الطفولة، لا يمكن أن تكون إلا بريئة، مهما كانت مشاغبة، ومصدر براءتها، عمق إنسانيتها، التي تقتضي منا اعتبارها مصدرا لسعادة، وحلم البشرية، في تحقيق الغد الأفضل، وهو ما يستلزم منا، كذلك، أن نعدها إعدادا جيدا، لمواجهة متطلبات الحياة، مهما كانت هذه الحياة بالغة مداها، في عملية التحول الذي تزداد سرعته باستمرار. غير أن ما صرنا نقرأ عنه: أن الطفولة المغربية، صارت مستهدفة من قبل من هم مسؤولون عن إعدادها تربويا، ومعرفيا، وعلميا، وحقوقيا، وإنسانيا. وهؤلاء المستهدفون، هم المسؤولون عن التدريس في الأقسام الدراسية، وفي مختلف المستويات التعليمية، وخاصة عندما تصير أدلجة الدين الإسلامي، هي الهاجس الذي يحكم غالبيتهم، لتنحرف بذلك الرؤيا التربوية الرصينة، والهادفة، والموجهة لمسلكية الطفولة، في أفق بلورة شخصية الطفل، المتزنة اتزانا، يجعل كل طفلة، وكل طفل، متحملا لمسؤوليته مستقبلا، وبما امتلكه من سلاح معرفي، وتقني، وفكري، بعد مغادرته المدرسة، إن هو التحق بها، والجامعة، إن تمكن من الوصول إليها، لخوض غمار الحياة. وانحراف الرؤيا، لا يعني إلا صيرورتها رؤيا مؤدلجي الدين الإسلامي، التي تحول الطفولة إلى عورة. وهو ما يجعل هذه الطفولة مستهدفة بأشياء أخرى، لا علاقة لها بالتربية، وهذه الأشياء تخلق حسب طبيعة الأستاذ / المربي: وهل هو مؤدلج للدين الإسلامي؟ أم غير مؤدلج له؟ وهل يهتم بالممارسة التربوية الحديثة؟ أم أنه لا يستحضرها، أبدا، في علاقته بالطفل؟ أم أن الطفل، بالنسبة إليه، هو مجرد كائن عابر، كبقية الكائنات العابرة، أمام أنظار الأستاذ / المربي في هذا الكون؟ وإذا كانت الرؤيا المؤدلجة للدين الإسلامي، تقف وراء استصغار شأن الطفولة في المدارس، وفي الأسر، وفي الأحياء، وإذا كان الهاجس الذي يحكم مؤدلجي الدين الإسلامي هو: كيف نعد الطفولة المغربية، بالخصوص، على أدلجة الدين الإسلامي، من أجل أن تصير، مستقبلا، مؤدلجة للدين الإسلامي؟ فإن هذه الطفولة تصير معانية من: 1) النظرة الدونية، التي يتلقونها من الآباء، والأساتذة / المربين، وكل أفراد المجتمع الكبار، الذين يستصغرون الطفل، ويحتقرونه، ولا يولونه أية أهمية، ولا يعتبرون إنسانيته، ولا يرعونه حق الرعاية، ولا يسعون أبدا إلى استحضار أهمية العناية به، باعتباره امرأة المستقبل، ورجل المستقبل، اللذين يتحملان المسؤولية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فيما يستقبل من الأيام. والنظرة الدونية، هي التي تقود إلى حرمان الأطفال من جميع حقوقهم، كما هي في الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل. وهو ما يترتب عنه تعريض الأطفال: إناثا، وذكورا، إلى ممارسة كافة أشكال الاستغلال عليهم. 2) استغلالهم من قبل الآباء، والأولياء، في الأشغال الشاقة، التي قد تعرض أي طفلة، أو أي طفل، إلى الإعاقة الدائمة، والتي قد تجعلهم يعيشون حياة البؤس، والشقاء، عندما يتجاوزون حياة طفولتهم المغتصبة. 3) دفعهم إلى الاشتغال في الحقول، ولدى الحرفيين، وفي المقاهي، وفي البيوت، وبأجور زهيدة، لا يتلقونها مباشرة، بقدر ما يتلقاها آباؤهم، أو أولياؤهم، ليمارس عليهم الاستغلال مرتين: من قبل المشغلين، ومن قبل الآباء، أو الأولياء، إلى جانب اغتصاب طفولتهم، التي كان يجب أن يقضوها في المدرسة. 