مما لاجدال فيه أن كل المجتمعات البشرية منذ خلق الإنسان، دأبت على استخدام تقنيات تتفاوت في بساطتها ودرجة تعقيدها لتربية الأبناء وتنشئتهم الاجتماعية. حتى يصبحون على وعي كامل بمتغيرات الحياة وإكسابهم الأدوار والاتجاهات والقيم المتوقعة من أفراد المجتمع. من هنا تنبع وظيفة التنشئة الاجتماعية، بمساعدة الفرد على الإحساس بالمثيرات الاجتماعية وتعلم كل آليات التكيف والتأقلم مع المحيط الاجتماعي حتى يصبح كائنا اجتماعيا في مستوى أفراد مجموعته. والطفل باعتباره كائنا اجتماعيا له وجود داخل النسق الاجتماعي، ولا ننكر أن كل واحد منا يحمل في كنفه صفات الطفولة، إذ لم نقل أنها صفة ملازمة للإنسان عبر سيرورته التاريخية. وكلما ارتقى الإنسان وتطورت ثقافته وحضارته، احتاج المزيد من التربية المنتظمة القصدية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. فالطفل الإنسان يستمد أصول ومقومات شخصيته من مختلف المؤسسات المجتمعية التي تسهر على تربيته وتنشئته شاء أم كره حتى يصل إلى ما هو عليه من النضج والنمو: ويمكن إجمال هذه المؤسسات في ثلاث أنواع رئيسية: الأسرة بصفتها النواة الأولى التي يتلقى فيها كل القواعد، التي ستطبع شخصيته في المستقبل. ثم المدرسة في المقام الثاني التي تعمل على بلورة شخصية الطفل والعمل على استكمالها معرفيا وتربويا. ويأتي المجتمع بكل مؤسساته الحربائية التي تتدخل في شخصية الطفل بكل المبادئ والقيم والعادات وغيرها من التفاعلات. ولهذا فإن كل هذه المؤسسات الاجتماعية، الأسرة والمدرسة والمحيط كلها مؤسسات تسعى إلى تكوين فرد قادر على الانخراط في المجتمع والمساهمة فيه. لكنها في بعض الأحيان، قد تحيد عن مهمتها وغاياتها في انعدام الترابط والتكامل بين معطيات المدرسة وأسس الأسرة مما ينجم عنه خلق شخصية متناقضة ومنفصمة سوسيولوجيا وسيكولوجيا تميل إلى كل أنواع الانحراف والتشرد. كل هذا يجعلنا نؤمن بموضوع التنشئة الاجتماعية الجوهري، وهو الإنسان الذي يعيش في جماعة ويتفاعل مع مجتمعه في إطار تثاقفي يؤمن به ويتمسك بمحتواه من اجل المحافظة على تراثه المتراكم عبر الحقب التاريخية، من هذا المنطلق سنحاول الوقوف عند هذه العملية والتي تعتبر في الظاهر أنها في متناول الكل، وأن كل منا يتيسر له الاحاطة بكل جوانبها والآليات المتحكمة فيها. لكن على خلاف ذلك، تبقى في واقع الأمر وفي العمق من أصعب العمليات التي تعترض الوجود الانساني، نظرا لما يعرفة السلوك البشري من تغيرات وتحولات على مستوى مراحل نموه وتطوره. وهذا ما جعل الموضوع يشغل بال العديد من المفكرين والمهتمين في مجال العلوم الانسانية على العموم، وفي مجال حقل التربية على الخصوص، ولهذا سنحاول قدر الامكان رصد أهم المؤسسات التي تتداخل وتتفاعل فيما بينها والتي تعتبر المسؤولة الأولى عن التنشئة الاجتماعية، رغم أننا لايمكن حصر المؤسسات التي تتدخل بشكل أو بآخر في هذة العملية...