حينما اهتز المغرب سنة 1993 لقضية الوحش الآدمي العميد مصطفى ثابت الذي نفذ فيه حكم الإعدام إثر ارتكابه لمسلسل وحشي من الاغتصابات، لمح الملك الراحل الحسن الثاني إلى قيمة الأخلاق، وما يجب أن يتحلى به المسؤول في المغرب من خصال وشيم. ودعا الى اعتماد معيار "ولاد الناس" أثناء التعيين والترقية، وخاصة حينما يتعلق الأمر بمهن حساسة في تحمل المسؤولية . وها هي قضية جديدة تطفو على السطح في مدينة تزنيت، بطلها عميد شرطة لا ينتمي للأسف "لولاد الناس"، وحمدا لله أن المديرية العامة للأمن الوطني سارعت الى توقيفه عن العمل بقرار من المدير العام عبد اللطيف الحموشي قبل أن يقرر وكيل الملك إيداعه السجن على خلفية الأعمال المنسوبة إليه. فقد استغل هذا العميد بوحشية وتجبر ضعف وصغر سن فتاة شابة تعمل مسؤولة عن وكالة بنكية،ولأنها أم لطفلة خافت أن ينتزعها منها طليقها،فقد ابتزها عميد الشرطة شر ابتزاز بعد أن ربطته بها علاقة غير شرعية،وبات يهددها بنشر صور وفيديوات العلاقة التي جمعته بها ،وبما نتج عنها من حمل أجهضته بإيعاز منه،بينما ظلت الفتاة تتوسل إليه كي لا يعلم طليقها بالأمر،فيحرمها من حضانة ابنتها. ولم يكتف هذا "الوحش الآدمي" -كما وصفته وسائل التواصل الاجتماعي- بتعميق مأساة هذه الشابة المفتقرة للسند وللخبرة،بل انتقل إلى مرحلة أخرى من الابتزاز، وهي مطالبته لها بمبالغ مالية كبيرة، باعت كل ما تملك كي تستجيب لجزء منها، إلا أن جبروت وجشع هذا المتجبر ازداد سطوة، فطالبها بتحويل جزء من أموال زبناء الوكالة الى حسابه الخاص، وطاردها حتى مقر عملها كي تسلم له مبالغ أخرى، حيث ظهر في فيديو متداول وهو يسلبها 27 مليون سنتيم، مما حذا بالضحية للتوجه بشكاية إلى وكيل الملك بتزنيت. والغريب في ممارسات هذا العميد المتجبر، أنه لم يعر أدنى اهتمام لحساسية مهنته، خاصة وأن أجهزة الأمن عرفت تحولات وحكامة كبيرتين تحت إدارة عبد اللطيف الحموشي، الذي لا يتوانى أبدا عن مجازاة المجتهدين و المنضبطين، ومعاقبة المتسلطين والمسيئين لاستخدام سلطهم مهما بلغت درجات مراكزهم،كما أن عمداء الشرطة وباقي رجال الأمن ينعمون حاليا بترقيات سريعة وتعويضات تتناسب مع المهام الملقاة على عواتقهم. ويبدو من خلال ما استعرضناه من وحشية وشطط وتسلط هذا العميد،أنه لو أتيحت له فرصة الفرار الى الخارج، لسلك نفس مسلك الضابطة وهيبة خرشش، ولوجه اتهاماته شرقا وغربا بتسجيل فيديوهات غير مسؤولة، يكيل فيها لمؤسسته شر أنواع السباب والاتهامات، لكن – حمدا لله- كانت يد القانون اطول من جشعه ومن نواياه. واخيرا، فإن الرأي العام الوطني وهو يتابع تطورات هذه القضية، يضع كل ثقته في القضاء المغربي، كي يلقى هذا "الوحش الآدمي" جزاء ما جنته رغباته المتسلطة، وطغيانه المتوحش، ويكون عبرة لكل من يعتبر.إذ أن المفترض أن يكون هذا المتسلط حاميا للقانون، لا أن يدوس عليه برجليه. وهنا نورد القصة التاريخية التي يرويها العرب عن امرأة متزوجة تحرش بها حاكم إحدى القبائل،فسألته بفخر وإباء: يا حاكم البلدة، إذا كان الملح يصلح اللحم كي لا يفسد، فمن يصلح الملح إذا فسد؟،وبعدها رددت العرب البيت الشهير لأبي سفيان الثوري: يا "حماة العهد" يا ملح البلد *** من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!