4) دفع الطفلات للاشتغال في البيوت، حيث يتعرضن لكافة أشكال الإهانة، من قبل صواحبات البيوت، ومن قبل أزواجهن. وقد يتعرضن للاغتصاب من قبل أبناء الأسر، التي يشتغلن عندها، أو من قبل الزوج، ويلزمن بالقيام بالأعمال الشاقة، التي لا تتناسب مع عمرهن. وهو ما يتنافى مع إنسانيتهن. فالطفل الذي تحضر فيه قيمة الإنسان، مهما كانت هذه القيمة، وبالكثافة غير المتوقعة، يكاد يفقد القدرة على أن تشع منه الإنسانية، كما هو مطلوب منه، باعتباره مصدر الأمل للأبوين، وللأقارب، وللمدرسة، وللمجتمع، لم تعد تحضر فيه قيمة الإنسان، ولم يعد مصدر الأمل، كما كان، ولم يعد يحظى باهتمام الأسرة، والعائلة، والمجتمع، والمدرسة. فهو مجرد مشروع للأسرة، والعائلة، إن لم يتحول، في سن صغيرة، إلى مصدر إزعاج، وهو مجرد مصدر للإزعاج بالنسبة للمجتمع، نظرا لظاهرة الانحراف التي صارت تستهدف كل أطفال المجتمع المغربي، نظرا لكون الجهات المعنية بالتربية، لم تتشبع، أو لم تتحل بأساليب التربية الحديثة. وهذا الطفل، هو المستهدف بكافة أشكال الاستغلال المادي، والمعنوي، في المدرسة العمومية، والخصوصية، على حد سواء، من قبل الإدارة التربوية، ومن قبل الأساتذة / المربين، في مختلف المستويات التعليمية، حيث يمارس الابتزاز على أبويه، طيلة أيام السنة، من أجل أن يساهموا، جميعا، في إحداث تراكم مادي، أو معنوي، يمكن الأستاذ / المربي، من تحقيق تطلعاته الطبقية. وهذه الصيرورة، التي صار يعرفها الطفل على مستوى الأسرة، والعائلة، وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى المدرسة، أفقدته إنسانيته، وجعلته مقصدا لكافة الخروقات، التي تمارسها الأسرة، والعائلة، والمجتمع، والمدرسة في حقه، وهو ما يجعله يعيش حياة البؤس، والشقاء، طيلة حياته، خاصة، إذا كان هذا الطفل من أبناء الكادحين، الذين لا حول لهم، ولا قوة، والذين يتعرض أطفالهم للضياع، في سياق إعادة إنتاج نفس الطبقة الكادحة، بشرائحها المختلفة، لتبقى طفولة النخبة، أو طفولة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، هي وحدها القادرة على التمتع ببعض حقوقها، وهي وحدها التي تستطيع أن تنخرط في إعادة إنتاج نفس الطبقات الاجتماعية، التي أنجبتها، نظرا لانخراط جميع الطبقات التي يعرفها الواقع المغربي، المحكوم بالاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، في إعادة إنتاج نفس الهياكل لاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تضمن تأبيد الاستبداد القائم، بالإضافة إلى استعباد كادحي المجتمع، وتعميق استغلالهم، وامتهان كرامتهم. وفي أفق اعتبار الأطفال مجرد مشروع لإعادة إنتاج نفس الهياكل القائمة، نجد أن طفولتنا تعاني من: 1) غياب مشروع تربوي حديث، لدى غالبية الأسر المغربية، التي لا وجود، لا في فكرها، ولا في ممارستها، شيء اسمه التربية بمعناها الحديث؛ لأنها تربت على تقبل القمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وهي لذلك تمارس القمع على أطفالها، حتى يصيروا متقبلين، في مستقبل حياتهم، للقمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وهو ما يدخل في إطار إعادة إنتاج نفس النمط التربوي. 2) والتربية على القمع، التي يعاني منها الأطفال، في أسرهم، كما يعانون منها في المجتمع، وفي كل المؤسسات الاجتماعية، التي تهتم بشؤون الطفولة المغربية، وفي المدرسة المغربية؛ لأن القمع الذي يتعرض له الأطفال، من المكونات الأساسية، للمنظومة التربوية للمجتمع المغربي، ولأن ممارسته في مختلف المستويات، تضمن إعادة إنتاج الاستبداد القائم، وإعداد الطفولة لتقبل ذلك الاستبداد، على أنه في خدمة استقرار المجتمع، كما تريد ذلك الطبقة الحاكمة. 