أجمع سياسيون وإعلاميون في ندوة فكرية حول موضوع «السياسة والصحافة: تجربة علي يعته» على تفرد القيم والمبادئ التي ناضل علي يعته من أجلها وجعلها منارة للوطنية الصادقة وملتقى للحوار البناء والفكر الرصين، وفضاء للمساهمة الإيجابية في مختلف القضايا الوطنية. وشدد المتدخلون، في هذه الندوة الفكرية التي نظمت، مساء الجمعة الماضي بالدارالبيضاء، تخليدا للذكرى 20 لرحيل الزعيم علي يعته، أن استحضار مناقب الراحل علي يعته ورصيده النضالي من أجل الحرية والاستقلال، وإسهامه الإيجابي في بناء المغرب الحديث، تعتبر دروسا يجب الاستفادة منها وتوظيفها لمواصلة النضال من أجل مغرب الحداثة والديمقراطية والتقدم. وهو ما شدد عليه محتات رقاص، مدير نشر جريدتي البيان وبيان اليوم، في بداية هذه الندوة التي قام بتسييرها، حيث أكد على أن مؤسسة علي يعته باستحضارها وتكريمها لروح الفقيد، لا تروم فقط الوقوف على شهادات من واكبوا الراحل وعايشوا مساره النضالي والسياسي والإعلامي، بل ترمي أيضا، وأساسا، إلى توظيف هذا الزخم لخدمة راهننا الحالي. في هذا الإطار، أكد إسماعيل العلوي رئيس مؤسسة علي يعته، ورئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، في كلمة الافتتاح، أن هناك العديد من الدلالات التي يمكن استجلاؤها من هذه الندوة الفكرية، المقامة بمدينة الدارالبيضاء، عاصمة البروليتاريا المحتضنة لعشرات الآلاف من العمال في معاملها ومؤسساتها، والتي تبقى القلب النابض للاقتصاد الوطني. من جملة هذه الدلالات، يقول إسماعيل العلوي، الإجابة على سلسلة من التساؤلات التي يطرحها الواقع المعاش، واستخلاص الدروس والعبر من أجل توظيفها لخدمة قضايا الوطن والشعب. وأضاف العلوي أن اللجنة الإدارية لمؤسسة علي يعته عاكفة على مواصلة مثل هذه اللقاءات، عبر برنامج متكامل، يمكن أن تتم، من خلاله، مدارسة جملة من القضايا ذات البعد السياسي والثقافي والاجتماعي، في ارتباط وثيق بما خلفته مدرسة علي يعته. واعتبر رئيس «مؤسسة علي يعته» المنظمة لهذه الندوة، أن الصحافة والسياسة، في مسار علي يعته النضالي، ظلتا توأمين لا انفصام بينهما، حيث استطاع الراحل أن يجسدهما في شخصيته كزعيم ومناضل، وتمكن، بنجاح، في توظيفهما لمصلحة وطنه وشعبه. وفي رسالة إلى الحقل الصحفي، الذي يعيش اليوم طفرة نوعية، دعا إسماعيل العلوي إلى «التحليل الرزين والبعد عن الترهات في تقديم الأخبارالتي تهم السياسة، والأخذ دائما بعين الاعتبار أن السياسة والصحافة متلازمان، تعملان في تجاذب يغذي كلاهما الآخر». من جانبه، فضل الإعلامي محمد برادة، المدير العام السابق لشركة توزيع الصحف سبريس، أن تكون مداخلته عبارة عن شهادة وخواطر، محاولا عبرها رصد المسار الذي سلكه الزعيم علي يعته، الذي ظل، بحسبه، «رمزا للنضال، وملقن الأجيال دروس التشبع بروح الوطنية والوفاء، جاعلا من الصحافة عصب الكفاح من أجل الديمقراطية.».. وقال محمد برادة، في شهادته، إن علي يعته كان يتمتع بمزايا إنسانية عالية، خطيب فصيح، أثر بصدقه في جمهور واسع من الشباب والطلبة والمناضلين الحالمين بغد أفضل، ورجل رحالة، كثير التنقل، موزع ما بين عدة جبهات ومواقع، وأيضا مديرا لصحيفتي الحزب اليوميتين، بالعربية والفرنسية. وتابع برادة أن «الفوضى المنظمة» هي ما كان يميز مكتب علي يعته حيث ينزوي في ركن من أركانه لتحرير الافتتاحية التي ستصدر في عدد الغد، بعد اجتماع هيئتي التحرير، قبل المضي سريعا نحو اجتماعاته برفاقه في التقدم والاشتراكية لمتابعة شأن أو قضية حزبية ما، ثم العودة لتحرير بعض المراسلات، والرد في الهاتف على أكثر من مكالمة، واللقاء بمسؤولين