عندما يجتمع الرئيسان التونسيوالجزائري ليتحدثا في الشؤون العامة لشعبيهما، يتركان الانطباع أنهما طباخان شعبيان في أحد أسواق البادية أو الأحياء العادية المفتوحة في وجه العموم. لهذا، عندما تناولا أخطر وضعية معيشية في صيف 2023، قدما وجبة من الخبز والعدس واللوبيا، في عز الحر وفي خضم العطل التي ينتطر فيها الشعبان المغاربيان مثل شعوب العالم، والمغرب الكبير على وجه الخصوص، الخروج إلى دنيا الله والتفسح المريح! «خبز وعدس وفاصوليا...» قد يليق عنوانا لفيلم من نوع الكوميديا الاجتماعية، لكنه أصبح فيلما سياسيا وجيوسياسيا، تختلط فيه تشويقات الجاسوسية مع السخرية الاجتماعية مع التنكيت الأدبي، عند الرئيسين الغريبين في الجوار المغاربي. فالرئيس التونسي قيس سعيّد لم يجد من جواب على ندرة الخبز في بلاده سوى الحديث عن وجود مؤامرة! وأمام الطوابير الطويلة التي نظمها التونسيون من أجل الحصول على قطعة خبز يومية، تحدث الانقلابي عن وجود «لوبيات» تتآمر من أجل افتعال الأزمات وخلق ظروف التظاهر والغضب. ولكن العدوى ليست سياسية فقط، بل فيها جزء من الاشتقاق اللغوي: فالتونسيون الأشقاء يسمون قطعة الخبز «التبونة»، ولها قرابة قاموسية مع «تبون» في الجزائر، والمؤامرة عند جارِ قيس سعيّد وحليفِه، عبد المجيد تبون، تتم باسم العدس واللوبيا... وحسب ما صرح به الرئيس الجزائري تبون فإن الندرة التي جعلت المادتين الغذائيتين مختفيتين من الأسواق تعود إلى مؤامرة وتحرك مشبوه لقوى غامضة ضد النظام ووجود العدس واللوبيا في قلب هذا المخطط الرهيب. ووصل به الأمر أن أثار عن نفسه الكثير من السخرية وهو يتهدد الأشباح العدسية واللوبْيويَّة! بقوله «اللي يخلق لي مشكل في اللوبيا والروز والعدس أقسم بالله اللي حكمتو يندم على النهار اللي تزاد فيه». وهو بذلك قد حوَّل لقاءه الأخير مع تلفزيون بلاده إلى حفلة للتنكيت عند شعبه قبل شعوب العالم وهو يعتقد في قرارة نفسه بأنه وضع اليد على طوابير المتآمرين. الرئيس تبون يصدق عليه المثل الشرقي الذي يقول«اللي ما يعرفش يقول عدس»، ولهذا السبب يفسر كل شيء بالعدسيات الساحرة! في الواقع وبعيدا عن التنكيت هناك ما هو مؤلم للغاية في وجود قائدين من هذا الطراز على رأس بلدين مغاربيين، يتطلعان إلى الشمس في عالم يتحول بسرعة. في وقت يسعيان إلى مطاردة الوهم من خلال دعم واستقبال واحتضان دولة الوهم. فالرئيسان معا، يتعاملان مع الواقع باستخفاف كبير في حين يرفعان الأوهام ومنها دولة ابن بطوش وجمهوريته إلى مرتبة الحقائق السياسية! ولعله السبب الحقيقي في عجزهما عن تلبية مطالب شعبيهما البسيطة، والنظر إلى الخصاص في المعيشة نظرة تآمرية! والحقيقة الثانية هي أن الذين يعرفون طبيعة النظام في البلدين يعرفان أن الخبز في تونس هو عجين السياسة والدقيق، وسبق أن انتفض التونسيون في منتصف الثمانينيات الماضية في انتفاضة الخبز الشهيرة، ولا أحد وقتها تحدث عن مؤامرة ولا شيء من هذا القبيل بل هو نتيجة سياسية متوقعة عند عجز النظام عن التجاوب مع مطالب الشعب، وفي الجزائر من يعرف طبيعة النظام وعلاقة السياسة فيه بالتغذية يعرف بأن الجزائريين يتنذَّرون بتسمية جنرالاتهم باسم المواد التي يحتكرونها في السوق، فكما هناك «جنرال بطاطا» هناك «جنرال سميدة» وصار اليوم عندهم «الجنرال عدس» و«الجنرال لوبيا» !..