3) كثافة البرامج الدراسية، التي صارت مرهقة للآباء، والأمهات، والأولياء، كما هي مرهقة للأساتذة، وكما هي مرهقة للتلاميذ، الذين يعجزون عن استيعاب جزء كبير منها. وهي برامج لا تستهدف تربية المهارات، والقدرات، واستخدام العقل، وتغذية الفكر، والوجدان، بقدر ما تستهدف حشو التلاميذ بتلك البرامج، وإضعاف قدراتهم، وقتل القدرة على امتلاك مختلف المهارات، التي يمكن أن تتوفر مؤهلاتها المختلفة في صفوفهم. 4) استغلال كثافة البرامج، وعجز التلاميذ / الأطفال، عن استيعابها، وفرض قبول التلاميذ الأطفال، بالانخراط في تلقي الدروس الخصوصية المؤدى عنها، والتي يتلقاها التلاميذ، والتلميذات في بيوتهم، أو في المدارس الخصوصية، وبشكل جماعي ليلا، والتي تضاعف إرهاق التلاميذ، والتلميذات، كما تضاعف الإرهاق المادي للآباء، والأمهات، والأولياء. وهذه الدروس الخصوصية المؤدى عنها، لا يمكن أن تؤدي إلى رفع مستوى قدرات، ومهارات التلاميذ، بقدر ما تعتبر مقابلا لنقط الامتياز، التي يتلقاها تلاميذ، وتلميذات الدروس الخصوصية، من أساتذة تلك الدروس / المربين، والتي لا يمكن اعتبارها إلا رشوة للأستاذ / المربي، والتي تلحق إخلالا كبيرا بمبدأ تكافؤ الفرص، الذي يعتبر مبدأ ديمقراطيا بامتياز. 5) استغلال النفوذ على التلاميذ في الأقسام، أو في المدرسة، من أجل ممارسة الاغتصاب على التلميذات، والتلاميذ، وامتهان كرامتهم، من قبل العديد من أساتذة التعليم الابتدائي، والإعدادي، والثانوي /المربين، بعد التغرير بهم، واستدراجهم إلى أوكار الاغتصاب، التي يعدها المرضى من الأساتذة / المربين، والمعتوهين منهم، الذين ابتلي بهم التعليم، في مستوياته المختلفة، كما صار الإعلام يتعرض لمظاهر اغتصاب القاصرات، والقاصرين، وفي كل يوم تقريبا. وهو ما يفرض التوقف عند الظاهرة، ودراستها، واستنتاج ما يجب، في أفق وضع خطة محكمة، من أجل تخليص المدرسة المغربية، من ظاهرة اغتصاب التلاميذ، والتلميذات، ومن أجل أن يصير التعليم في المغرب نظيفا. وإن من مهام أدلجة الدين الإسلامي، التي ينجزها مؤدلجوه، المصابون بعظمة النيابة عن الله في الأرض: استصغار شأن الإنسان، الذي خلق ليعبد الله فقط. وما سوى ذلك، إنما هو مساعد على عبادة الله، بما في ذلك خضوعه المطلق لمؤدلجي الدين الإسلامي، باعتبارهم أوصياء على الدين الإسلامي، الذي يؤولونه حسب هواهم، ويعتبرون تأويلاتهم ذات الطابع الأيديولوجي، والسياسي، هي الإسلام الحقيقي. ومن مظاهر استصغارهم للإنسان، مقابل استعظامهم لأدلجة الدين الإسلامي، ول (معرفتهم) بالغيب، وبمصير الإنسان يوم القيامة، نجد: 1) إصرارهم على احتقار شأن المرأة، التي تعتبر في نظرهم ناقصة عقل، ودين، دون اعتبار لمساهماتها في تطور الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، ودون ذكر لإبداعاتها الفنية، والأدبية، ولإنتاجاتها المعرفية، والعلمية، ودون استحضار لقدراتها الفكرية، والعقلية. وكيفما كانت هذه المرأة، لا تتجاوز أن تصير، في نظرهم، (عورة)، عليها أن تحجب جسدها / (عورتها)، عن الرجال، والنساء من جنسها. وللإيغال في احتقارها، حددوا لها نوع (الجهاد)، الذي تمارسه داخل الوطن، وخارجه، لدعم (المجاهدين)، في الميادين الوطنية، وغير الوطنية. وهذا النوع من الجهاد، صار يعرف على لسانهم، وبفتاواهم، ب: (جهاد) النكاح. فكأن المرأة التي تنتفي عنها إنسانيتها، ليست إلا مجالا لممارسة نكاح (الجهاد)، أو (جهاد) النكاح. وهو أوسخ ما وصلت إليه المرأة، على يد، وفي نظر مؤدلجي الدين الإسلامي، كما حصل ذلك في سوريا، وفي مصر مؤخرا. 