منذ سنة 2011 وحتى الآن يعرف العالم العربي عموما و المغرب خصوصا دينامية سياسية وحراك اجتماعي وترتيبات مكتفة وسريعة لم تكتمل بعد تشكلاتها النهائية أو على الأقل خطوطها العريضة، كما لم تصل بعد إلى الوضع الذي يمكن أن يشكل قاعدة استقرار، وتداول للسلطة والثروة. إلا أن العناوين البارزة لهاته التغيرات هو صعود الاسلام السياسي لمراكز القرار، والأجمل هو وصول نفس التيار إلى الحكومة بالمغرب عن طريق الانتخابات "الديمقراطية" وليس الثورة، مما يؤكد دهاء وقدرة الآلة المخزنية بالمغرب على التكيف واستيعاب الهزات والتغيرات، حيث تم تأجيل مشروع التراكتور لصالح المصباح على أرضية إجهاض وامتصاص 20 فبراير، وبالتالي استنزاف وقود المصباح، وإعادة تشغيل التراكتور. إلا أنه وبعد مرور أكثر من سنة ونصف، لم يجف وقود المصباح، بل ازداد تغلغلا واحتلالا للمواقع داخل مختلف مؤسسات الدولة، لأنه وبكل بساطة يتقن احتياجات المخزن ويملك الرأسمال البشري المطابق للمرحلة، حيث شكل أطر العدالة والتنمية، أغلب أعضاء المجالس العلمية لوزارة الأوقاف، بل حتى الأجهزة الأمنية التي أصبحت حاجاتها ماسة لعمداء أمن فقهاء لمواجهة الإسلام السياسي المستقل طبعا، بالإضافة إلى حجة أن جيوب المقاومة والأزمة الاقتصادية هي سبب تعثر إنجازات حكومة بنكيران، وبالإضافة كذلك إلى السلوك النفعي في السياسة إزاء منظمات المصباح الموازية، اجتماعية كانت أم اقتصادية، وهكذا تمكن المصباح من تثبيت مواقعه أفقيا في المجتمع وعموديا في الدولة، وهو ما لم يتقنه الاتحاد الاشتراكي الذي فقد جماهيريته ولم يرث قدما في مواقع برج المخزن. إلا أنه يبقى الأكيد أنه من توابث المخزن، أن لا يجب أن يكبر أحد أكثر من اللازم، حتى ولو كان من الخدم، لأن المخزن يحكم الجميع وبالجميع، ولا يجب أن يشعر أحدا بأنه ضروري لاستمرار المخزن. في هذا الإطار، يمكن قراءة حرب شباط ضد آل الفاسي وبنكيران، بعد إيصاله لرئاسة الحزب العتيد، الذي لم يستسيغ القصر يوما منه بأنه هو الذي جاء بالاستقلال، وعودة محمد الخامس وبالتالي فحزب الاستقلال هو حامي الملكية ! كما يشهد المسرح السياسي ترتيبات أخرى من قبيل الخطوة الاندماجية لبعض مكونات الحركة الاتحادية، والتحاق زعماء من السلفية الجهادية بحزب النهضة والفضيلة، بعد التفاهمات التي أفضت إلى إطلاق سراحهم من قبل، حيث كتبنا في هذا الركن آنذاك أن المخزن سيكون هو المستفيد الأول من تكوين حزب سياسي للسلفيين بالمغرب، لمواجهة نفوذ الخدم السياسي الإسلامي للمخزن المصباح، ومواجهة العدل والإحسان المستقلة عن اللعبة السياسية، والممثلة للإسلام المؤمن بالدولة المدنية، وبالتالي مواجهة الحركات الحداثية، بل مطالبة المخزن بالانغلاق ومواجهة الوجه الحداثي المميز للملكية المغربية عن ملكيات السعودية والخليج. فماهي هذه السلفية يا ترى؟ أنجز الزميل الصحفي عبد الاوى لخلافه محاولة إجابة عن السؤال، قدم لها بالقول: تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003، أودت بنحو 46 قتيلا، غير أن ملابسات اعتقال آلاف المتهمين في ملف "السلفية الجهادية"، وألغاز الجهة المدبرة للتفجيرات ما يزال "سرا" أمنيا وقضائيا بالمغرب. تعددت المقاربات في تناول الملف السلفي بالمغرب بين من يرى صوابية "الضرب بقوة" حتى ينخلع لها قلب من تسول له نفسه القرب من الملف، أو التشكيك في صوابية المعالجة، فيما دعت أصوات، منها التصريح الملكي لجريدة الباييس الإسبانية، إلى التدبير الشمولي للملف ببحث أبعاده التربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. الملف فرض على المغرب الخوض في قضية شبيهة بقضايا سنوات