تشكل اللقاءات المتواصلة على مدى ثلاثة أيام لدار المناخ بطنجة، فضاء للتشاور والتداول والتوافق حول سبل رفع تحديات المناخ بين جميع الفاعلين غير الحكوميين، والمستثمرين، والمستهلكين والمساهمين من العالم التربوي إضافة إلى الفاعلين الحكوميين. وتميزت أولى هذه اللقاءات، أول أمس الخميس، بأشغال لجنة التوجهات الإستراتيجية لدار المناخ المتوسطية، التي اجتمعت برئاسة رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، إلياس العمري، وبحضور 25 عضوا، من بينهم رؤساء جهات وعمال محليين من جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، وممثلي المؤسسات الدولية الرئيسية والممولين. في كلمة بالمناسبة، شكر إلياس العمري الحاضرين، وقال إن حوض البحر الموسط كان تاريخيا مهدا للحضارات والتقاء الثقافات ومركزا للتلاحم الانساني والبشري وسيبقى كذلك، لكنه مع الأسف أصبح اليوم، إن صح التعبير، يقول العمري مقبرة للبشر الذين يبحثون على لقمة العيش مختصرة في" قطعة خبز يابسة وقارورة ماء"، كما أن هذا المحيط يضيف العمري أصبح مقبرة للنفايات الناجمة عن أنشطة نوع من الرأسمالية المتوحشة. ولإعادة الأمل لهذا البحر المتوسطي ولساكنته بل وللبشرية جمعاء، يقول المعمري، لابد من الاعتماد على خبرة الخبراء وعلى قرارات السياسيين وحكمة الرأسماليين أو المقاولين، للمساهمة جميعا في رفع تحديات المناخ. من جانبها قالت أسية بوزكري نائبة رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، إن دول الحوض الأبيض المتوسط أكثر عرضة لتجليات التغيرات المناخية إذ يعتبر من بين النقط الساخنة بحيث يرتقب ان ترتفع حرارته سنويا بمعدل 2.2 و5 درجات، لكن بفضل موقعه الجيوستراتيجي، كونه حلقة وصل بين الواجهتين الجنوبية والشمالية، تقول بوزكري (رئيسة لجنة قيادة الدورة الثانية لمؤتمر الأطراف لدول المتوسط حول المناخ «ميد كوب المناخ»)، فهو يمثل فضاء متميز لبناء مشترك بحلول مفيدة في مجال مكافحة التغيرات المناخية، خصوصا، وأن المشاكل مشتركة حيث تواجه ساكنة حوض المتوسط نفس الواقع البيئي المناخي، مما يتطلب حلولا والتزامات مشتركة وطموحة، لذا علينا تقول المتحدثة، ان نجعل من الفضاء المتوسطي مرجعا في مجال الانتقالات سواء تعلق الأمر بالانتقال الطاقي الايكولوجي الاقتصادي الرقمي وحتى القانوني والسلوكي وهذا لتبني نمط استهلاك وإنتاج جديد. واكدت المتحدثة في مداخلتها على أهمية دار المناخ المتوسطية بطنجة في تحيق التنمية المستدامة والتي يبقى المناخ أحد مرتكزاتها، مبرزة أن دار المناخ كفضاء لإنتاج السلط والمعارف تشكل فضاء للتوافق حول اهداف المناخ «ومركزا» متوجها للعالم التربوي والمجالات الترابية والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والمستهلكين والمستثمرين والمساهمين هذا فضلا عن كونها حلقة وصل بين المواطنين والفاعلين غير الحكوميين والدول، مما يسمح بتسريع الانتقالات اللازمة لمكافحة التغيرات المناخية. ودعا باقي المتدخلين خلال هذا الاجتماع إلى تعبئة شاملة من أجل أجرأة أجندة متوسطية للحلول في مجال التغيرات المناخية، مؤكدين في ذلك، على «دار المناخ المتوسطية بطنجة» للعمل بشكل جماعي لتفعيل أجندة وعمل متوسطيين لصالح البيئة يقدمان مساهمة أساسية ليس فقط لفائدة الدول المعنية، ولكن أيضا لصالح أجندة عالمية. وأبرز هؤلاء المتدخلون، أن كافة الأنشطة الحالية والمستقبلية في إطار دار المناخ المتوسطية بطنجة، من شأنها المساهمة بشكل ملموس في جهود مكافحة التغيرات المناخية، من خلال إطار سياسي معبئ، ومشاريع إقليمية مهيكلة، وأرضيات للحوار الإقليمي تشجع تقاسم المعلومات والممارسات الجيدة وتحديد المبادرات المشتركة، مؤكدين، أن مسار تطور المنطقة يعكس الدور الأساسي الذي يطلع به المغرب في اتخاذ استراتيجيات بين أوروبا والمتوسط وإفريقيا في مواجهة التغيرات المناخية. ويتميز الملتقى بتنظيم جلسة عامة رفيعة المستوى حول القضايا