بات لافتا للانتباه دوليا الطريقة التي أصبحت العديد من الدول الأوروبية تنهجها لتغير قوانينها، إذ باتت مرغمة على تعديلها في اتجاه فرض مجتمعات منفتحة بلا حدود، حيث طُلب من إيطاليا مثلا إضفاء الشرعية على زواج المثليين، وفرنسا باتت ملزمة بتغيير الجنس على الورق، كما طلب من بولونيا أن توافق على السماح بالإجهاض، بالإضافة إلى قضية إلغاء تطبيق الشريعة الإسلامية في اليونان بالنسبة للأقلية المسلمة. هذه القضايا وما أكثرها، وفق ما ذكرته مجلة ” لافالور اكتوييل” الفرنسية المقربة من اليمين المحافظ، في تحقيق مطول نشر في عددها الأخير الصادر في 20 فبراير الجاري، يجمعها رابط واحد يتجلى في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إذ تقول المجلة إنه “عندما نلاحظ أن هذه المحكمة هي التي تفرض هذه القوانين على مجموعة من الدول ويتضح لنا بأن إحدى المنظمات غير الحكومية تسمى “مؤسسة المجتمع المفتوح” “OSF”، على صلة بهذه القضايا أو نجد قاضيا من قدامى المتعاونين مع ذات المنظمة هو من أصدر حكمه، فيجب علينا أن نستنتج أن كل الأحكام تحمل توقيع جورج سوروس”. كان هذا هو التقديم الذي اختارته المجلة المذكورة لتظهر أن “جورج سوروس” الملياردير الهنغاري المولد والذي يحمل الجنسية الأمريكية (90 عاما)، والمعروف بالأعمال الخيرية التي ليس لها حدود، يحاول من خلال مؤسسته ” المجتمع المفتوح”، والعديد من المنظمات الدولية التي يمولها، وضع حد لفكرة الأمم المنغلقة، وفرض المجتمع المفتوح بلا حدود، مستعرضة الكيفية التي تسلل عن طريقها (سوروس) للمحكمة الأوروبية التي تعنى بحقوق الإنسان. تسلل الملياردير اليهودي “جورج سوروس” إلى ردهات المحكمة وعداؤه لمعظم الحكام ورجعت المجلة إلى الوراء وبالضبط، سنة 2018، حينما تناولت قضية الملياردير الأمريكي “الذي تفنن في قلب الأنظمة العالمية تحت غطاء الإنسانية، وكل من يرى فيه بأنه غير إنساني فهو متآمر، ويُعتبر من أعداء السامية ويصنف ضمن خانة الفاشيين أو اليمين المتطرف”. وفق تعبير المجلة. وتطرق صاحب المقال بذات المجلة للعداء الذي يكنه العديد من رؤساء الدول، لسوروس، قائلا “ما يثير الضحك هو عندما نتعرف على الجبهة المعادية له انطلاقا من بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى فيكتور اوربان رئيس جمهورية هنغاريا، إلى دونالد ترامب، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، مرورا بفلاديمير بوتين، رئيس روسيا”، وهو ما يبرز وفق المجلة بأن الايديولوجية التي يدعو إليها سوروس من خلال مؤسسة “المجتمع المفتوح” ومن خلال العشرات من المنظمات غير الحكومية هدفها تخريب العالم وفرض نظرية ” مجتمع مفتوح وبدون حدود. “ وسلط ذات المصدر الضوء على الطريقة التي اعتمدها “جورج سوروس” للتسلل للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث بدأت الحكاية بستراسبورغ بردهات قصر حقوق الإنسان المقر المثير للجدل للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حينما اكتشف القاضي “كريكوري بوبنيك”، رئيس المركز الأوروبي للعدل والقانون، كيف أن لوبي “سوروس” له أياد خفية تتحكم في الأحكام التي يصدرها القضاة. “بوبينك” الذي تدخل لدى المحكمة في مجموعة من القضايا وربط علاقات مع مجموعة من الأعضاء، سيكتشف خلال وقوفه على قضية “الصلبان”، التي ربحها استئنافيا لصالح إيطاليا ضد مواطنة أرادت إزالة الصلبان من المدارس، أن القضية تدخل فيها قضاة سوروس، ابتدائيا وتم الحكم لصالح السيدة، وقد لعب دورا مهما، خلال سنوات ما بين 2001 و 2007 في القضية، ووشح بوسام فارس الجمهورية، تقول المجلة. التحول الإيديولوجي لمحكمة حقوق الإنسان في أوروبا ونقلت المجلة عن “بوبينك”، الذي يوجد في الصفوف الأولى بالمحكمة قوله “لقد تم تنبيهي بأن هناك قاض أو اثنين من قضاة سوروس، لكن لم يثير ذلك اهتمامي مادام هناك ماسونيين وكاثوليكيين حيث يدخل هذا في إطار تمثيلية النظام لكن مع مرور السنين أثار انتباهي تنامي قضية الاجتهادات القضائية الإيديولوجية، إذ أن المحكمة التي كانت تصدر أحكامها بناء على العدالة أصبحت الآن تصدر الأحكام وفقا لمبادئ التسامح والعقلية المتفتحة، مؤكدة أن هذه المبادئ مرتبطة بتحقيق الديمقراطية.” واعتبر “بوبينك”، حسب