جهارا نهارا : "أبُلْخير" من أمامِنا وَ النصارى من ورائِنا. لم يكن يخطر على بال المواطن البسيط في عدد من أرياف أزيلال أن مشاكل "إبُلخيرن"-جمع أبو الخير- ( أو الحلوف كما يسميه سكان الأطلس) ستنضاف إلى مشاكلهم و همومهم اليومية المألوفة كالعزلة و الفقر و التهميش و الأمية ... فهذا الحيوان الذي يتكاثر في متون ووديان جبال الإقليم ، له قصة مع الساكنة في هذه المناطق، عنوانها " حقوق الحلوف قبل حقوق الإنسان" . فلا غرابة في تسميته " أبو الخير" رغم كل عيوبه و شكله القبيح و رائحته التي تزكم الأنوف و سرقاته لغلات الكادحين ، و رغم تصرفاته التي لاتخرج عن التخريب و تدمير ممتلكات المواطنين العزل ، فإن تسميته "أبو الخير" لا تدل على خير يُخلفه أو قد يَجنيه المواطن من وارئه أو على الأقل فألَ خيْر لهم ، إنما هي آتية من كونه لا يستقر إلا في المناطق التي تعرف وجود الخيرات من كلأ و زرع و ماء و مردودية و يفضل دائما الإستقرار قرب الأماكن الغنية و المخضرة ، ولا يمكنه العيش في الصحاري و القفار . فعلى طول السنة يسلك الفلاح الصغير في بعض مناطق الأطلس عدة مراحل كلها كد و اجتهاد ليمر بدورة زراعية مُتعبة مُنتظرا المرحلة الأخيرة ليحصد و يجمع محصوله ، لكن "أبلخير" له رأي آخر! حيث يخرج من بين وديان و أخاديد و متون الأطلس ليعيد حرث و تخريب الأرض بمحصولها، تاركا الفلاح" يندب" و يصرخ في وجه السماء لأنه فقد كل آماله في الإحتجاج أو مطالبة المسؤولين بالتدخل لحماية مزارعهم و مملتكاتهم و دواويرهم من هذا "الحلوف" الذي يقطع أرزاق أسر عديدة في جبال أزيلال. فبعد يوم كله عناء و عمل و في الوقت الذي يعود الفلاح الى بيته ، يلتحق"أبلخير" بالحقول ليمارس هواياته ، لكونه يهوى المساء و السكون، و يتجنب الظهور في الصباح و في واضحة النهار . معاناة المواطنين في أزيلال مع "الحلوف" اتخذت مجرى آخر أكثر قتامة خصوصا بعد التساقطات التي عرفتها بلادنا التي وفرت الكلأ ، ففي مرتفعات أيت حلوان على سبيل المثال لا الحصر، تراجع المحصول الزراعي السنوي للفلاح بنسب كبيرة بسبب عزوفهم عن ممارسة الزراعة تفاديا لهجمات الخنازير الجائعة"إبلخيرن" و ازدادت معاناتهم من هذه الحيوانات بعد عدم وفاء المحمية بدفتر تحملاتها، الذي يقضي بتوفير العلف و الماء داخل المحمية كإجراء وقائي يحول دون خروجها إلى الدواوير و تهديد المواطنين في أمنهم و ممتلكاتهم . ففي الوقت الذي استبشرت فيه المنطقة الإستفادة من مداخيل القطع المُؤجرة للقنص، تعددت هجمات الخنازير على المواطنين ، و من الحالات ما استدعى نقلها الى المستشفى كما حدث في أيت حلوان منذ سنوات، حيث اعترضت الخنازير البرية سبيل مواطن أعزل و قامت بجرحه جروحا بليغة أجبرته على الإستشفاء في مستشفى واويزغت، و آخرون "جُرجروا" في المحاكم لسنوات و دفعوا غرامات، بعدما تمت إدانتهم بتهمة التهجم على الخنازير. رغم أن العكس هو الذي كان من المفروض حدوثه. أضرار الخنازير في حق المواطن لا تقف عند هذا الحد بل شكل تواجد هذا الحيوان عقدة لعدد كبير من الساكنة الفلاحية التي لم تعد تمارس نشاطها كما هو معهود، خوفا من هجماته و درءا للاصطدام بأرباب المحميات ذوي النفوذ الكبير هنا و هناك.. ناهيك عن الخسائر المترتبة من دوس صيادي "الحلوف" على مزروعات الأهالي. و في مناطق أخرى كمنطقة "ايت واعزيق " بواويزغت و" تامدة " غرب مدينة أزيلال يحول "أبلخير" دون ممارسة بعض الفلاحين المجاورين للمحمية لأنشطتهم الفلاحية كالعادة، كما يرهب التلاميذ الذين يقطعون الطريق في وقت متأخر بعد عودتهم من مدارسهم البعيدة عن مقر سكناهم، و نفس الموقف حدث و لازال لعدد من الأطر التربوية بالمنطقة و هي في الطريق من و إلى مقر عملها. لكن مقارنة مع مناطق أخرى ينزل "الحلوف" "أبلخير" بثقله في منطقة أيت حلوان المجاورة لبحيرة بين الويدان ، إذ تعتبر الأكثر تضررا من هجمات الخنازير، التي تحاصر الفلاح و تحول دون ممارسته لعمله. و في الوقت الذي كان سكان المنطقة في أيت حلوان ينتظرون إنقاذهم من هذا الهم اليومي، و غير بعيد عن منطقتهم ، تنامى سلوك ينبئ بتغير مستقبل محيطهم بعد ارتفاع وثيرة بيع الأراضي للأجانب، و خصوصا في الضفة اليسرى لبحيرة بين الويدان ، فالزائر و المار من المنطقة يشاهد التغيير الكبير على جنبات البحيرة ، إذ لم يعد الوصول الى مياه السد و ملامستها على الأقل مفتوحا في وجه ذاك الفلاح البسيط و الراعي الذي يروي ظمأ ماشيته بين الغدو و العشي من المياه العذبة في البحيرة، و لم تعد جنباتها مفتوحة كما كانت ، في وجه السائح المحلي الذي كان إلى وقت قريب يتجول على طول جنباتها كلما حاول الترويح عن نفسه بعيدا من صخب المدينة و تعب الحياة .. لقد تحولت ضففها الى ورشة كبيرة انتشرت فيها دور النصارى و فنادقهم و مشاريع المستثمرين السياحيين، و لازالت وثيرة بيع العقار للأجانب سارية ... فالعابر من الطريق بمحاداة البحيرة يصادف لوحات تحمل عبارة فرنسيةà vendre » « Terre، مما يعني أن تدفق الأموال إلى المنطقة متواصل و يحمل معه خطر تحويلها الى رقعة تسكنها أغلبية أجنبية... كل هذه المتغيرات جعلت ساكنة منطقة أيت حلوان بين مطرقة الخنازير الجائعة التي تتحول بين الفينة و الأخرى إلى وحوش عنيفة، و سندان استثمارات الأجنبي الذي بدأ يسد كل المنافذ المؤدية إلى بحيرة بين الويدان في وجه الساكنة و الماشية في المنطقة.. و في انتظار إعادة النظر في قوانين بيع الأراضي للنصارى، و الحد من الأضرار التي تسببها الخنازير للساكنة ، مازال دور الدولة ضعيفا في حماية السكان من خطر هجمات "الحلوف" و تهافت النصارى على شراء العقارات بأزيلال لحسن أكرام [email protected]