المجتمعية الكبرى المرتبطة بالمناخ وتحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وقضايا الهجرات المناخية، فضلا عن عقد لقاءات مع عدد من الفاعلين حول تمويل المشاريع وتقوية القدرات والاستراتيجيات والمشاريع الترابية واللوجستيك. إلى ذلك، سيعرف الملتقى تنظيم عدد من الورشات المفتوحة حول عدد من قضايا التنمية ب»ميد كوب المناخ» و»دار المناخ المتوسطية»، وجلسة نقاش حول «تشغيل الشباب والمناخ: أية فرص»، بالإضافة إلى زيارات لعدد من المشاريع بالجهة على صلة بموضوع اللقاءات. المغرب ودار المناخ يعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط والقارة الأفريقية من بين أكثر المناطق تأثرا بتغير المناخ. فهما يتضرران وسيتضرران مستقبلا، بشكل خاص، بارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستويات المياه، وتفاقم الظواهر المناخية القاسية واختلال أنظمة هطول الأمطار. وستؤدي هذه الآثار إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المعقدة أصلا، وستكون لها عواقب وخيمة إذا لم تتخذ التدابير المناسبة بسرعة. لقد جعل المغرب، المتأثر بهذه الظواهر، والمتواجد على مفترق طرق هاتين المنطقتين، من تغير المناخ قضية رئيسية في جدول أعماله التنموي. فتوقعات مديرية الأرصاد الجوية الوطنية بالمغرب تؤكد بالفعل، بحلول نهاية القرن: – ارتفاع متوسط درجات الحرارة في الصيف بين 2 و 6 درجات مئوية؛ – انخفاض هطول الأمطار بنسبة 20٪. ولمواجهة هذه التحديات، اتخذت المملكة موقفا استباقيا منذ عدة سنوات، ووضعت إطارا استراتيجيا لمواجهة هذه التحديات المناخية. كما يلعب المغرب دورا نشطا في مختلف العمليات الأممية التي تجري على الصعيد الدولي. وفي هذا السياق، كان في صلب أجندة المناخ لسنة 2016، من خلال تنظيمه لمؤتمر كوب 22 في إطار اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بمراكش. تحديات جديدة وأدوار جديدة للمغرب على الصعيد الوطني، وضع المغرب استراتيجيات وبرامج وخطط عمل مختلفة تتعلق بالمناخ: -وضع سياسة لتأهيل البيئة مجموعة من الاستراتيجيات : -الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (تم استعراضها واعتمادها في مجلس الوزراء يوم 25 يونيو 2017)؛ – سياسة تغير المناخ في المغرب والاستراتيجية الوطنية للبيئة؛ – ستراتيجية التدبير المندمج للمناطق الساحلية؛ – الاستراتيجية الوطنية لتهيئة وتنمية الواحات؛ – الاستراتيجية الوطنية للتدبير المندمج للساحل؛ – الاستراتيجية الوطنية للتنمية منخفضة الكربون؛ – الاستراتيجية والخطط الوطنية للتنوع البيولوجي بالمغرب 2016-2020 – الاستراتيجية الوطنية للتربية والتوعية بالبيئة والتنمية المستدامة – الخطة الوطنية لمكافحة الاحترار المناخي – خطة العمل الاستراتيجي لحفظ التنوع البيولوجي البحري والساحلي في البحر الأبيض المتوسط -تخطيط تهيئة الأحواض المائية؛ – مخطط الاستثمار الأخضر في المغرب – برنامج تهيئة السواحل بالريف الأوسط وتم تعزيز دور الجهات والتزامها في هذا الإطار، على النحو الذي تم خلال إعداد دليل لبلورة المخططات الجهوية لمكافحة الاحترار المناخي سنة 2010. ومن الناحية العملية، على الجهات أن تنجز المخططات الجهوية لمكافحة الاحترار المناخي الخاصة بها والتي تشكل جزءا لا يتجزأ من خطط التنمية الجهوية التي أطلقتها الجهات. وحتى الآن، فإن جهة سوس ماسة هي الوحيدة التي تعمل على استكمال مخططها الجهوي لمكافحة الاحترار المناخي وخاصة الجانب المتعلق بالتخفيف من الآثار. وبالنظر إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي في قلب حوض البحر الأبيض المتوسط وعلى مفترق الطرق بين أفريقيا وأوروبا، يجب على المغرب أن يصبح، حاليا، منصة قوية للعمل الدولي لمكافحة تغير المناخ، وللتعاون شمال -جنوب وجنوب – جنوب. كما أن المغرب أتيحت له فرصة لم يسبق لها مثيل للنهوض بدوره الريادي في أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وأن