2) وتبعا للاحتقار الذي تعاني منه المرأة، فإن الطفولة أيضا تعاني من نفس الاحتقار، من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، مما يجعلهم مجالا لممارسة كافة أشكال الاغتصاب الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والجنسي، كما يحصل باستمرار، وفي كل مجالات تحرك مؤدلجي الدين الإسلامي، وكما هو ثابت في إباحتهم الزواج بالقاصر، التي لا رأي لها، والتي تغتصب في مستقبلها. 3) عدم إيلائهم أية أهمية للحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة / الإنسان، وحقوق الطفل / الإنسان، التي يعتبرونها بدعة غربية، لا علاقة لها بطبيعة الدين الإسلامي، حسب أدلجتهم له. 4) عدم الاعتراف بالاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، من منطلق: أن هذه الاتفاقية تتناقض مع تصور الدين الإسلامي، لوضعية المرأة في المجتمع، والتي تتسم بالدونية المطلقة، (وللرجال عليهن درجة)، التي يؤولونها حسب هواهم، ودون اعتبار لقوله تعالى: (والمومنون، والمومنات، بعضهم أولياء بعض). ومعلوم أن إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ينتج المساواة بين النساء، والرجال، ويصير أساسا لقيام الشراكة بينهما في الحقوق، وفي الواجبات على مستوى الأسرة، تلك الشراكة، التي تصير مجالا لتنشئة الأطفال، تنشئة سليمة، خالية من كل اشكال الأمراض النفسية، والاجتماعية، التي تصير عائقا، دون التطور السليم للتربية، والتعليم. 5) عدم الاعتراف بالاتفاقية الدولية، المتعلقة بحقوق الطفل، التي يعتبرها مؤدلجو الدين الإسلامي، مخالفة للتصور التربوي للدين الإسلامي، حسب تأويلاتهم لنصوص الدين الإسلامي، المتعلقة بتربية الأطفال، من أجل إعطاء الشرعية لممارسات مؤدلجي الدين الإسلامي، تجاه الأطفال، ذكورا، وإناثا، حتى يقحموا الذكور من الأطفال، في ممارسات لا علاقة لها بالأطفال، وبحقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، ومن اجل أن يستمروا في تحجيب القاصرات، والزواج بهن، باعتبار ذلك الزواج شرعيا. 6) اعتبار مرجعية الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، للاهتمام واستحضار حقوق الطفل، كفرا، وإلحادا، وخروجا عن الدين الإسلامي، الذي لا يعرف إلا المرجعية الدينية / الإسلامية، في إعداد الأطفال المسلمين، الذين عليهم أن يتحلوا بالأخلاق الإسلامية، كما يفهمها مؤدلجو الدين الإسلامي، حتى يصيروا خاضعين خضوعا مطلقا لآبائهم، ولأوليائهم، وللسلطة القائمة في المجتمع، وخاصة إذا كانت هذه السلطة مؤدلجة للدين الإسلامي، أو يتحكم فيها مؤدلجو الدين الإسلامي، حتى لا نقول: كما هي في الدين الإسلامي، الذي يؤكد على عنصر الحرية، في إعداد الأطفال، حتى يصيروا مبدعين في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. إن استصغار شأن الإنسان بصفة عامة، وتكريس دونية المرأة، الناجم عن احتقارها، والحرص على حرمان الأطفال من كافة حقوقهم، واحتقار غير المؤدلجين للدين الإسلامي، واعتبارهم كفارا وملحدين، والتلذذ بإهانة أهل الكتاب: اليهود، والمسيحيين، وتحين الفرص للانتقام منهم، بصفة خاصة، واعتبار أنفسهم من الصفوة المختارة عند الله تعالى، ومن الفرقة الناجية، في الوقت الذي يتجاوزون فيه أن يكونوا محرفين للدين الإسلامي، عن طريق توظيفهم له إيديولوجيا، وسياسيا، من