انه عبد الهادي الرجل العظيم بايجابياته وسلبياته , تعرفت عليه منذ مجيئي إلى مؤسسة : ثانوية ابن عباد الإعدادية, وهو يحرس دراجات التلميذات والتلاميذ التابعين لهذه المؤسسة . نموذج من البساطة والتواضع , نموذج في الكد والعمل من اجل لقمة العيش اليومي لأسرته المتكونة من ستة أفراد :جدة و أب وأم وثلاثة أبناء , في أواخر عقده الثالث , يعامل كل التلاميذ معاملة حسنة , ويعتبرهم كأبنائه , والغريب في الأمر انه يعرفهم جميعا , بمجرد أن يلتحق كل واحد منهم إلى السلك الإعدادي إلى أن يتنقل إلى مؤسسة الحسن الأول التاهيلية المجاورة لنا . في الحقيقة هذا الرجل المرابط بالقرب من المؤسسة , تحفة نادرة يجب التنويه بها , وهو أيضا من الذين يعملون في الظل , ويساعدون المنظومة التربوية بأجر زهيد في آخر كل أسبوع من طرف بعض التلاميذ , لان أغلبيتهم من الأيتام والمتخلى عنهم , والفقراء المحتاجين ... لماذا بالضبط الحديث عن حارس دراجات التلميذات والتلاميذ ؟ بالنسبة لي كرئيس متواضع لمؤسسة قروية , يجدر بي أن انوه بما يقوم به هذا الحارس من خدمات جليلة وإنسانية , والتي اعتبر كثيرا منها كأرشيف متحرك , نرجع إليه نحن جميعا العاملين بهذه المؤسسة التربوية التعليمية . وحبذا لو قامت النيابة الإقليمية أو الأكاديمية بعقد لقاء مع كل حراس الدراجات الموجودين بالقرب من المؤسسات التربوية التعليمية على شكل مؤتمر ليوم أو يومين للوصول إلى بعض القضايا العويصة والواقعية لما يعانيه التلميذ القروي , بعيدا كل البعد عن التخطيط والمشاريع الفوقية التي غالبا ما تكون فاشلة في آخر المطاف . يقف عبد الهادي كل صباح خارج سور المؤسسة , قبل أن يفتح بابها في الوقت الرسمي للدراسة , يستقبل الدراجات التي يملكها التلاميذ والتي أيضا سلمت للبعض منهم في إطار محاربة الهذر المدرسي من طرف النيابة الإقليمية , وكذا من طرف التنمية البشرية . يبتسم للصغار والصغيرات , يصلح أعطاب الدراجات , يوجه ويرشد كل من يراه في حاجة إلى الإرشاد والتوجيه بحفاوة وإنسانية رائعة . يعرف كل صغيرة وكبيرة على كل العاملين بالمؤسسة , حتى غدا بعض منا وأنا منهم أيضا يشاوره في بعض القضايا الصعبة , وخاصة عند إشكالية توزيع الدراجات الهوائية في بداية الموسم الدراسة , بحيث كنت استدعيه كعضو مساعد بجوار مجلس التدبير . ورغم انه لم تساعده الظروف الاجتماعية الخاصة به أن يتابع دراسته الابتدائية , ففي بعض الأحيان أجد الصغيرات والصغار ملتفين حوله وهم يمتصون العلالة (كجاك) الشيء الذي ذكرني لما كنت تلميذا , بقطعة القراءة " بائع العلالة " لأحمد بوكماخ بنصف درهم , ويطلب منهم شرح بعض الكلمات باللغة الفرنسية التي بقيت علقت بذهنه حين كان تلميذا مثلهم . ففي آخر كل أسبوع يتسلم من أصحاب الدراجات بعض الدريهمات كتعويض عن الحراسة اليومية , وأجمل ما فيه انه لا يأخذ أجرته من الأيتام والمحتاجين من التلميذات والتلاميذ , رغم انه في حاجة ماسة لهذه النقود الضئيلة . في بعض المناسبات , اخرج من مكتبي لاقف بجواره خارج سور المؤسسة , وهو فخور بان أتحدث معه , في قضية تمس الأمن الخارجي للمؤسسة , لأنه يعرف كل الغرباء الذين يقفون بالقرب من الباب الرئيسي , يتحينون الفرصة للتحرش بالتلميذات.. كما يكون فخورا جدا وهو يسرد لي بعض الوقائع الطريفة التي عاصرها و شاهدها لبعض العاملين الذين كانوا يعملون بمؤسستنا ابن عباد الإعدادية . ومن أجمل الطرائف الواقعية التي حكاها لي في الأسبوع الماضي : انه في عطلة من العطل المدرسية ,فكر في أن يبحث عن عمل , في انتظار رجوع التلاميذ للاستئناف الدراسة , وحاول جادا أن يجد هذا العمل , لكن دون جدوى , فقرر زيارة احد العاملين بالمقبرة " حفار القبور " ,فعلا دخل المقبرة بدار ولد زيدوح , فوجد صديقه العامل متعبا من فرط حفر القبور وهو ينتظر الموتى ليحصل على ثمن تعبه وعنائه . طلب عبد الهادي منه أن يسلمه الفأس , بدعوى يريد حفر قبره , رغم انه لا يزال على قيد الحياة , شرع حارس دراجات المؤسسة في إزالة التراب من القبر , وكان مسرورا لان قبره خالي من الحجر الصلد , ولما أصبح القبر جاهزا , قرر عبد الهادي الدخول في حفرته ولكنه مستلقي على ظهره , ولما وجد صعوبة الولوج إلى الرمس , أمره صديقه بان الجنازة توضع على الجانب الأيمن أثناء الدفن , وساعده حتى أصبح حارس الدراجات في خضم القبر وعلى شقه الأيمن وهو يتنفس , وقد لمس وجهه أسفل التراب , وقد اخذ يشم الرائحة الباطنية للثرى في هذه اللحظة التي كان يحكي لي عبد الهادي ما فعله , سألته وان أتخيله فعلا في قبره : كيف كانت نفسيتك وأنت وسط القبر ؟ وقال لي : يا سي محمد , لو فكر كل واحد منا في قبره , أو حفره قبل مماته , لكنا جميعا مسلمين حقيقيين , ولكنا فعلا من امة محمد صلى الله عليه وسلم , نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر . م حمد همشة دار ولد زيدوح : 27/01/2012 .