يصبح مثلا يحتدى به من خلال تنفيذ استراتيجيات وطنية وإقليمية مبتكرة وطموحة من أجل تحقيق تنمية مرنة، منخفضة الكربون. ويمكن لجهة طنجةتطوانالحسيمة، بفضل دار المناخ المتوسطية، أن تلعب هذا الدور بشكل كامل، وأن تكون نموذجا للجهات الأخرى في المملكة، بل وعلى صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط. المغرب، فاعل طليعي ملتزم وبعيدا عن عملية المفاوضات الدولية في إطار اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، نشر المغرب في مارس 2014 سياسته المتعلقة بتغير المناخ، التي تنص، بالأساس، على إنشاء مركز للكفاءات مخصص لهذه الرهانات. ويهدف مركز الكفاءات لتغير المناخ، بدعم من وكالة التعاون الدولي الألمانية GIZ، إلى تزويد البلاد بالوسائل اللازمة للاستجابة على المستوى الوطني لمتطلبات تدبير تغير المناخ. وتصف سياسة تغير المناخ بالمغرب هذا المركز بأنه «شبكة للتعاون والتنسيق الدائم والمهيكل الذي يوحد جهود وبيانات المؤسسات العمومية والجماعات الترابية والجامعات والقطاع الخاص في التكيف مع تغير المناخ، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة. وقد تمت ترجمة ذلك بإنشاء «مركز الكفاءات لتغير المناخ»، الذي تشمل مهامه توفير بيانات موثوقة عن إمكانات التخفيف، فضلا عن مجموعة من الممارسات الجيدة للاستفادة من وسائل العمل وتنفيذ تدابير التكيف والتخفيف المتأقلمة مع الواقع المغربي. وقد تم تحديد مهام مركز الكفاءات لتغير المناخ بالمغرب على النحو التالي: – المساهمة في بناء قدرات الفاعلين الوطنيين في مجال تغير المناخ – ترصيد الإعلام / المعرفة / المهارة في مجالات الهشاشة، والتكيف، والتخفيف، والتمويل المرتبطة بتغير المناخ في المغرب – وضع أدوات للمساعدة على اتخاذ القرار في مجال تغير المناخ – المساهمة في الجهود العالمية من خلال تبادل الخبرات والرصد والتشبيك بخصوص تغير المناخ على المستوى الدولي. وفي إطار الجهوية المتقدمة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي استعرضها مجلس الوزراء واعتمدها في 25 يونيو 2017، يجب علي الجهات أن ترفع تحدي بلورة استراتيجيات تحترم السياسات الطاقية، والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، وفقا لخصائصها الترابية. وفي مجال مكافحة تغير المناخ، يتعين على كل جهة أن تطلق خطتها الترابية لمكافحة تغير المناخ، سواء تعلق الأمر بمكون التخفيف أو التكيف. وتشكل الخطة الترابية لتغير المناخ جزءا لا يتجزأ من مخطط التنمية الجهوية التي وضعته جميع الجهات. كما ستطلق الجهات مخططات أخرى تتعلق بتغير المناخ. ويمكن أن تشكل دار المناخ المتوسطية محركا لهذه الخطط والبرامج لمكافحة الاحترار المناخي. ويشكل ميد كوب المناخ جوابا لتحدي ذي أولوية، يتعلق بالمحافظة على الظروف المعيشية والتنمية، كما يشكل فرصة للتغيير، وخلق الثروات ومناصب الشغل في المجالات الترابية. ويتعلق الأمر بأحد الرهانات الهامة لنجاح إحداث دار المناخ المتوسطية في طنجة. إذ ينبغي أن تنجح في اندماجها المحلي وبالتالي تكون مفيدة مباشرة للمجال الترابي الذي تتواجد فيه. وهذا ممكن، خصوصا وأن هناك تجربة قوية في بعض المجالات المختلفة مثل التربية البيئية (جمعية أساتذة علوم الحياة والأرض) وصناعة السيارات (رونو أحد المصانع ال «أنظف» في العالم). كما أنها جهة معنية بشكل خاص بالتشغيل والتنمية، ولا سيما بالنسبة للشباب. وسيتم دعم مخطط المناخ الترابي المستقبلي مباشرة من قبل دار المناخ المتوسطية، التي ستقوم، على هذا المستوى، بتكوينات وغيرها من أدوات المواكبة. كما سيتم خلق دينامية بفضل المعارض، والأنشطة والندوات. ويهدف المشروع إلى الاستفادة المباشرة لسكان الجهة من وجود خبراء رفيعي المستوى يقبلون على طنجة في إطار الأنشطة الدولية. ولا يهم هذا الأمر طنجة فقط، إذ يجب تقديم المعارض، التي سيتم إنشاؤها، في مدن أخرى مثل تطوان أو الحسيمة، وكذا في مناطق قروية.