دأبت المجالس الجماعية وبعض الجمعيات بالعديد من القرى والبلدات بالأطلس المتوسط، منذ سنوات على تنظيم ما تسميه مهرجانات للثقافة الأمازيغية، في إطار مسايرة التوجه العام لدى الدولة المغربية في تفريخ المهرجانات خاصة في الهوامش، بعد نجاح تجربة استقطاب نجوم عالميين إلى مهرجانات المركز الكبرى وإعطاء إشعاع كبير لتلك المدن وتنشيط السياحة بها، مهرجانات تخصص لها الملايير، بدعم من الدولة والقطاع الخاص الذي يعول على تسويق منتوجه وسط ملايين الزوار الذين يحجون إلى ساحات العروض الفنية طيلة أيام المهرجان. منظمو المهرجانات المحلية بالأطلس، ارادو استنساخ تلك التجارب وإسقاطها على المحلي، بما توفر من ميزانيات، لكنها سقطت في نوع من العشوائية والفوضى، ومع ذلك يتم تسويق فكرة النجاح كل سنة، علما أنها مهرجانات متشابهة في كل شيء، حتى الأسماء لم يستطع المنظمون الإبداع فيها إذ وجد مهرجانان في جماعتين ترابيتين متجاورتين يحملان نفس الاسم (تامونت)، أما الشعارات فهي جوفاء غالبا ما تصاغ في اللحظات الأخيرة من تسطير البرنامج، دون تمحيص أو دراسة، ويعتقد المنظمون أنه من الضروري تضمينه مفهوم التنمية لضمان فعاليته، شعارات غالبا ما ترتكب فيها أخطاء كثيرة، خاصة عند ترجمتها إلى الأمازيغية، رغم تنبيهنا لهم لأكثر من مرة. الحديث عن الترجمة يجرنا إلى الملصقات والمطويات والإعلانات واللافتات وكل ما يتعلق بالتواصل عموما بين إدارات المهرجانات، إن وجدت، والمهتمين من إعلاميين وجمهور وفنانين، في هذه النقطة تنكشف الزلات والهفوات أكثر لتؤكد أن تلك المهرجانات لها غايات أخرى غير خدمة الثقافة الأمازيغية والتنمية التي ترفع كشعار خلال كل دورة، فباستثناء مهرجان أيت اسحاق الذي ينظم ندوة صحفية للتعريف ببرنامج المهرجان وأهدافه، فإن باقي المنظمين يعتبرون البرنامج "سرا مهنيا" لا يكشف عنه أحيانا إلا على منصات العرض، والسبب في الغالب يعود إلى ضعف الإعداد والتهييىء والتخطيط، إذ لا ينادى على الفنانين للمشاركة إلا في الأيام التي تسبق المهرجان وبالتالي ناذرا ما ينجحون في استقدام نجوم في المستوى، لأن معظم الفنانين المرموقين لهم جدولة مضبوطة تبرمج على المدى المتوسط والطويل، أما المجالس الجماعية فتكتفي بإدراج الميزانيات وتقديم بعض الدعم اللوجيستكي، وتنتظر إلى آخر لحظة وتسند التنظيم لجمعية من الجمعيات قد لا تكون لها أية تجربة في تنظيم مثل هذه التظاهرات، و هذا ما يكشف عنه تدبير فقرات المهرجان إذ تتأخر السهرات في الانطلاق، وتسود الفوضى في الكواليس ويحتج الفنانون وفي أحايين كثيرة، يتدخل أكثر من طرف في البرمجة، ويتم إغفال الفقرات الثقافية والقفز عليها وتهميشها في الغالب. في إطار التواصل دائما قد نجزم أن المنظمين لا يحتفظون بما كتبته الصحافة سواء كان سلبيا او إيجابيا حول مهرجاناتهم في أرشيف خاص إلى جانب ملصقات ومطويات الدورات السابقة، للاستفادة منه، رغم أن بعض المهرجانات وصلت للدورة الثامنة دون أن تعي ذلك. لم تستثمر للأسف كل هذه السنوات للانتقال إلى الاحتراف أو على الأقل تجاوز العشوائية وتقديم منتوج في المستوى، يشرف المنطقة ويقدمها سياحيا، ويفتح باب التقدم أمام الطاقات المحلية الفنية والتعريف بها جهويا ووطنيا. هل ينتبه المنظمون إلى سن الممارسين لرقصة أحيدوس والشعراء ؟ إننا نعيش لحظات عسيرة ربما ستكون هذه الفترة بمثابة الجيل الأخير من ظاهرة أحيدوس في الكثير من المناطق، لأن التعامل مع ممارسيه يتم من منطلق الشفقة ولهذا يهرب الشباب إلى ممارسات فنية أخرى. ودعونا ممن يسوق أن المهرجانات تحقق التنمية، بمجرد تحريك عربات الباعة المتجولين من وسط القرية إلى جوانب ساحة المهرجان لثلاثة أيام، وارتفاع مبيعات قنينات الماء المعدني وربما قنينات الجعة والنبيذ عند " الكراب". وقد تمتلىء تلك الفنادق غير المصنفة والمصنفة، ويباع الخبز واللحم والهندية، لكن ماذا يتبقى بعد أيام المهرجان؟ لاشيء يذكر ،اللهم عداوات بين أيت فلان وأيت فلان لأسباب تكون أحيانا تافهة، وأزبال هنا وهناك. مهرجاناتنا تملأ جيوب القادمين من المركز، من فنانين ومؤطرين، منهم من يستدعى كل سنة بسبب لوبيات ضاغطة دخيلة تحصل على نصيبها من الكعكة، مقابل حضور فلان أو فلان، وقد يصل الأمر إلى المنشطين، ومنهم من أصبح وجها مألوفا على المنصات للتنشيط هنا وهناك بلغات لا يستسيغها جمهور الأطلس المتوسط. أما نصيب فنانينا وفرساننا فلا يكون غير الفتات، علما أن عدد أفراد فرقة أحيدوس مثلا يكون كبيرا وعند تقسيم ذلك المبلغ الذي يعطى لهم لا يحصل الواحد منهم إلا على دراهم قليلة، ويطلب منهم في الغالب التضحية لإرضاء الخواطر واعتبار مشاركتهم من أجل القبيلة. تبرمج الأنشطة الثقافية( ندوات ، عروض...) على الأوراق والملصقات لكن التعبئة لها ميدانيا تكون مغيبة وضعيفة أو يتم تهريبها إلى أماكن لا يصلها إلا الأقلية من المهتمين، أو تبرمج في أوقات غير ملائمة لإفشالها و الحصول على مبررات لإقصائها في ما بعد. عموما فإن الوضع رغم الجهود المبذولة في بعض الجوانب كالاستمرارية، والاهتمام بالجانب الاجتماعي( الختان، معارض للحرفيين والصناع التقليديين) وإحياء طقوس التبوريدة ، يكشف من داخل هذه المهرجانات عن خلل في التنظيم والتسيير وضبابية في الأفق والعجز عن تأسيس وبناء تصور واضح المعالم لتظاهرات ثقافية وفنية من شأنها أن تفتح أبواب اكتشاف المواهب وتطويرها والاعتراف بجيل الرواد وتنمية الذوق الفني وإعادة الاعتبار للثقافة والفكر والمعرفة، عوض زرع الفتن وخدمة الأجندات السياسية و واستمرار الولاءات والانتماءات في التحكم في معظم فقرات المهرجانات. محمد زروال/ خنيفرة