من الإدارة المحلية بغاية إيجاد حلول لبعض مشاكل المواطنين ممن يلجأون إليه، ثم الانتقال إلى العاصمة الرباط لحضور جلسات ولجان البرلمان. كان الرجل، يقول برادة، «استثناء، ولا أعتقد أنه تغيب يوما، إلا إذا أجبره على ذلك القيام بمهمة خارج الوطن. إنه النائب الوحيد الذي يمثل حزب التقدم والاشتراكية تحت صرح هذه المؤسسة الدستورية الكبير». ومن خلال توقفه عند بعض المحطات التاريخية، تطرق محمد برادة للصعوبات التي واجهت علي يعته أثناء إصداره لصفحات الجريدة، إذ كان يعتبر أن الصحف ليست مصدرا للربح أو النجومية بقدر ما هي واجهة للتربية على المواطنة الحقة وإذكاء لروح النضال السياسي. وخلص إلى أنه في غياب معاهد إعلامية آنذاك فقد كانت الصحف الحزبية بمثابة مدارس للمناضلين مما أهل العديد منهم لاكتساح فضاء العديد من المنابر الإعلامية الدولية تأكيدا للمهنية التي اكتسبوها. أما الكاتب والإعلامي، خليل الهاشمي الادريسي، (المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء) فقد استحضر خصال الراحل علي يعته، والوطنية التي كان يتحلى بها، ورصيده النضالي من أجل الحرية والاستقلال، وإسهامه الإيجابي في بناء المغرب الحديث، مبرزا أن علي يعته يعتبر من القادة السياسيين والمغاربة الرواد، المشهود لهم بالمصداقية والعطاء الوطني البناء والوفير، في المجالين السياسي والحزبي. كما ذكر خليل الهاشمي، في مداخلة مطولة، بما كان يتميز به علي يعته من التزام جاد ومسؤول بالقضايا الوطنية، التي جعلها في صلب فكره ونضاله وبوأها الأولوية، على الرغم من المرجعية الفكرية لحزبه، ذات الأبعاد الدولية. وبعد أن ذكر أيضا بإسهام علي يعته الكبير في إغناء الحقل الإعلامي الوطني، وجهوده من أجل انبثاق إعلام حر ومسؤول، وفي بناء يسار مغربي متسم بالنضج السياسي وبروح المسؤولية العالية، أثار الهاشمي موضوع «المراجعة السياسية» التي اقتنع الراحل على يعته، بحتمية القيام بها، وذك بعد مجابهة قيمه مع الواقع المغربي المعقد، وهو ما أهله، عقب ذلك، يضيف المتحدث، للمساهمة بشكل عميق في تعزيز التوافقات السياسية. وانطلاقا من موقعه كملاحظ ومحلل للمشهد السياسي، ذكر خليل الهاشمي الإدريسي بأن الراحل علي يعته ظل وفيا لقيم ومبادئ حزب التقدم والاشتراكية، حيث دافع عنها باستماته في ظل الانفتاح على محيطه وباقي الفاعلين، مبرزا في هذا السياق، أنه بفضل ما تحلى به من مرونة وتبصر، استطاع علي يعته أن يفرض نفسه كوسيط وجسر للحوار بين مختلف المؤسسات التي ساهمت في التحولات التي شهدتها الساحة السياسية الوطنية وتوجت فيما بعد بميلاد الكتلة . وخلال هذه المرحلة الانتقالية، يضيف الهاشمي الادريسي، عمل الزعيم علي يعته، على إبقاء باب الحوار مفتوحا على مصراعيه مع باقي الشركاء، وإشراك الجسم الصحفي في هذا النقاش من خلال جريدتي «بيان اليوم» و»البيان» اللتين تناولتا بجرأة سلسلة عددا من المواضيع المتنوعة التي رامت تكريس ثقافة الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان. هذا، وشهدت الندوة الفكرية مشاركة الحاضرين الذين أكدت مداخلاتهم، أنه، بعد مرور 20 سنة على رحيل علي يعته، لا يزال مؤسس حزب التقدم والاشتراكية، أبرز الوجوه التي ناضلت، من خلال الصحافة والسياسية، من أجل الفقراء والمحتاجين، ومن أجل العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين، مشكلا مدرسة سياسية بمواقف لم تتغير ولم تنحرف عن المسار النضالي من أجل كرامة الشعب المغربي وحقوقه المشروعة التي تمنحه حق العيش الكريم في دولة الحق والقانون، تتسع لكل أبنائها ويتقاسم خيراتها الشعب المغربي بصفة عادلة.