كلما اقترب موعد تعبير التلاميذ عن رغبات التوجيه إلا وبدت عليهم علامات القلق وكثرت تساؤلاتهم وحاجتهم إلى من يقدم لهم المساعدة على بلورة اختيارات تناسب قدراتهم ورغباتهم وظروف كل واحد منهم؛ فلماذا يعتبر التوجيه مصدرا للقلق لذى التلميذ؟ و كيف السبيل إلى الحد من هذا القلق والتغلب عليه؟. التوجيه في الوثائق الرسمية: نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين ( المادة 6 ) على اعتماد مقاربة تربوية تجعل المتعلم في صلب العمليات التربوية والتكوينية برمتها . التوجيه التربوي جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين ( المادة 99 ) . وتهدف المقاربة التربوية في مجال التوجيه التربوي إلى توعية المتعلم بالعلاقات المتشعبة بين النظامين التكويني والمهني والوعي بتطلعاته وحاجاته البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والاجتماعية أما المذكرة 17 الصادرة بتاريخ 17 فبراير 2010 فتصرح بما نصه:" يقصد بمجال التوجيه التربوي جميع العمليات الإدارية والأنشطة الخدماتية والتأطيرية المتعلقة بالإعلام والمساعدة على التوجيه، والمنجزة على مستوى البنيات المتدخلة في المجال مركزيا وجهويا واقليميا ومحليا . يعهد القيام بهذه العمليات والأنشطة إلى أطر متخصصة في الإعلام والمساعدة على التوجيه، مع انخراط كل المعنيين بالشأن التربوي على مستوى المؤسسة التعليمية من مدرسين وأطر الإدارة التربوية ، ومفتشين ، ومتدخلين وفاعلين من خارج المؤسسة ". نستخلص إذن أن التوجيه هو سيرورة تربوية تسعى إلى إنضاج شخصية المتعلم وتستغل على العلاقة بين ماهو ذاتي بالمحيط الدراسي ؛ المهني والوسط السوسيوثقافي ؛ والإشتغال على أي من هذه المجالات يكتسي صعوبة قصوى فما بالك بالإشتغال عليها مجتمعة. التوجيه كمصدر للقلق: إن السبب الأساسي الذي يحول التوجيه إلى مصدر للقلق لدى المتعلم هو افتقاد هذا الأخير لنظرة مستقبلية؛ فالتلميذ يعيش دراسته يوما بيوم . الراشدون ( أفراد العائلة ) وحدهم من يخطط للمستقبل أما المراهق فهو بحاجة إلى من يصاحبه ويواكبه لبلورة مشروعه الشخصي دون التأثير عليه بطبيعة الحال . وهذا المشروع الشخصي قد يصبح مصدرا للقلق إذا لم يتقبل من طرف المجتمع أو لم يكن متاحا أصلا, هنا نصل إلى سبب آخر يجعل التوجيه والإختيار مصدرا للقلق لدى المتعلمين وهذا السبب مرتبط بالمنظومة التربوية ككل إنه الإنتقاء. تضطلع المدرسة بثلاث وظائف أساسية هي : نقل المعارف؛ الإدماج الإجتماعي والإنتقاء. الإنتقاء هي الوظيفة الأكثر قربا من التلميذ فهو يعيشه كلما اقتربت مواعيد التعبير عن رغبات التوجيه ويعيش معه هواجس الخوف من الفشل الدراسي ويستحضر معه المستقبل المهني. عند استحضار المستقبل المهني ينتقل التلميذ من ماهو معاش وهو الدراسة المرتبطة بالطفولة إلى ماهو خيالي ومرتبط بعالم الكبار الراشدين و يتسم بمجموعة من التمثلات وبالضغط والإكراه في العديد من الحالات. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل كيف السبيل إلى الحد من هذا القلق والتغلب عليه؟ عندما أشارت الوثائق الرسمية إلى " انخراط كل المعنيين بالشأن التربوي على مستوى المؤسسة التعليمية من مدرسين وأطر الإدارة التربوية ، ومفتشين ، ومتدخلين وفاعلين من خارج المؤسسة" فهذا راجع إلى الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه كل واحد من هؤلاء الفاعلين في تبديد هذا القلق . لأن التوجيه هو شأن مشترك بين كل المتدخلين في العملية التربوية كل من موقعه. وتدخل كل واحد من هذه الأطراف يساهم في الحد من القلق لدى المتعلمين. تظل الأسرة أهم متدخل في قرارات التلميذ والمطلوب منها ألا ترغم التلميذ اختيار مخالف لرغباته متجاوز لقدراته فتكون بالتالي مصدرا للقلق ؛ كما يجب عليها أن تعمل على دعم ثقة التلميذ بنفسه وتعرض عليه تجاربها المهنية وهذان عاملان أساسيان في بلورة المشروع الشخصي وتجاوز قلق التوجيه. الأطر التربوية بالمؤسسة هي الأقرب للتلميذ والأدرى بقدراته ومؤهلاته ؛ وهذه المعرفة تؤهل الأطر التربوية كما الأطر الإدارية للعب دور محوري في مساعدة المتعلم على الإختيار وبلورة المشروع الشخصي. أطر التفتيش التربوي لهم دور أساسي كذلك من خلال التحسيس بأهمية ربط التوجيه التربوي بالمواد المدرسة الشيء الذي يفتل في تبني مقاربة المدرسة الموجهة وهي آلية لتقاسم إشكالية الإختيار مع التلميذ فيخفف عنه من التوثر. أطر التوجيه التربوي هم قطب الرحى ومنسقوا تدخلات كل الأطراف إضافة إلى درايتهم بالمسالك والآفاق وارتباطاتها بمختلف الخصائص الشخصية للتلميذ وكذا علاقتها بسوق الشغل وكل هذا يجعل تدخل المستشار في التوجيه التربوي تدخلا نوعيا يسهم كثيرا في تبديد توثر وقلق الإختيار. خلاصة: رغم أهميته الكبرى في المجال التربوي فهو مصدر لقلق وتوثر التلاميذ ويتطلب تبديد هذا القلق تدخل أطر التوجيه التربوي إضافة إلى باقي الفاعلين الدخليين والخارجيين في المنظومة التربوية لكن هذه التدخلات تتطلب توفير مناخ وسياق للعمل لازالت منظومتنا التربوية بعيدة عنه كل البعد. فالحل إذن مرتبط بإصلاح شامل للمنظومة التربوية مندرج في إطار إصلاح شامل قائم على مشروع مجتمعي للنهوض بالوطن وتحقيق كرامة المواطنين والتلميذ ضمنهم.