أجل التضليل الذي يطال بسطاء المسلمين، الذين لا يعملون عقولهم في خطاب مؤدلجي الدين الإسلامي، الذي يتقبلونه على أنه يمثل حقيقة الدين الإسلامي، ونظرا لجهلهم بالدين الإسلامي الحقيقي، الذي يحثنا على استخدام العقل في النص الديني بالخصوص، كما جاء في قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرءان)، وفي النفس الإنسانية، كما جاء في قوله تعالى: (وفي أنفسكم، أفلا تبصرون). ومعلوم أن التدبر، والبصر، لا يعني إلا إعمال (العقل)، فما بالنا بالخطابات التي نتلقاها، وخاصة الخطابات المؤدلجة للدين الإسلامي، والمحرفة له، والتي تقتضي من كل من يتلقاها، أن يعمل فيها عقله، وأن يعمل على تحليلها، وتفكيكها، وبيان عناصر التحريف فيها. وانطلاقا من الاحتقار، والاستصغار، الذي يمارسه مؤدلجو الدين الإسلامي، على الأطفال بالخصوص، نجد أن هؤلاء الأطفال، يتعرضون، على أيديهم، إلى كافة أشكال المهانة، وخاصة في المؤسسات التعليمية، وبالأخص في المستويات المتدنية، حيث نجد أن الأساتذة المؤدلجين للدين الإسلامي، يكرسون في حجرهم الدراسية، كافة اشكال الاغتصاب النفسي، والفكري، والجسدي، من خلال سلب حرية الطفل، والتعامل معه على أساس أنه مسلوب الإرادة، وأنه لا يستطيع أن يعمل عقله، فيما يمارس عليه، وان قمعه واجب، حتى لا يقوى على الاستعصاء، وأن إعداده على الطاعة العمياء، لمن يكبره سنا، يفرض عليه أن يقبل، وبدون نقاش، كل ما يمارس عليه، طمعا في الجنة، وخوفا من النار. وهذا التصور للتربية، الذي يكرسه مؤدلجو الدين الإسلامي، في حق الطفولة، في مدارسنا المختلفة في المغرب، وفي غير المغرب، يؤدي بطفولتنا إلى المعاناة من: 1) الحرمان من الحرية، ومن الحق في التعبير، والاختيار، ومن كافة الممارسات التي تساهم في نموه الجسدي، والعقلي، والوجداني، بما يتناسب مع طبيعة الطفولة. 2) الحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية حقوق الطفل. 3) خضوع الطفولة للتشكيل التربوي، طبقا للتصور التربوي لمؤدلجي الدين الإسلامي، لإعداد الأطفال لممارسة أدلجة الدين الإسلامي. 4) تعريض الطفولة لقبول كل الممارسات، التي تمارس عليها، في كل أماكن تواجدها، من قمع، واغتصاب، وغير ذلك، مما يترتب عنه امتهان كرامة الطفل. 5) إلزام الأطفال، بعدم المساهمة، وبكامل الحرية، في بناء الدروس، أثناء تواجدهم أمام المدرس، المؤدلج للدين الإسلامي، ليعوض ذلك بتلقي الجاهز، الذي يجعل منه مؤدلجا للدين الإسلامي مستقبلا، ودون ارتباط بالبرامج الدراسية، التي لا علاقة لها بأدلجة الدين الإسلامي، والتي تؤكد، في حدها الأدنى، على تربية المهارات، والقدرات، لدى التلاميذ. 6) مخاطبة قدرة الأطفال على الترديد، والترجيع، واستظهار المحفوظ، بدل استخدام العقل في الدروس، من منطلق التفكير في أن استخدام العقل، (مخالف لشرع الله)، وكفر، وإلحاد، يقود إلى الحرمان من الجنة يوم القيامة. وهو ما يعتبر شكلا من أشكال الإرهاب الفكري، والعقلي، الذي يصاب به الأطفال في سن مبكرة. 