لأن الانسان يبقى ذلك الكائن الحربائي الذي يتغير باستمرار، والذي يحدد شروط وجوده ويتفحصها من خلال جميع مايحيط به داخل هذا الوجود. - مفهوم الأسرة: لقد تعددت التعاريف التي قدمها علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء التربية لهذه المؤسسة وهذه بعض النماذج منها. حسب قاموس انكارتا Encarta المعلوماتي: "الأسرة هي مجموعة اجتماعية تربط بينها روابط القرابة أو الزواج، وهي شكل اجتماعي له وجود في كل المجتمعات البشرية، وتقوم الأسرة من الوجهة النظرية بتوفير الحماية والأمن والتنشئة الاجتماعية لأعضائها، هذا وتختلف الأسرة من حيث البنية ونوع الحاجات التي تشبعها لأفرادها باختلاف المجتمعات وباختلاف المراحل التاريخية". وتلعب العلاقات الأسرية دورا كبيرا في توثيق بناء الأسرة وتقوية التماسك بين أعضائها، ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته، وإيصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيف الجدي مع نفسه ومع أسرته، ومع المجتمع، ومن هذا المنطلق فإن الأسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها، فيوزع الأدوار والواجبات ويحدد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية. - مفهوم المدرسة لقد عرف هذا المفهوم منذ زمن قديم، حيث يرجع لفظ (Ecole) في الأصل إلى اللفظ اليوناني Schole. ويعني وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع رفقائهم أو لتثقيف الذهن، وتطور اللفظ بعد ذلك للإشارة إلى التكوين يعطي في شكل جماعي مؤسسي أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم. أما حاليا فتعني كلمة Ecole، المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المجتمع وقد ظهر مفهوم المدرسة إثر الانتقال من التربية التي تتكفل بها الأسرة إلى تربية التكوين وذلك في الفترة الهيلينية وهناك من تعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية/تربوية لها أهداف محدودة تعمل على تحقيقها في ظل النظام الثقافي السائد، ولا تكتمل وظيفتها الاجتماعية ودورها الثقافي والاجتماعي للمجتمع إلا بالوصول إلى مبتغاها الذي هو وظيفة التطبيع الاجتماعي الذي تمارسه على المتلقي/الناشئ، محاولة تشريبه قيم ومثل ومعايير ومعتقدات المجتمع الذي ينتمي إليه، أي ثقافته السائدة. وبهذا تلعب المدرسة دورا كبيرا في عملية التنشئة والإعداد، وعبر هذه الوظيفة وبواسطتها تمرر الإيديولوجية المهيمنة للنظام القائم بهدف إدامته وإبقائه، ونشر وهم المساواة أمام المدرسة والثقافة، كما يتم إصباغ مصالح وتوجيهات الفئة المسيطرة بألوان براقة كالوطنية والشمولية والعمومية... كما تفيد المدرسة اليوم الخدمات العمومية الأساسية التي تتكفل بتدبير وتنظيم التكوين الأساسي للأفراد. وتعتبر المدرسة فضاء اجتماعي، تربوي، أخلاقي، معرفي وعاطفي جديد بالنسبة للطفل، يتعين عليه التكيف معه والاندماج في سيرورته وعليه فالمدرسة هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية، ونقل الثقافة المتطورة وتوفير الظروف المناسبة للنمو جسميا وانفعاليا واجتماعيا. إلا أن الملاحظة التي يمكن تسجيلها في هذا الباب أن المدرسة العمومية المغربية لا تستجيب لبعض متطلبات الطفل المغربي وخاصة في العالم القروي. مما نتج عنه فقدان الثقة في هذه المؤسسة. ويعزى ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة الناتجة عن