ذات المجلة، هذا التحول، منعطفا إيديولوجيا غريبا للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأخذ على عاتقه سنة 2018 القيام بتحليل تاريخ الاجتهاد القضائي للمحكمة على الميدان بهدف إظهار إيديولوجية ساروس ما نتج عنه إصدار كتاب ” حقوق الإنسان المشوهة”. وبعد هذا جاءت خسارة قضية “فنسنت لامبرت” بفرنسا والمتعلقة بالموت الرحيم، حيث تم نزع جميع أجهزة الإنعاش على “فنسيت” الذي رقد في غيبوبة لمدة تزيد عن عشر سنوات، بعد صدور قرار من أعلى محكمة في فرنسا والذي يقضي بالسماح للمستشفى بنزع الأجهزة ليتوفى سنة 2019. هذه القضية كانت وفق رئيس المركز الأوروبي للعدل والقانون محكومة مسبقا من طرف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو ما شكل فصلا آخر سيدفعه للتحقيق في السير الداخلي لتلك المحكمة، ليصدر بعد ستة أشهر تقرير مكون من 200 صفحة. سوريس رئيس دولة بدون دولة ويتحكم في 47 دولة ونتيجة لهذا التأثير، “يمكن لسوروس تقديم نفسه كرئيس دولة بدون دولة، إلا أنه لا يحتاج إليها لإنجاح مشروعه، تقول المجلة، لأن الدول 47 الموقعة على الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان باتت مرغمة على سن مواثيقها الدولية بتوافق مع الاجتهاد القضائي الذي تم وضعه من طرف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هذه المحكمة التي يتحكم فيها سوروس، عن طريق العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية التي يمولها. وبهذا يكفي أن يُملي عليهم مباشرة ما ينبغي عليهم فعله من خلال هيئة قضائية فوق وطنية أو تتجاوز الحدود الوطنية، والتي تتكون من العديد من القضاة ينتمي معظمهم إلى منظمات غير حكومية، يمولها الملياردير الأمريكي سوروس، وعلى رأسهم منظمة “المجتمع المفتوح”. ما بين 2009 و2019، قامت سبع منظمات ذات صلة بمؤسسة “المجتمع المفتوح” بإرسال المتعاونين معها إلى المحكمة لشغل منصب قاض رسمي حيث من بين المائة الذين عقدوا جلسات خلال الفترة المذكورة 22 منهم لهم علاقة بالمنظمات غير الحكومية ويدخلون ضمن خانة زعيم أو مستفيد من التبرعات أو مشارك مهم ودائم في أنشطتها. “بوبينك” لم يأبه للقضاة الذين لهم علاقة بالمنظمات السبع مادامت مؤسسة “المجتمع المفتوح” تموِّل المئات من المنظمات”، تقول ذات المجلة. وهكذا تحولت أعلى محكمة أوروبية، التي تم تأسيسها في الفترات التي كانت تضطهد الدول مواطنيها، من محكمة لإنصاف المواطنين ضد دولهم الأصلية ومواجهة سلطة الأمم، إلى محكمة لنشر إيديولوجية يتبناها “سوروس”. تمويل “سوروس” للمنظمات الدولية.. أمنستي وهيومن رايتس ووتش وفي ذات السياق أوضح ذات المصدر، أن سوروس خصص منذ 1984 مبلغ 32 مليار دولار لدعم المنظمات، حيث أن غالبيتها ممولة من طرف مؤسسته “المجتمع المفتوح”، لذا فجميعها تدور في فلك الفكر الذي يروجه الملياردير اليهودي. ومن بين المنظمات الحكومية التي يمولها سوروس، ذكرت المجلة، منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، واللجنة الدولية للقضاة، حيث إن المنظمات السبع المهمة والتي تتكون منها المحكمة تتحكم فيها مؤسسة “المجتمع المفتوح”، وهكذا أجبرت النمسا واليونان وإيطاليا على إضفاء الشرعية على اتحاد المثلية الجنسية، وطلب من بولونيا تعزيز الحق في الإجهاض، وإلزام فرنسا بالسماح بتغيير الجنس “على الورق”، وهنغاريا أُجبرت على إلغاء عقوبة السجن مدى الحياة، والقائمة طويلة. وفي الدول التي يكون فيها الممول سخيا، فهو يخصص أكثر من 90 مليار دولار لأوروبا تأخذ منها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 70 مليون دولار، بحيث أنها تحظى بأكثر قسط من استثمارات سوروس. إذن فالعمل العملاق الذي تكلف به بوبينك؛ يتجلى في غربلة (تمحيص وبحث) جميع القضايا المعروضة على المحكمة خلال العشرية الأخيرة وفحص ما إذا كانت المنظمات السبع التابعة لسوروس متورطة في كل قضية ومن هم القضاة الذين يترأسون الجلسات بالغرفة التي تصدر الأحكام. ولكن الغريب، وفق المجلة، هو الوضعية التي يتواجد عليها “بوبينك”، حيث أنه اكتشف كل هذه المعطيات ولا يريد الإفصاح عن تقريره “ولكن يريد تقديمه لمختلف الأعضاء المكونين للمحكمة لإيجاد حلول لهذه المعضلة” يقول ذات المصدر.