7) عدم الاهتمام بالمجال الذي يزخر بما يسيء إلى كرامة الأطفال، ولا يستجيب للحاجة إلى طموحاتهم في اللعب، وفي الترفيه، وفي التربية على اكتساب المهارات، والقدرات، بسبب انعدام الفضاءات الخاصة بالأطفال، وبالألعاب الخاصة بالطفولة، والتي تساهم، بشكل كبير، في إعدادهم نفسيا، وفكريا، وأخلاقيا، للاندماج في المجتمع. والخلاصة التي نصل إليها: أن أدلجة الدين الإسلامي، هي الممارسة الأيديولوجية، والسياسية، التي تقف وراء المآسي التي تعاني منها الطفولة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. تلك المآسي التي تتجسد على: 1) مستوى الأسرة، حيث نجد أن الآباء، والأمهات: المؤدلجين، والمؤدلجات للدين الإسلامي، يتعاملون، مع أطفالهم، ومنذ البداية، على أنهم كالكبار، مسؤولون، عن أفعالهم التي يسألون أمام الآباء، والأمهات، وأمام الله يوم القيامة، فيجازون عليها في الدنيا، والآخرة، وتتم نشأتهم، كذلك، ومنذ البداية، على التمييز بين الكفر، والإيمان، وعلى أفضلية الذكر، على الأنثى، وعلى اعتبار الطفلات عورة، من خلال تنشئتهن على استعمال الحجاب، مع العلم أن المسؤولية في الإسلام، وأمام الشريعة، والقانون، لا تعتبر إلا بعد بلوغ سن الرشد، الذي حددته معظم الدول، وعلى المستوى العالمي، في بلوغ 18 سنة من العمر. ومن المصائب (الجرائم) التي ترتكب في الأسر المؤدلجة للدين الإسلامي، تزويج بنات الأسر القاصرات، اللواتي لا قدرة لهن على الإنجاب. 2) مستوى المجتمع، الذي لا يوجد فيه ما يعبر عن اهتمام المسؤولين بالطفولة، سواء تعلق الأمر بالحواضر، أو بالبوادي، فلا وجود لشيء اسمه أماكن الألعاب الخاصة بالأطفال، ولا وجود لمدن الألعاب، كما هو الشأن في البلدان المتقدمة، والمتطورة، ولا وجود للحدائق العامة، التي يلجها الآباء، والأمهات، مع أطفالهم، لقضاء لحظات من المتعة النفسية، والجسدية، والفكرية. وكل ما في الأمر، أن طفولتنا تترك لنفسها في الشارع، حيث تتعرض لكل اشكال الانحراف، التي تعرضهم لكافة الأخطار الجسدية، والفكرية، والسلوكية، والاجتماعية، التي يتحولون بسببها إلى مجرمين، ليجدوا أنفسهم محبوسين في مختلف السجون، التي يسمونها بالإصلاحيات، ليتلقفهم مؤدلجو الدين الإسلامي، بعد مغادرتها، لإدماجهم في تنظيماتهم، التي يسمونها تنظيمات إسلامية، من أجل إعدادهم للقيام بما يطلب منهم، لصالح التنظيم، بما في ذلك التنظيم الإرهابي، الذي يبعثهم للقيام بالعمليات الإرهابية، والذي يوظف الإناث من الأطفال، قبل البلوغ، وبعده، لما صار يعرف عند مؤدلجي الدين الإسلامي، بجهاد النكاح، الذي أصبح مشروعا على أيديهم. 3) مستوى المدرسة، حيث نجد أن طفولتنا تتعرض لكافة اشكال الاغتصاب المادي، والمعنوي، فمدرستنا المغربية لم تعد تستجيب لطموحات الشعب المغربي، كما لم تعد تستجيب لحاجيات الطفولة المغربية، في تربية منسجمة، مع متطلبات التربية الحديثة، الهادفة إلى تمكين طفولتنا، من اكتساب المهارات، والقدرات، والقيم النبيلة، التي تحضر معها كرامة الإنسان، وفي إطار احترام الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، وباقي الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. فأول اغتصاب يتعرض له الأطفال في المدرسة العمومية، هو سلب حريته، عن طريق القمع النفسي، والجسدي، الذي يتعرض له من قبل الإدارة التربوية، وعلى يد العديد من المدرسين، الذين تكتمل على أيديهم حلقة القمع، الذي يتعرض له الأطفال في الأسر، التي ينتمون إليها، وفي المجتمع. وثاني اغتصاب يتعرضون له، هو تعطيل القدرات العقلية لدى الطفل، بإرغامه على ترديد، وترجيع ما يتلقاه في المدرسة، كما يتم ترديد، وترجيع القرآن. وهو ما يترتب عنه تغييب الحس النقدي، وعجز الأطفال عن إبداء آرائهم، فيما يفرض عليهم ترديده، وترجيعه، أو حفظه، واستظهاره. وثالث اغتصاب يتعرضون له في طفولتهم، هو أن الأساتذة المؤدلجين للدين الإسلامي، والمسيسين له، تحريفا