ارتفاع نسبة حاملي الشواهد، وهذا ما جعل المجتمع ككل يرى في المدرسة تضييعا للوقت، مما دفع بعض الآباء إلى توجيه أبنائهم إلى ولوج بعض المعاهد المهنية للحصول على حرفة تنقذ الأبناء من عالم العطالة، الذي أصبح شبحا يهدد الخرجين... لكن رغم ذلك فتبقى للمدرسة مكانتها الكبرى في تركيز مبادئ التنشئة التي عملت الأسرة على وضع أسسها الأولى، وبالتالي يمكن اعتبار المدرسة متممة ومستمرة في تكوين شخصية الطفل... -1- وضعية المدرسة المغربية: ارتبطت مدرستنا المغربية منذ أوائل القرن20 بالمدرسة الفرنسية على الخصوص وبحكم هذا الاتصال، وبدافع الرغبة في التطور من جهة، ولتلبية أهداف المرحلة التي أصبحت وضعية الوطن تحت حكم الحماية، وهي من جهة ثانية اضطرت إلى التخلص عن بعض مقوماتها لتصبح على نحو ما نسخة من المدرسة الفرنسية أو على الأقل تساير نموذجها.. فالمدرسة المغربية في بداية القرن 20 لم يتح لها أن تتصل بمدرسة مجددة عن أصالة. بل بمدرسة لا تزال تبحث عن طريقها في ميدان التجديد، حيث كان وضعها مشابه لوضع كل البلدان التي ظلت غارقة في سبات التخلف الثقافي والاجتماعي، لتفيق على وضع استعماري ولتفرض عليها تربويا حاجيات مصطنعة وسطحية ، هكذا وجدت المدرسة المغربية مرغمة على السير وفق قالب فرنسي.وارتباطا بوضعية المدرسة المغربية يمكن القول أنها اليوم تتصف بطابع بيروقراطي دخيل وعائق عن التطور والتجديد التربوي، يمثل عجز في المدرسة عن تلبية ما يطلب منها في المرحلة الراهنة، كما يتبين أن المدرسة المغربية لا تزال تسير على أساس التخطيط الذي وضعه لها المستعمر. ولعل التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل منذ بداية نشأته إلى بلوغه درجة من الوعي تجعله يدرك دوره داخل المجتمع. هذا ما أبرزه بارسونز من خلال الدور الذي يؤديه الفرد في إطار المواقف الاجتماعية التي تتميز بالنضج والكمال، تعتبر عاملا أساسيا في جعل الطفل ككائن بشري إما مندمج في مجتمعه، وإما نقيض ذلك، بحيث يحمل الطفل معه الشيء الكثير من علاقاته الأسرية والمدرسية، وقد ناقش حانون H. Hannoun صراع الطفل مع الوسط بمختلف مكوناته معترفا بأهمية المعطيات السيكولوجية وبانعكاساتها على التحصيل الدراسي للطفل. وفي مجال التعلم فإن التحليل النفسي يفيد بتأكيده على تدخل العوامل الذاتية والاجتماعية التي تنتمي إلى مجال اللاشعور بالمفهوم الفرويدي، ويمكن تلخيص دور هذا الاتجاه في كشف الأسباب النفسية التي تحول دون تحصيل دراسي، نفسيا وليس معرفيا. على هذا الأساس فإن الطفل وخاصة القروي يعاني من انعدام النموذج النفسي للتنشئة الاجتماعية حيث يعيش نوعا من التمزق والاستلاب، وهذا ما وضحته السيكولوجية الحديثة مع بياجي (Piaget) أثناء دراسته للتطور المعرفي لدى الطفل، حيث ألح على شرط الانتظام والتناسق بين عناصر الوسط المحيط، حتى يندمج ويتلاءم مع البنيات الاجتماعية، وتبعا لذلك فإن دور الطفل يتحدد من خلال مركزه داخل النظام الاجتماعي بواسطة التنشئة الاجتماعية. تعمل على تحقيق المعايير الاجتماعية. ولعل الوضعية التي يعيشها الطفل المغربي في الوسط الأسري تشكل سلسلة من التحولات على مستوى تكوينه