تقديم في غمرة التلهف وراء مستلزمات الحياة العصرية ومتطلباتها اللامحدودة المنهكة للبدن والفكر معا ، وفي بحر النضال ضد الفساد وصناع الألم من أجل حياة كريمة ومواطنة حقة ، ننسى أو تناسى أننا قبل كل شيء بني آدم/بشر/أناس نحس ونشعر، نفرح ونحزن ، نخاف ونثق ، نتألم ونسعد ، نحبط ونأمل ...نرق لغيرنا، ونتحسر على فوات لحضات .. فحياتنا هي مجموع لقطات نعيش فيها احاسيس ومواقف مختلفة بل متناقضة ومتحولة بسرعة في لحضات متتالية تترى كالبرق الخاطف غير انها تنسج خيوط متشابكة تنحث الشخصية المميزة لكل إنسان..فالوادي يتخذ مجراه( هويته ) بتوالي القطرات وهبات الريح... إن قارئ بعض “ شذرات ذاكرتي“ هاته سيقول ،بادئ الأمر ، بأنها مجرد نقل للأحداث وحكي بعض فصول حياة شخصية لا تهمه ، غير أن ما أتوخاه من خلال استحضار لحضات/ لقطات من الماضي هو إعادة قرائتها من جديد، وبالعرض البطْئ، في محاولة لتجميع الصورة والتي ستشكل،في نهاية المطاف، كينونة الذات المتكلمة وهويتها المتطورة والمتغيرة باستمرار وبسرعة خاطفة.فجمال الطفل ليس هو نفسه في المراحل الدراسية الأولى، وليس هو في المرحلة الثانوية أو الجامعية ، كما يختلف جمال الأعزب عن المتزوج والطالب عن الموظف وهكذا. ما ستقرؤونه في هذا “الفلاش باك“ القصير عبارة عن لحضات تأبى النسيان، “ رصدها“ قلمي، من بين ثنايا حياة شرود طويلة، فوثقها في أوراق مبعثرة غير مرتبة. أعيد نشرها هنا كما كتبتها وقتها، دون أي تصحيح أو ترتيب، استجابة لهاتف باطني عميق يناديني كي اعود زمنا إلى الوراء لعلي اعتبر بما مضى كي أصحح المسار قبل أن الاقي المصير المحتوم. قد تختلف الأحداث والمواقف والشخوص، غير أننا جميعا نشترك في كوننا بشر لنا بداية ومسار ونهاية. وتبقى لحضات منقوشة على الذاكرة تشكل التفرد الإنساني... 1 غادرت الملالية (بني ملال) صبيحة يوم الأحد 23 يونيو 2002 وقد خلفت هذه المغادرة حزنا عميقا خصوصا وأنني غادرت مدينة تعرفت على أصدقاء جدد فيها غير أن ما أثر في بشكل واضح هو مفارقة المعلم (الأستاذ) مصطفى الشامي الذي كان لي نعم الأخ والصديق منذ أن عثرت على منزله مساء الخميس 20 يونيو 2002 حيث قضيت معه أوقاتا شيقة ورائعة في منزله وكذا بمقهى قريب منه. كما قمت قبل المغادرة بزيارة تفقدية للصديقين مصطفى زلماظ وسعيد وعوش اللذين تمكنت من اللقاء معهم بعد بحث مضن يوم الجمعة 21 يونيو بالقرب من ساحة الحرية وصاحبتهما إلى مكان كرائهما بحي الرشاد رقم 17 حيث قضيت معهم تلك الليلة في جو سادت فيه الأخوة والود والنشاط... رحلت عن الملالية وكلي ترقب لما ستحمله زيارة الدارالبيضاء أكبر كبرى مدن المغرب خصوصا أنني لا أعرف كثيرا في هذه المدينة غير أنني كسبت الثقة منذ ان ركبت الحافلة حيث تعرفت بداخلها على أصدقاء تبادلت معهم العناوبن وأرقام الهاتف...فتأكد لي مرة أخرى أنني أينما حلت وارتحلت وإلا أنا من أهلها. وصلت المحطة الطرقية أولاد زيان حيث لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أخذت السيارة الصغيرة حتى وصلت إلى ّ كراج الجيلالي ّ وبعد مسافة متوسطة ( مشيا ) أخذت الحافلة 53 إلى سيدي معروف . وحين وصلت إلى المقاطعة نزلت عملا بمشورة ّ بوهراس أحمد ّ فبدأت أسأل عن مسجد الأدارسة وتمكنت من الوصول إليه بسرعة وبعد ذلك اقتحمت مكان وجود الفيلات حتى وصلت إلى الفيلا التي كان يعمل بها أخي ( محمد ) حارسا. وبعد برهة من الزمن نمت نوما استغرق ساعات نفثت خلاله كل التعب والمشقة اللذين عانيتهما خلال هاته الرحلة الطويلة...بني ملال..بوجعد..واد زم..خريبكة..المحطة..الكراج الجيلالي..مقاطعة سيدي معروف..المسجد..الفيلا جمال أسكى