للدين الإسلامي، يفرضون تلك الأدلجة، وذلك التسييس، المصحوب بالتحريف، على الأطفال الذين يعتبرونه، ومنذ صغرهم، على أنه هو الدين الإسلامي الحقيقي. مع أنه ليس إلا أدلجة، وتحريفا للدين الإسلامي، مما يجعل الأطفال ينشأون على تحريف الدين الإسلامي. مع أن الطفل ينشأ على الفطرة، ويجب أن يقدم إليه الدين الإسلامي، حتى يومن به انطلاقا من تلك الفطرة التي هو عليها، لا أن يرغم على الأخذ بأدلجة الدين الإسلامي، التي لا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي. ورابع اغتصاب، يتمثل في إرغام الأطفال على التملق للمدرسين، مما يجعلهم مستعدين للقيام، وبكافة الخدمات، لصالح الأساتذة، والمربين، أملا في نيل رضاه، واستجداء للنقطة التي يتلقونها منهم، وبدون استحقاق، وعلى حساب الأطفال، الذين لا تسمح لهم كرامتهم بممارسة التملق للأساتذة. وخامس اغتصاب تتعرض له طفولتنا في المدرسة العمومية المغربية، هو الاغتصاب الجنسي، من قبل المنحطين أخلاقيا، وإنسانيا، وفكريا، واجتماعيا، وثقافيا، ممن يحسبون على هيأة التدريس في التعليم الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، حيث تنحط كرامة الإنسان إلى أدنى مستوياتها. وهذه المستويات الثلاثة، يمارس فيها القمع على الطفولة المغربية، التي تنشأ على مناخ القمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، القائم في إطار الاختيارات الرأسمالية التبعية، التي كشف ما يسمى بالربيع العربي، عن اعتبارها إطارا للتحالف القائم بين التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي، وبين الرأسمالية الأمبريالية، لقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبين الصهيونية العالمية. فهل ينتبه المسؤولون إلى خطورة معاناة الطفولة المغربية؟ وهل يعملون على الحد من تلك المعاناة، داخل الأسرة، وفي المجتمع، وفي إطار المدرسة العمومية؟ وهل يعملون على إعادة النظر في الأساليب التربوية، المعمول بها في المدرسة العمومية المغربية؟ هل يعملون على إعداد المحيط البيئي، والاجتماعي، من أجل استحضار أهمية الاهتمام بالطفولة المغربية؟ هل يعمل المسؤولون المغاربة، على إنجاز برامج إعلامية / تربوية، موجهة إلى الأسرة المغربية، حتى تستحضر أهمية الاهتمام بطفولتها؟ هل يعملون على إيجاد الفضاءات المناسبة لطفولتنا، من أجل إبعادها عن كل اشكال الانحراف، الذي تتعرض له؟ هل يسعون إلى تشديد الرقابة، على ما يمارس على طفولتنا في المدرسة المغربية؟ هل يعملون على وضع حد لاستغلال المدرسة العمومية، من أجل تنشئة الأطفال على أدلجة الدين الإسلامي؟ هل يحرصون على اتخاذ الإجراءات القانونية، ضد كل مغتصبي الأطفال، في المجتمع، وفي المدرسة، سعيا إلى وضع حد لظاهرة اغتصاب الطفولة المغربية؟ إننا، ونحن نتناول موضوع: (أليست أدلجة الدين الإسلامي هي التي تقف وراء العبث بإنسانية الطفولة في المدرسة المغربية، وفي المجتمع)، إنما نسعى إلى أن يصير الاهتمام بطفولتنا، كالاهتمام بالطفولة في البلدان المتقدمة، والمتطورة، من منطلق أن ذلك الاهتمام، هو الذي يتأسس عليه إعداد الأطفال، إعدادا جيدا، لمواجهة متطلبات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي إطار الاحترام الكامل للإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، في أفق مجتمع بكافة الحقوق الإنسانية. وما ذلك على الشعب المغربي بعزيز. محمد الحنفي [email protected] ابن جرير في 26 / 8 / 2013