الرصاص، لكنه اليوم ليس بين اليسار والنظام الملكي بالمغرب؛ فهو ملف بين الإسلاميين "الجهاديين" وما يسمى ب"الاستئصاليين" المندسين في الأحزاب والإدارات الحساسة بالمغرب. وبهدف الوقوف على جانب من المقاربات، تروم المحاولة بحث الموضوع السلفي من مدخله العلمي بعيدا عن التهييج الإعلامي والأمني. الجذور المغربية للسلفية منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بأمريكا، تميزت المعالجة الإعلامية للملف السلفي بتهويل إعلامي وأمني جعلت منه خطرا محدقا يتربص بالمغرب والعالم الإسلامي؛ باعتباره امتدادا لتنظيم القاعدة. غير أن السلفية المغربية في أصولها التاريخية أو صيغها المعاصرة المرتبطة بالمنهج العلمي والمتحررة من التأثير المشرقي ظلت "وطنية"، عملت على واجهتين: محاربة شرك القبور (من بدع وخرافات مرتبطة بالأضرحة الطرقية)، وتنبيه أهل القصور(فيما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني ومخلفاتهم في الإدارة والتعليم لطمس مظاهر الهوية الإسلامية للمغرب). وإذا تجاوزنا بعض المقاربات التي ترجع النشأة الأولى للسلفية بالمغرب إلى الفتح الإسلامي بما هي أصول ومبادئ وقيم تتمسك بما كان عليه السلف الصالح من الأمة من العهد النبوي إلى الوقت الراهن، نجد بعض المؤرخين يقرن وجود التوجه السلفي بحكم العصر المرابطي (10731147)، الذي تشدد للعقيدة السلفية والمذهب المالكي؛ إذ تنسب المصادر التاريخية للمرابطين "حرق" كتاب إحياء علوم الدين للغزالي؛ لكون مؤلفه شافعي المذهب صوفي الفكر. واستمر التجاذب الصوفي السلفي خلال العصر الموحدي (بعد سنة 1147، مع انتهاء الحكم المرابطي)؛ إذ لم يلبث أبو يوسف يعقوب الموحدي أن تنكر لعقيدة ابن تومرت وانتصر لمذهب أهل الحديث، وقال قولته المشهورة رافعا القرآن وكتاب الحديث والسيف: "ليس إلا هذا (يعني القرآن)، أو هذا (يعني السنة النبوية)، فمن أبى فهذا (يعني السيف). وخلال العصر العلوي دافع عن التوجه السلفي السلطان سيدي محمد بن عبد الله وابنه المولى سليمان، وناضلا لتثبيت العقيدة السلفية. ففي القرن التاسع عشر وجه السلطان المولى سليمان (توفي سنة 1811) رسالة إلى المغاربة يدعوهم للاستمساك بالسنة وترك البدع (الرسالة منشورة بكتاب "السلفية الوهابية بالمغرب" ص: 7، تأليف مخلص السبتي). وبناء على هذه الإشارات التاريخية، يؤكد الشيخ محمد زحل، أحد مؤسسي العمل الإسلامي بالمغرب أن "المنهج السلفي هو السائد في أكثر أطوار التاريخ الإسلامي المغربي، فإذا نصرته الدولة علا وسما وأقبل عليه الناس، وإذا تنكرت له توارى واختفى واحتفظ به الناس في ضمائرهم، أو تداولوه بين أهليهم في بيوتهم" (في حوار للتجديد عدد 492 أكتوبر 2002). غير أن الشيخ زحل ينأى عن توصيف السلفية بكونها مغربية أو غير ذلك بقوله: "السلفية لا موطن لها؛ فليس هناك سلفية مغربية وأخرى حجازية وأخرى مصرية وسواها هندية، ولكن هذا لا ينفي أن المنهج السلفي يتعرض للصعود والهبوط حسب مصادر التلقي أو مناهج التلقين؛ ففي بعض فترات التاريخ يطغى عليه الفكر الصوفي الخرافي فيتوارى ويخفت صوته.. ولا يمر كبير وقت حتى ينبعث من جديد في العقول والقلوب والممارسة والسلوك". وخلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب في النصف الأول من القرن العشرين، سيعرف المغرب توجهين سلفيين: عقلاني متدين، وأصيل متدين. ارتبط الأول بالحركة الوطنية المتأثرة بالفكر النهضوي لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ويمثله الأساتذة: علال الفاسي، ومحمد المكي الناصري، وابن الحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس، ومحمد المختار السوسي. ويمثل