أصرت بثينة قروري، النائبة البرلمانية عن حزب “العدالة والتنمية،” مرة أخرى، على استبلاد المغاربة واحتقار ذكائهم وذاكرتهم، عندما حوّلت جلسة عمومية للأسئلة الشفهية في البرلمان إلى قاعدة خلفية لتوفير المؤازرة السياسية والحزبية للمتهم توفيق بوعشرين، وذلك في محاولة مكشوفة لتسييس هذا الملف القضائي، بعدما تعذر على زوجها وزميلها في الحزب عبد العالي حامي الدين إقناع الرأي العام الوطني بذلك في وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الجماهيري. لكن، قبل التعاطي مع سؤال النائبة “المتحاملة”، والتطرق لأجوبة الوزير الذي كان في “حالة شرود”، وجب التذكير استهلالا ببعض المساهمات الفيسبوكية للنائبة المحترمة، التي تعود لوقت قريب جدا، وتُظهر مدى إخلالها بمبدأ “شمولية التمثيل البرلماني” المفروضة في نواب الأمة وفي البرلمان من جهة، وإمعانها كذلك في الحربائية السياسية أو “النفاق” بحسب القاموس الشرعي من جهة ثانية. فمباشرة بعد اعتقال توفيق بوعشرين في 23 فبراير المنصرم على خلفية ما بات يعرف إعلاميا ب”محاكمة القرن”، بالنظر إلى حجم وطبيعة الجرائم المرتكبة وعدد الضحايا والمشتكيات، نشرت بثينة قروري على حسابها الشخصي في “الفيسبوك” تدوينة تُرثي فيها صديق و”خليل” العائلة، ورد فيها “بوعشرين صحفي معتقل من أجل أفكاره وليس من أجل شيء آخر…هل كنا بحاجة إلى تعبئة أكثر من 20 رجل أمن من أجل مداهمة مقر جريدة “أخبار اليوم” وإلقاء القبض على توفيق بوعشرين.. كل ذلك من أجل البحث معه حول مزاعم باعتداءات جنسية…؟؟”. وفي أقل من شهرين على هذه التصريحات، التي لازال أرشيف “الفيسبوك” يحتفظ بها، تخرج نفس النائبة عن حزب “المصباح” في البرلمان بسؤال شفهي تضاعف فيه عدد رجال الأمن الذين زعمت أنهم داهموا مقر جريدة “أخبار اليوم”. بالأمس كانوا 20 موظفا في تدوينتها على “الفيسبوك”، واليوم باتوا 40 رجل شرطة في سؤالها الشفهي!!! فهل يتعلق الأمر بخطأ مادي في احتساب عدد رجال الأمن؟ أم يرجع ذلك إلى “تحامل” البرلمانية المذكورة وزوجها وعدم حياديتهما في هذا الملف؟ أم أن الأمر يتعلق في حقيقته ب”أسهم ومؤشرات استدلالية” قابلة للارتفاع والنقصان في بورصة المزايدات الحزبية والعائلية؟ ولم تكتفِ بثينة قروري بالمزايدة السياسية من خلال مضاعفة عدد رجال الشرطة في سؤالها الشفهي في البرلمان، بل تعمدت أيضا “تنميق” اللغة وتغيير الصياغة التحريرية، إعمالا للقول المأثور “لكل مقام مقال”. ففي المساهمة الفيسبوكية ادعت أن “تعبئة 20 رجل أمن كانت من أجل مداهمة مقر الجريدة وإلقاء القبض على صحفي”، بيد أن في سؤالها الشفهي زعمت “إعطاء التعليمات بتسخير 40 رجل أمن لاقتحام الصحف والقيام بإجراءات التفتيش والحجز”. فعندما كانت تخاطب رواد العالم الأزرق، آثرت البرلمانية المتحاملة استعمال المصطلحات الأكثر شيوعا في قضايا الحوادث والجريمة، من قبيل “مداهمة مقر الجريدة”، لتجييش الرأي العام وتشكيل قناعة لديه بأن هناك إساءة في استخدام القانون. وعندما خاطبت ممثلي الأمة في البرلمان، استعملت عبارة “إعطاء التعليمات” و”اقتحام مقرات الصحف” في محاولة مبطنة للترويج على أن هناك “تدخلا مزعوما في عمل أجهزة العدالة الجنائية” وأن هناك “استهدافا ممنهجا لحرية الرأي والتعبير”. وبصرف النظر عن الخلفيات والأجندات التي تخدمها نائبة “المصباح” في البرلمان. هل التساؤل حول قضية جنائية معروضة أمام القضاء يدخل في إطار العمل البرلماني والممارسة التشريعية؟ وهل التساؤل حول تنزيل السياسة الجنائية يعطي للبرلمان حق مناقشة ملف تنظر فيه السلطة القضائية؟ وهل الوثيقة الدستورية، التي هي القانون الأسمى للمملكة، تخول للسلطة التشريعية تقييم عمل السلطة القضائية أو ممارسة الوصاية على أحكامها؟ وهل يجوز أيضا لوزير العدل، في ظل التنظيم القضائي الجديد للمملكة، أن يردّ على أسئلة برلمانية بعيدة عن اختصاصه الوظيفي؟ أم أن هذا الأخير يحنّ إلى الزمن الذي كانت فيه النيابة العامة تحت إشراف وزارة العدل، وكانت هذه الأخيرة تملك أيضا “سلطة الانتداب” على قضاة المملكة؟ فجلسة البرلمان ليوم أمس الإثنين، كانت أقرب إلى “رحبة للحلايقية” في سوق أسبوعي، وذلك بعدما أبدع “الكوبل البرلماني والوزاري” في سرد “الترهات” حول السياسة الجنائية، وفي تجاوز نطاق اختصاصهما، والتطاول على صلاحيات السلطة القضائية. فالنائبة بثينة قروري “استأجرت” قاعة البرلمان، بصفتها الحزبية والتمثيلية، لتصريف موقفها غير الحيادي من قضية توفيق بوعشرين، كما أنها “أجّرت من الباطن” هذه القاعة لهيئة دفاع بوعشرين لترديد دفوعاتها الشكلية بشأن عدد رجال الأمن الذين باشروا إجراءات التفتيش والحجز في مكتب ناشر “أخبار اليوم”. أما وزير العدل محمد أوجار فقد كان طيلة الجلسة “في حالة شرود”.