قبل أيام، أعلن بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني فتح تحقيق في موضوع شريط فيديو مفبرك يُظهر مجموعة من الأشخاص يضربون شخصا حتى الموت. ومرد التحقيق كون الشريط الذي جرت أحداثه بإحدى الدول الأجنبية، تم تداوله على تطبيقات التراسل الفوري على الهواتف المحمولة بألفاظ وعبارات بالدارجة المغربية بعد فبركة الصوت بتوضيب فني تم خلاله إخفاء الصوت الأصلي وتعويضه بأصوات مغربية لتمويه المتلقي بأن الأمر يتعلق بجريمة وقعت في المغرب. هذه الفبركة التي تصدت لها الأجهزة الأمنية بالوسائل التقنية والمعلوماتية المتطورة لكشف حقيقتها، تبين أن جهات معينة تسعى إلى زرع الخوف في نفوس المغاربة من أجل إثارة الهلع وحالة من الإحساس باللاأمن، تضفي عليها سريعا صفة “انعدام الأمن” في البلاد. وهنا وجبت الإشارة إلى مسألة أساسية مفادها أن الغرض من هذه الفبركات لا يقتصر على التسويق الفرجوي، بقدر ما يهم خلق حالة سيكولوجية من الإحساس بانعدام الأمن، يصعب قياسها باعتبار أن الأمر يتعلق بوضعية نفسية بين جموع الناس، لا يمكن التحقق منها بخلاف باقي حالات الوضعية الأمنية التي يمكن قياسها بالأرقام أو الإحصائيات، شأن عدد الجرائم ونسبة حلها وأثر ذلك على منسوب الأمن في منطقة معينة. إن الخطر الحقيقي لهذه الأشرطة والصور المفبركة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، يكمن في أنها تخلق حالة نفسية بين عموم ناس لا يمتلكون وسائل للتأكد من صحتها، كما أن الدولة لا تتوفر على جهاز خاص بالتحقق من هذه الممارسات بخلاف ما هو عليه الأمر في بعض البلدان العربية أو الغربية التي انتبهت سريعا إلى خطورة الصورة في وسائل التواصل الاجتماعي فسارعت إلى إحداث وحدات متخصصة في مكافحة الإشاعة وتصحيح الوقائع في ذهن المتلقي، مع ما يتطلبه هذا العمل من سرعة التدخل لمنع الانتشار. إن الإحساس بانعدام الأمن، ليس انعكاسا بالضرورة لحالة انعدام الأمن، لكنه شعور قد يتحول إلى حالة مرضية، إذا وجد في المجتمع ما يغذيه من ظواهر إجرامية فعلية أو مفتعلة. وهنا تكمن خطورة انتشار الشائعات وفبركة أشرطة الفيديو أو نشر صور في توقيت معين ولأجل غرض مقيت. فهذه الممارسات من شأنها أن تعذي هذا الإحساس ما لم تتصد لها الأجهزة الأمنية في الزمن المناسب وبالسبل الكفيلة بإظهار الحقيقة، والتواصل بشأنها مع المواطنين الذين يثقون في خطاب المؤسسة الأمنية اليوم. لاشك أن تحقيق الأمن يتطلب تضحيات كبيرة، كما جاء خطاب الملك لمناسبة عيد العرش، “من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليا وخارجيا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم. ومن حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم بدون تردد أو مركب نقص”.