النفسي والاجتماعي من خلال هذا الوسط، وهذا ما عبر عنه إريكسون Erikson بالنمو الاجتماعي وفلدمان Freedman بعملتي التطبيع والتفاعل الاجتماعيين. إلا أنه يمكن الإشارة على أن الطفل المغربي على الخصوص تنشئته تتميز بالازدواجية: الأولى تقليدية متشبثة بالماضي، والثانية حديثة تحررية مستمدة من أصول غربية، وهذا ما يجعل الطفل المغربي، إذا لم نقل الطفل العربي ككل في صراع دائم ينتج عنه اضطراب تربوي تنشئي يؤدي مباشرة إلى حالة "انعدام التوافق الاجتماعي". ولعل الطرح الذي طرحه دوركهايم Durkheim حول التنشئة من منظور سوسيولوجي يبين مدى الوضع المجري الذي يعيشه الطفل داخل نسق اجتماعي يعتمد نظاما مدرسيا يعتمد على فرض ثقافة "القهر الثقافي" حيث نجده يقول: "ليس هناك تقريبا مجتمع له نظام تربوي إلا ويشمل طابعا مزدوجا...". وتماشيا مع الطرح الدوركهايمي نجد طرح بورديو وخاصة حول مسألة الوظيفة الإيديولوجية للتنشئة المدرسية، والنظام التعليمي الذي يكرس مسألة عدم تكافؤ الفرص أو التنشئة الانتقائية عبر وسيط المؤسسة وبالتالي فقضية النجاح أو التحصيل الدراسي بصفة عامة مرتبط بالرأسمال الثقافي الذي يملكه أفراد المجتمع. وعلى هذا الأساس، فالانتماء الاجتماعي للأطفال هو الذي يتحكم بصورة ميكانيكية في النجاح المدرسي على حد تعبير كل من بورديو وبارسونز. إلا انه يجب التحفظ على هذه الأطروحات ولا يجب الاحتكام إليها بشكل وثوقي، دون ربط المدرسة بباقي المؤسسات المجتمعية التي تساهم بشكل وبآخر في عملية التنشئة الاجتماعية، من هنا لابد من الأخذ بعين الاعتبار الفلسفة العامة للوضعية الاجتماعية التي تسير على دواليبها المدرسة المغربية. وهكذا فإن ملامسة موضوع كالتنشئة الاجتماعية يجعلنا نقر أن الطفل وخاصة القروي يعاني من استمرارية سوسيوثقافية وسوسيواقتصادية، تربط بين الأوساط التي تسهر على تنشئته (الأسرة/المدرسة) وهذا يفسر انعدام وجود نظام سوسيوثقافي ممنهج في التنشئة الاجتماعية، مما يؤدي إلى صعوبة اندماج الطفل في السيرورة التنشئوية. وتزداد حدة هذه العملية كلما تقدم الطفل في النمو حيث يبدأ في البحث عن حاجياته ولعل ذلك تبرز معه المشاكل وخاصة إذا كان الوضع الأسري لا يستطيع أن يوفق بين متطلبات الفرد وحاجاته وبين نظامها ومرتكزاتها. ومن هنا يتضح جليا مدى الدور الذي يلعبه الفضاء الأسري على تنشئة الطفل، لأن التوافق النفسي للفرد يتشكل ويمتص مبادئه وطبائعه من الأصل الأسري الذي يسوده الانسجام والتلاحم بين أعضائه. وكل هذا متوقف على المستويين السوسيواقتصادي والسوسيوثقافي للأسرة. هذه من جهة، ومن جهة أخرى يبقى نجاح عملية تنشئة الطفل رهينة بنجاح الوسط المدرسي بكل مكوناته ومن خلال المستوى العلائقي للتواصل التربوي الذي يسود خلف أسوار المؤسسة المدرسية. وإجمالا فالحقيقة التي لا يمكن نكرانها، ان كل ما يرتبط بالمدرسة في مجتمعنا من قراءة وكتابة هو مطلب نفعي قبل ان يكون مطلبا نفسيا اجتماعيا. وهو ما أدى إلى الحط من قيمة المعرفة العلمية وفقدان الثقة في المدرسة، حيث أصبح ينظر إليها بأنها مؤسسة لتخريج البطاليين الذين صاروا عبرة للأجيال الصاعدة، وفي هذا الباب يطرح