يبدو أن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان استأجر من الباطن رداءه الحقوقي لحركة التوحيد والإصلاح وزعيمها أحمد الريسوني لرجم المؤسسات العمومية بالباطل في قضية هاجر الريسوني، بل إن المنتدى أضحى يردد في العلن ما يهمس به في الكواليس كوبل محسوب على محيط توفيق بوعشرين، يتألف من محمد رضى وحنان بكور، واللذان يتشبثان بالإنكار في وقت تلوذ فيه المتهمة بالاعتراف، ويزعمان التعذيب “الأبيض واللئيم”، بيد أن المعنية بالأمر لم تثر أي دفع بالعنف أو المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة من الكرامة في أي مرحلة من مراحل القضية لحد الآن. فبيان منتدى الكرامة لحقوق الإنسان لا يعدو أن يكون مجرد بلاغ تضامني تحت الطلب، بل إنه بيان على مقاس هاجر الريسوني، وهو ما يشكل خرقا فاضحا لأهم المبادئ الأساسية في مجال حقوق الانسان وهي الشمولية والكونية وعدم القابلية للتجزيء. أقول جازما بأنه بيان تحت الطلب، لأنه ذكر هاجر الريسوني بالإسم والصفة في أكثر من عشر مواقع (10)، ولم يتناول نهائيا الدفاع عن باقي أطراف القضية سواء الطبيب أو الممرضين وحتى المواطن السوداني، مكتفيا فقط بعطفهم على هاجر الريسوني في مناسبة واحدة بصيغة نكرة ( ومن معها)، وكأنهم مجرد أرقام في سجل سوابق أو كومبارس يؤثثون بلاغ التضامن المزعوم. إن بيانات من هذا القبيل تشكل وصمة عار في جبين من يصدرها ويذيلها بتوقيعه، لأنها تجعل منه مجرد ” مأموم يردد ما يتلوه الشيخ آل الريسوني ورهطه في محرابهم”، وتقدمهم في صورة “منتدى دمى” يحركه من خلف الستار كوبل معروف بمناوراته المفضوحة والفاشلة في قضية اتجار بالبشر، والذي لا يهتم بالانتصار لحقوق الانسان أو تبرئة هاجر ومن معها من متابعين، وإنما يبتغي افتعال المواجهات والتصعيد مع أجهزة العدالة الجنائية، ولو على حساب مصلحة وحقوق جميع الأطراف في هذه القضية. فالمنتدى الذي يطرح تساؤلات حول “حماية الحياة الخاصة وسرية الاتصالات” إنما تجاوز حدود الرصد والتقييم الحقوقي المفترض في الجمعيات النشيطة في حقل الدفاع عن حقوق الانسان، ودخل في مجال التخمين والتنجيم وترديد ما يهمس له به في الصالونات السرية! فإذا كانت المحكمة لا تحكم إلا بما راج أمامها، فكيف لمرصد، يقوده شخص لازالت روح الشهيد أيت الجيد تحوم في سمائه وتمسك بتلابيب ثيابه، أن يزعم وقوع هذه التجاوزات ولو على سبيل الترجيح، دون أن يكون متأكدا من ذلك أو لديه من الإثباتات الدامغة التي لا تجعله يقع تحت طائلة جرائم القذف والإهانة. وعن أي “إنكار” يتحدث منتدى الكرامة، وكل من اطلع على محاضر الضابطة القضائية والخبرة المنجزة من طرف الطبيب يعرف كم عدد الإجهاضات، وليس الإجهاض الواحد، التي تعترف بها المتهمة في هذا الملف! فهل امتهان الكذب وصل بالمنتدى، وبمن يفتون عليه مواقفه المبنية على طلب، إلى درجة التماهي مع الكذب حد الاقتناع واليقين. كما أن استعمال عبارة إجراء الخبرة “بأمر من الشرطة” يطرح أكثر من علامة استفهام حول نوايا المنتدى غير الحقوقية ؟ فجميع رجال وممتهني القانون يعلمون جيدا أن الشرطة القضائية توجه “انتدابات” وليست “أوامر”، وأن النيابة العامة هي من تأمر بإحراء الخبرة وليس رجال الضبط القضائي. أما الكلام عن “تفتيش رحم المتهمة بطريقة قسرية”، فهو كلام الصالونات السرية وليس كلام مناضلي حقوق الانسان. فالرحم لا يفتش وإنما يخضع للفحص الطبي، والمتهمة أو المريضة لها أن تقبل أو ترفض الخضوع للخبرة بعدما يشعرها الطبيب بطبيعة مهمته، وفقا لما تمليه عليه أخلاقيات مهنة الطب. والمؤسف هنا أن فقاعات التخويف والترهيب التي يطلقها من يلوك الكلام في ظهر وخاصرة المنتدى إنما تروم دفع الخبراء وذوي الاختصاص إلى النأي بأنفسهم عن كل قضية أخلاقية أو غيرها يتورط فيها مستقبلا مريدو وأتباع جماعات الإسلام السياسي. ولم يقف الاستخفاف عند حد تخصيص الدفاع عن حقوق الإنسان على هاجر الريسوني بمفردها دون سواها من المتابعين في قضايا الإجهاض بالمغرب، وهم كثر، بل تعداه إلى حد الوقوع في انزلاقات قانونية جسيمة لا يفترض في من ينشط في مجال حقوق الانسان أن يقع فيها، وذلك عندما طالب منتدى الكرامة من “النيابة العامة إسقاط المتابعة في حق هاجر وإطلاق سراحها”، والكل يعلم أن القضية في هذه المرحلة من الدعوى العمومية هي بين يدي القضاء وليس سلطة الادعاء، والقضاء هو الذي يمنح السراح المؤقت أو يقضي بالإدانة أو البراءة. كما أن عبارة” إسقاط المتابعة” هي لغة غير القانونيين، لأن النيابة العامة لا تسقط الدعوى وإنما تحفظ القضية أو تحرك وتمارس الدعوى العمومية، أو أنها تطالب بتطبيق القانون إذا ارتأت ذلك. والملتمس الثاني القاضي بفتح ملتمس تحقيق في مزاعم التعذيب، يطرح أيضا علامة استفهام كبيرة حول دور المنتدى في هذه القضية بالذات. فالمتهمة وفريق دفاعها لم يثيروا أية مزاعم تعذيب في مرحلة الاستنطاق أمام النيابة العامة، ولم يطلبوا أي فحص كما هو مقرر قانونا، ونفس الشئ بالنسبة لباقي المتهمين المتابعين في هذا الملف. ولم تظهر مزاعم التعذيب إلا بعدما دخل الكوبل المعني على خط القضية، زاعما أحيانا الإنكار، ومدعيا أحيانا أخرى التعذيب الأبيض والعنف اللئيم! ألم أقل لكم أنه بلاغ مبني على طلب، لا تحركه نهائيا الخلفية الحقوقية، لأن من تتهمه العدالة بالمساس بالحق في الحياة لا يمكن أن يكون حقوقيا، وإنما قد يكون مجرد واجهة لأجندات مخدومة في الكواليس.