الثاني، الذي حرص على التطبيق العملي للمنهج السلفي في التدين: أحمد أكرام بمراكش، والشيخ أبو زيد عبد الرحمن النتيفي المقدادي بالدارالبيضاء، ومحمد بالعربي العلوي بفاس، والشيخ أبو شعيب الدكالي والشيخ عمر أبو علي بالصويرة. تقي الدين الهلالي رائد السلفية الوطنية ومع بداية الصحوة الإسلامية بالمغرب خلال النصف الأخير من القرن العشرين، شكلت السلفية "التركيب العضوي" لأغلب الحركات الإسلامية، وكانت كتابات تقي الدين الهلالي ومحمد بوخبزة وخطب محمد زحل وزين العابدين بالدارالبيضاء وآخرين من أهم الإنجازات السلفية العلمية، قبل أن يحصل الانحراف بالتقليد الميكانيكي لإشكالات التوجه السلفي المشرقي وإسقاطها على الحالة المغربية. ويعد الشيخ محمد تقي الدين الهلالي (من تافيلالت جنوب المغرب) أحد رواد التوجه، بمحاولته استنبات "سلفية مغربية" تجدد الدين ولا تنتقد "التحزب أو التنظيم"؛ ولذا شاع بين تلامذته شعار "ننتظم ولا نتحزب، ونتجمع ولا نتعصب"، بخلاف ما سيطرأ على هذا الشعار من تغييرات أو انحرافات بالتعصب للرأي، والمسارعة في التكفير والتبديع، وشن الحرب على الحركة الإسلامية. وعرف الهلالي بحسه الوطني؛ حيث كان يوجه خطبه الحماسية من راديو "برلين" بألمانيا؛ مما جعل إنجلترا تجند دبلوماسيتها للحد من نشاطه؛ حيث تحمل نقل رسائل زعماء التحرير الفلسطيني مثل أمين الحسيني إلى زعماء الحركة الوطنية المغربية إلى الزعيم المغربي عبد الخالق الطريس؛ حيث التحم النضال الفلسطيني والمغربي في مسيرة التحرر، وعبر جريدة "لسان الدين" و"الحرية" لسان حزب الإصلاح الوطني في التنبيه للمخالفات الطرقية، فشنت عليه حملة من خصومه بأنه "يهين كرامة الأولياء ويتحدى أمرا من أمور الدين عند (الاستغاثة بموتى الأضرحة). وعندما وصل تقي الدين الهلالي بلاغ من رئاسة الحزب الدستوري التونسي حول ممارسات الاستعمار الفرنسي بالتونسيين، ألف قصيدة شعرية من 59 بيتا بعنوان: "أعادي فرنسا". وقد ركزت الدعوة "الهلالية" ذات المنحى السلفي على أسس لا يختلف عليها أغلبية الإسلاميين وهي: الدعوة إلى التوحيد الصافي. نبذ معالم الشرك والخرافات وكل مظاهر العبودية لغير الله تعالى. التمسك بالسلف الصالح في السنن والعقائد والأقوال، والكف عما كفوا عنه. تحرير العقل المسلم من ربقة الأساطير. والخامس هو الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية ونبذ القوانين الأرضية. وفي الأساس الخامس يقول الحسن العلمي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة: "انحرف بعض ممن انتسبوا إلى السلفية بتحجيم هذا الأساس، ولم يستحضروا فقه الأولويات بإعلان الجهاد بناء على البدء بما انتهى إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بحرفيات السلف والحديث وأرادوا تنزيلها في العصر الحديث، ولم يفرقوا بين المنهج والأشخاص بمهاجمتهم المذاهب وتكفير المجتمع، وهؤلاء حتى الدعوة السلفية لا تعترف بهم، ويستدلون على فعلهم هذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت أنا والساعة كهاتين، وجعل رزقي تحت ظل سيفي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري». وقد كان للشيخ الهلالي أثر في توجيه التدين بالمغرب، كما قال فريد الأنصاري رحمه الله؛ حيث "أبلى البلاء الحسن في تجديد مفهوم السلفية في عقول الناس برغم ما كان ينتقد عليه رحمه الله من شدة وقسوة في التعامل مع معارضيه؛ فقد كان رحمه الله من الناحية العلمية -والحق يقال- على وسط واعتدال في عمله وسلوكه وسيرته ومفاهيمه العلمية السلفية؛ بتأكيده على عقيدة التوحيد، ونقد بعض الأخطاء الشائعة في الفقه الإسلامي كفقه الصلاة