مبدأ تكافؤ الفرص وهو سؤال يطرح نفسه دائما في خضم سياسة تعليمية مفبركة تتسم بالترقيع، لا تحقق آمال وآفاق شريحة كبيرة من المتعلمين، وخاصة القاطنين بالوسط القروي، الذين صنعت منهم الظروف الاجتماعية التي تتسم بالقهر والبؤس معاقون ثقافيا. وعلى ضوء هذه القراءة يمكن التأكيد على مايلي: ضرورة الاهتمام بالتنشئة الأسرية للطفل، وذلك بإعادة النظر في العديد من أساليب التربية في الأسرة المغربية التي تنقصها آليات التعامل مع حاجات العصر ومتطلباته، بسبب نقص التوعية في صفوف الآباء والأمهات. حضور الأسرة في الفضاء العام حتى تحضر في الذهن والعقل وتساهم في الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية. لتجسيدها للمفاهيم والمشاريع التي تسعى لتحقيقها في المجتمع، وبدون ذلك فإننا نقوم ببناءات وهمية أو شكلية يكشفها الواقع الذي نعيشه ضمن التنشئة الأسرية. إكساب الأسرة أفضل وسائل التحصين لحماية قيمها من التيارات الدخيلة عبر وسائل الإعلام التي كثيرا ما تقوم عبر موادها بإحداث تصدع في النسق القيمي للأسرة، واهتزاز علاقاتها الاجتماعية. الاقتضاء بمراجعة النظم التربوية والتعليمية لتتلاءم وطبيعة الحاجات الأساسية والمتجددة للأسرة ووظائفها. بما أن المدرسة هي رمز الوحدة الوطنية ومجال لتكوين النخب، فهي ملزمة باستدماج كل مكونات محيطها بشكل معقلن وفق معايير المردودية والمنافسة والإشعاع حتى تلعب الدور المنوط بها في إنجاح عملية التنشئة الإيجابية للأجيال الصاعدة، على هذا الأساس فالمدرسة ملزمة ب: تحطيم أسوارها المغلقة وجعلها في متناول الجميع لتبادل الخبرات والوسائل واستقطاب كل القدرات التي يمكن الاستفادة منها. اختيار المدرس المناسب يقدر جسامة المسؤولية، ويحترم كيان الطفل بعيدا عن كل أنواع التسلط وتسريب الأفكار المغلوطة، والواقع أن المشكل الذي نعيشه في تعليمنا هو أننا نجد مدرسين هم أقرب من المرتزقة أكثر منهم أصحاب رسالة. معرفة الفروق الفردية في العملية التعليمية- التعلمية لأنها ذات تأثير كبير على تحصيل التلاميذ كما تحدد نوعية العلاقات الاجتماعية بين أفراد جماعة الفصل. ضرورة وجود أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المؤسسات التعليمية وذلك لفهم مشاكل التلميذ النفسية والاجتماعية والتعليمية. رفع مستويات الوعي والثقافة لدى العامة، وخاصة الآباء والأمهات لمد جسور التواصل بين الأسرة والمدرسة. إعادة الاعتبار للمدرس وذلك بتوفير الإمكانيات والوسائل التي تخول له فرصة العطاء المثمر والمردودية الإيجابية. تشجيع التمدرس، بإعطاء فرصة التعليم للجميع دون اتباع إيديولوجية الاستحقاق، والنخبوية. فتح المجال أمام جمعيات الآباء. لتتبع سيرورة التنشئة بين المؤسستين مع تأسيس بنية سوسيواقتصادية وتربوية، تجعل العلم والمعرفة من أولويات الأسر المغربية. حتمية التوفر على فلسفة اجتماعية، تربوية، شمولية وواضحة الغايات والمعالم والتوجهات على أساسها تقام السياسات التربوية وتوضع مشاريع الإصلاح. وضع تخطيط تشاركي وعقلاني يساهم فيه جميع المهتمين في التربية والتنشئة من أجل إيجاد حلول ناجعة لظاهرة البطالة التي أصبحت شبحا يهدد