدف إلى تقليص نسب الهدر المدرسي التي تصل في المستوى الإعدادي إلى 12 بالمئة و10 بالمئة في الثانوي التأهيلي. وكشف أمزازي عن حزمة من الإجراءات من أجل محاربة الهدر المدرسي من خلال توفير مدارس جماعاتية بالوسط القروي تتضمن مرافق للمبيت لفائدة التلاميذ، وتقليص عدد الفرعيات، والعمل على تقليص الخصاص الحاصل على مستوى الموارد البشرية في جميع التخصصات، مع العمل على بناء القيم والأخلاق، مشيرا إلى أن هناك تراجعا على مستوى المنظومة القيمية، داعيا الآباء والأسر إلى الانخراط في هذا الورش، على اعتبار أن المنزل والبيت امتداد للمدرسة. أمزازي أقر بوجود مجموعة من الإكراهات والتحديات، حيث أكد أنه رغم كل ما يبذل يعيش الوضع التعليمي في الواقع تراجعا خطيرا، مؤكدا أن الحل يكمن في التعاون والعمل المشترك من قبل جميع الفاعلين من أجل إصلاح المنظومة التربوية، وجعل المدرسة فضاء للتعلم واكتساب القيم والأخلاق. وأشار المتحدث إلى أن الوزارة تطمح للوصول إلى أزيد من 700 ألف متعلم في المستوى الابتدائي فقط في 2028، وتوفير الولوجيات للتعليم لفائدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن توفير مقاعد الدراسة لفائدة أبناء المهاجرين المستقرين بالمغرب، حيث أوضح أن الوزارة انطلقت في هذه الأوراش وتحقق عدد من المكتسبات لفائدة جميع الفئات وجميع المستويات. وإلى جانب ذلك، أكد أمزازي أن القانون الإطار يأخذ بعين الاعتبار مسألة التعليم الخصوصي، حيث كشف أن الوزارة منكبة على تعديل القانون 06 – 00 من أجل ضبط مجموعة من الاختلالات التي يعرفها القطاع، سواء على مستوى المقررات المدرسية أو على مستوى الأسعار التي تعرف في بعض الأحيان بعض الفوضى، مشيرا إلى أن الوزارة قامت خلال الموسم الدراسي الجديد بإنذار مجموعة من المدارس الخصوصية، كما سحبت مجموعة من المقررات التي لا تتماشى مع توجيهات الوزارة. في هذا السياق، كشف وزير التربية الوطنية عن تخصيص لجنة وزارية خاصة من أجل مراجعة المناهج والمقررات المدرسية، مشيرا إلى انطلاق مسلسل تحيين وتغيير مجموعة من المقررات بشكل مستمر تراعى فيه التغييرات البيداغوجية، وكذا التطورات التي يعرفها قطاع التربية والتكوين في العالم. من جانب آخر، وفي مجال التكوين المهني والتعليم العالي، أكد أمزازي أن هذه القطاعات ستشهد بدورها تغييرات كبيرة، حيث سيتم منح الجامعات استقلالية عن المركزية، وذلك تفعيلا لمشروع الجهوية، حيث ستمنح سلطة أوسع لرئيس الجامعة الذي يحق له تعيين فريق عمله وتقديم مشروع جامعته، مع احتفاظ الوزارة بدور الرقابة والتقييم بشكل سنوي وكذا نهاية كل ولاية، مشيرا إلى أن توجه الإصلاح يروم إعطاء كل جامعة حرية تصرف طاقمها مع تقديم رئيس الجامعة مشروعه في المستقبل أمام البرلمان كما تتم محاسبته أمام البرلمان، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح من شأنه أن يعطي قوة أكبر للجامعة حتى تستعيد توهجها. ودعا أمزازي إلى تضافر جهود جميع الفاعلين في القطاع للنهوض بالتعليم، مقرا بوجود نواقص أبرزها التكوين اللغوي لفائدة التلاميذ، إذ أن التلميذ يجد نفسه بعد الباكلوريا غير قادر على التأقلم مع شعب التكوين التي تحتاج إلى اللغات، كما أن أغلب تلاميذ التخصص العلمي يتوجهون بعد الباكلوريا نحو دراسة القانون بالنظر لعدم مسايرتهم استكمال مسيرتهم العلمية بلغة أجنبية داخل كلية العلوم. وكشف المسؤول الحكومي على أن 70 بالمئة من الطلبة لا يزال مستواهم مبتدأ في اللغة بمن فيهم طلبة العلوم، مشيرا إلى أن هذا الإشكال يحتاج إلى حل عاجل من أجل تشجيع التلاميذ على استكمال دراستهم العلمية وكذا على مستوى التكوين المهني. أمزازي، وفي حديثه عن اللغات الأجنبية، قال إن التوجه المطلوب اليوم هو التوجه نحو اللغة الإنجليزية بالنظر لكونها لغة التكنولوجيا والتطور، مشيرا إلى أن المغرب سيمضي في هذا الاتجاه عبر خطوات، موضحا أنه لا يمكن تعميم الانجليزية ابتداء من المستوى الابتدائي كما يطالب البعض بالنظر لعدم توفر الموارد البشرية من جهة. ومن أجل التحكم في زمن الإصلاح، كشف أن هذا المشروع يتضمن جدولة زمنية مدققة ترسم مسارا واضحا للإصلاح، بآجال محددة، على المدى القريب بثلاث سنوات، والمدى المتوسط “6 سنوات”، المدى البعيد “10 سنوات فما فوق”. من جانبه شدد الأستاذ محتات بوجمعة المنسق الوطني لقطاع التربية الوطنية لحزب التقدم والاشتراكية، في تعقيبه على كلمة سعيد أمزازي وزير التعليم، على دور المدرسة العمومية التي قال إنها أسهمت في إخراج الكثير من الأجيال من القادة والمسيرين للشأن العام الوطني. وشدد محتات على أن الدفاع عن المدرسة العمومية لا يعني بالأساس مواجهة التعليم الخصوصي، معتبرا هذا الأخير شريكا في العملية التربوية، داعيا إلى الاهتمام بشكل أكبر بالمدرسة العمومية وإيلائها الأهمية التي تستحقها. وأشار المتحدث إلى أن إشكال المجانية مطروح بالنظر لتحدي التمويل الذي يحتاجه الإصلاح، مبرزا أنه لا يمكن إصلاح التعليم بدون تمويل، حيث أكد في هذا السياق على ضرروة إيجاد حل لمساهمة جميع الشركاء في التمويل والتعاون، دون المساس بالفئات الهشة والمستضعفة التي لها الحق في مجانية التعليم. جدير بالذكر أن هذا اللقاء الذي نظمه قطاعا التربية الوطنية والتعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية، وعرف حضورا وازنا لمجموعة من الأطر والأساتذة والأكاديميين وعدد من النقابيين والمناضلات والمناضلين من أحزاب مختلفة، يدخل ضمن سلسلة اللقاءات التي ينظمها حزب التقدم والاشتراكية حول مجموعة من القضايا الراهنة التي تهدف إلى إذكاء النقاش حول هذه القضايا والمساهمة بمجموعة من التوصيات والخلاصات. محمد توفيق أمزيان