والجنائز، وأقام مشروعه على شقين: تجديد العقيدة في قلوب وعقول الناس، وتجديد الممارسة التدينية، وكان لهذا المشروع أثره في إذكاء الصحوة الإسلامية المعاصرة في صورتها التنظيمية الحديثة والحركية ولم ير أنها "بدعة". صدى المشرق السلفي يصل المغرب وبعد هذه الفترة العلمية و"الوطنية" -إن صح التعبير- للتوجه السلفي، سيدخل السلفيون بداية النفق بفسح الباب لهم للخروج للجهاد الأفغاني ومحاربة الدب الأحمر خلال فترة الثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث شكل المغاربة جزءا ممن سموا ب"العرب الأفغان"، ونقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية تهويلا إعلاميا أن منهم من كان "الحرس الشخصي" لابن لادن زعيم القاعدة؛ ليتطور الأمر بالإعلان عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ويزيد الساحة السلفية غرقا في أوحال العنف وردود الفعل؛ حيث احترق الأخضر واليابس، واضطر من كان يظن أنه سلفي المشرب بفعل الضغط الأمني إلى "حلق لحيته"، أو"تشذيبها " طوعا أو كرها في محاولة للاندماج مجددا في المجتمع المغربي بعد تقارير تحذر من خطر المجاهدين العائدين من جبال "تورابورا" الأفغانية. لكن الانحراف الكبير ستوضحه بشكل جلي النقاشات التي أعقبت حرب الخليج الأولى على العراق (1991) بانقسام الصف السلفي إلى معسكرين: بين من يناصر تبريرات الحكام بجواز الاستعانة بالأجنبي لقتال المسلم، ومن يرفض ذلك ويحرمه. ويربط أغلب الدارسين المعاصرين للظاهرة السلفية بالمغرب بداية تأثرها المشرقي بعودة خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالسعودية إلى المغرب، وبفعل التأثير المكتبي (انتشار الكتب السلفية) والرحلات إلى الحجاز لا للحج ولكن للاغتراف من "المعين الوهابي" علما ومالا، إلا أن هذا الاغتراف كان الثغرة التي استغلها بعض "الانتهازيين" للتكسب المجاني والنيل في أعراض العلماء، وإذكاء نار الوشايات والنميمة؛ مما جعل التوجه السلفي المغربي يتكلم بإشكالات المشرق، فكانت معارك "ربيع المدخلي" وخصومه تجد صدى لها عند سلفيي المغرب. ويرجح الشيخ زحل أن أمريكا أدركت "بحس تجربتها الطويلة مع التيار الإسلامي أنه التنظيم الوحيد المهيأ لمعارضة سلطانها ورفض هيمنتها، كما أيقنت أن أسلوبها العتيق المتمثل في تسليط "أذنابها" و"عملائها" في العالمين العربي والإسلامي على رموز هذا التيار للتنكيل بهم سجنا وتشريدا وقتلا، لا يلحق بهم ضعفا وإنما يزيدهم قوة، ويكسبهم شعبية، ويوسع من دوائر نفوذهم، فأوعزت إليها بأن يتعاملوا مع الإسلاميين بأسلوب جديد فتمزق صفوفهم من الداخل". وبناء على هذا الرأي "تطورت الأمور بعد حرب الخليج الثانية؛ فنشأ تيار سلفي جديد لا هم له إلا الطعن في الجهاد، ولمز العلماء، وتوجيه مختلف التهم إلى الدعاة، والتشكيك في كفاءاتهم ومصداقيتهم، وشن حرب شعواء على التنظيمات الحركية، إلى أن انقسم السلفيون إلى حزبين متصارعين: حزب الولاة وهم من أوقدوا نار الفتنة، وحزب الدعاة وهم وقودها وضحاياها". (محمد زحل: التجديد عدد 492 أكتوبر 2002). مظاهر التأثير المشرقي واستعارت بعض التوجهات المغربية الخصومات المشرقية لإثبات تشبعها بالزاد الشرعي؛ مما سيمثل انحرافا فكريا ينشغل به الأتباع ويتنابذ به الزعماء، وفيما يلي أهم الإشكالات التي ميزت بين التوجه الغالي والوسطي في التوجه السلفي، والتي أدخلت السلفيين المغاربة متاهة الجدل "الوهابي": تحريم "فقه الواقع" وأثره في إنتاج الأحكام؛ فالغلاة يحسبون "مؤامرة خبيثة على العلوم الشرعية.. وهدف الداعين إلى هذا الفقه إسقاط الشريعة وتحريف نصوص القرآن والسنة"، في حين يرى التيار العلمي