جميع المتعلمين، مما نتج عنه فكرة الهجرة السرية بمختلف أشكالها. عدم الارتجالية في تطبيق البيداغوجيات التربوية(الفارقية / الكفايات /لإدماج...) وإعطاء عملية التكوين المستمر ماتستحقه من أهمية، ليكون رجال التربية على دراية تامة لما يعملون على توظيفه. وهكذا فإن تنامي حدة انفصال نظام التربية والتكوين في مجتمعنا عن محيطه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي العام. لا تعود إلى النظام التربوي وحده في هيئة المدرسة، كما يروج لذلك بعض الخطابات الضيقة، بل تعود إلى المحيط الاجتماعي، بكل مقوماته، ذلك أنه ما يزال بدوره مخترقا بالعديد من الآليات والمعايير اللاعقلانية. مما يتطلب إعادة تأهيله وتنظيمه بشكل عقلاني، يمكن تحقيق الانفتاح الإيجابي. ولعل أزمة التعليم في بلادنا هي ناتجة عن غياب سياسة تربوية تنشئوية حقيقية تتداخل فيها كل ما هو تاريخي، سوسيو ثقافي، اقتصادي، سياسي، بيداغوجي... ولهذا لا يمكن الحديث عن إصلاح تربوي تنموي ناجح ما لم يندرج في سياقه الصحيح المرتبط بهذه العوامل. وعليه فإن نجاح أي مشروع كيفما كان نوعه لا يمكن تحقيقه ما لم يأخذ في محوره الطفل. إذن وفي غياب كل هذه العوامل في تعددها وتعقدها وتداخلاتها البنيوية، أصبح نظام التربية في بلادنا وبالعالم الثالث بشكل عام نظاما مأزوما عاجزا عن تجديد عملية إنتاج نظام الصلات الاجتماعية. بشكل فعال من قبل الأفراد، واندماجهم في البيئة الاجتماعية. المراجع: 1 - د. مصطفى حجازي، تأهيل الطفولة غير المتكيفة، الأحداث الجانحون، دار الفكر اللبناني، الطبعة 1، (1995). 2 - د. السيد عبد العاطي السيد وآخرون، علم الاجتماع الثقافي، دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية، (1992). 3 - د. أحمد أوزي، الطفل والعلاقات الأسرية، منشورات مجلد علوم التربية، العدد 11، الطبعة 1، (2002). 4- د. أحمد أوزي، الطفل والمجتمع، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة 1، (1988). 5- د. مصطفى حدية، ترجمة محمد بن الشيخ، التنشئة الاجتماعية والهوية، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة 1، (1996). 6- د. مصطفى حدية، الطفولة والشباب في المجتمع العربي، شركة بابل، الرباط، (1991). 7 - مجموعة من الباحثين ، التربية والحداثة، سلسلة عالم التربية العدد 13 مطبعة النجاح 2003 . 8 - مجموعة من البحوث الجامعية 9 - د. صالح محمد علي أبو جادو، سيكولوجية التنشئة الاجتماعية، دار المسيرة، عمان، الطبعة 4، (2004). 10 د. ربيع مبارك، عواطف الطفل، (دراسة في الطفولة الاجتماعيةوالتنشئة)، الشركة المغربية للطباعة، الطبعة 2، (1991). 11- مجموعة من الباحثين، مجلة التنشئة، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، العدد 1، (2005). 1/ G.Rocher, Introduction à sociologie générale, « L'action social », Paris, Edication 1968. 2/ H.Walon, l'Evaluation psychologique de l'enfant, collurisine. Amand collin, Paris 1968. 3/ Paul pascon, « ce que disent 296 jeunes ruraux », dossiers du Tadla. 4/ www.google.com (*)خالد صعيد-أستاذ باحث في علم الاجتماع.