الوسطي، ويمثله عالم الحديث ناصر الدين الألباني، أنه مسألة اجتهادية ترافق النص الشرعي ولا دخل لها بالحلال والحرام. ويقول ربيع المدخلي: إن "فقه الواقع لا يختلف عن مبدأ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة، ويعتمد على أخبار الصحف والمجلات التي تحترف الكذب، ويقوم على الجهل والهوى والمبالغات، وتحريف الكتاب والسنة". (مجلة السنة ص 97 98 عدد 58). قضية الحاكمية: يربط السلفيون من "الولاة" مسألة الحاكمية بقضية الأسماء والصفات، وينأون بها عن السياسة؛ فالحكم لله وحده، وينصحون الحكام بأخذ حذرهم من الجماعات الإسلامية التي تصارع للوصول للحكم والسلطة، وإن "اقتضى الأمر "الضرب من حديد على أيدي هؤلاء الخوارج". ويرمي التيار الموالي التنظيمات الإسلامية بالابتداع وتفريق وحدة الأمة، والخروج على ولاة الأمور؛ وبذلك لا يستحقون عندهم "نصرة، ولا يعطف عليهم إذا حلت بهم مصيبة"، ويسمون من اقترب منهم في التعامل مع التنظيمات بأنه يأتي"في أخلاط". أما رسالة "الغلاة" لهؤلاء "الولاة"، فهي وصفهم بأنهم "يوالون أهل الأوثان ويعادون أهل الإسلام"؛ فهم يؤمنون بضرورة تحقيق الأمن ولو حكمهم "اليهود"، ويعتبرون الجماعات الإسلامية "فئات علمانية"، وتجد بعضهم لا يرسلون أبناءهم للمدارس النظامية، بل يكتفون بتعليمهم العلم الشرعي في بعض الخلوات والجمعيات، ويستهدفون في استقطاباتهم "بعض الشباب الدراويش"، ويتربون على هجر وتكفير المجتمع. الفرقة الناجية: يؤطر الاتجاه السلفي الموالي للسلطة بأنه في صف الفرقة الناجية أو المنصورة، وأن غير هذه الفرقة "هالك"؛ استنادا للحديث النبوي الذي معناه أنه "ستفترق الأمة إلى سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، ووفقا لهذا الحديث يتعاملون مع الفرق الأخرى باعتبارها فرقا ضالة متبعة لأهوائها، بينما يرى التوجه المعتدل أن مسألة الولاء والبراء لا تصدق على المخالف، بل تصدق على الكافر. المفاصلة عن المجتمع الكافر، ويستند المتجادلون حول هذا الإشكال إلى سابق التمييز النبوي بين الأنصار والمجاهدين بكونهما اسمين شرعيين، يؤكدان ضرورة التميز عن الجاهلين ليتحقق النص للمخلصين، وسورة الكافرون وآيات الولاء والبراء، وهذا التمييز مقصود بذاته، فتكون الضرورة ملحة للتميز عن المجتمع الجاهلي في المنهج والعقيدة والهدي الظاهر، كما يعتقدون. التكفير والقتل: بعد أن يتأطر الشخص بكونه "كافرا" أو "جاهليا"، تأتي المرحلة الفزاعة وهي إهدار دمه وأن دمه حلال، ويقوم بهذا العمل فتية يعرف من خطبهم الكتابي أنهم قليلو علم وأدب (تراجع بعض المراسلات في كتاب "السلفية المتحجرة والقنابل المتفجرة" لمؤلفه محمد أبو زهرة، خطيب بمدينة الناضور شمال المغرب). ويؤكد الشيخ محمد زحل -تعليقا على السقوط المغربي في هذا الجدل- بالقول: ولم تقتصر هذه الفتنة في بلاد الخليج بل عمت العالم الإسلامي؛ حيث إن علماء السوء في بعض الدول هم الذين تولوا كبرها، لكن حملها عنهم تلامذتهم فطاروا بها في كل صقع، وصاحوا بها في كل واد، وكان للمغرب نصيبه من دعاة الفتنة المأجورين، العملاء، الذين أضروا بالدعوة وعرقلوا مسيرتها إلى حين، ولله في خلقه شئون". (التجديد نفسه). وقد آثرنا التلميح لهذه الإشكالات التي تميز "الجدل الكلامي" بين السلفيين تلميحا دون تعيين الاتجاهات المنضوية تحت كل توجه، بالنظر لتأجيل المغرب وكثير من الدول العربية للحل الفكري والعلمي في التعامل مع السلفيين "مهادنين وجهاديين"، وتفضيل الضربة الأمنية؛ مما يفوت فرص تمحيصها، وبيان تهافت أسس نقلها من بيئتها المشرقية إلى الذهنية المغربية. ذ.محمد الحجام مدير نشر جريدة ملفات تادلة