يوميات الطريق : الكراسة الأولى 1= رسالة المكان يوميات الطريق، في دولاب من خشب، بني داكن عتيق، تفوح منه رائحة العرعار، و الزعتر... وخليط أوراق الشجر... واقف على اليدين والرجلين في ظل ركن مغارة سقفها حجر، وعلى بلاط تراب بني فاتح وحصى نادر مكعب وبالألوان .. المغارة معلقة فوق ربوة على صدر جبل... بجوار طريق لمسرب قديم لم يعرج يوما إلى باب المغارة... تدخلها أشعة الشمس كما ضوء القمر على بساط من ريح، تحط في بالنهار كما بالليل برفق فوق سقف الدولاب، تتوسد مزهرية من طين وتراب... ترتق و على مهل، ظلا لباب المغارة من أوراق القرنفل، ولا شيء آخر يؤثث الدولاب، ولا شيء آخر ، غير التراب و الحجر، وأشعة الشمس بالنهار... وبالليل ضوء القمر... والدولاب في هيئة فيلسوف مسن لم يطعن في سنه ولن يطعن... لأنه يقنع بالقليل، وحكيم... ومعلم ظل العمر كله تلميذ للكبير... وهو هكذا متواضع يفهم في الطب،وعلوم الحساب والفلك،و الحديث مع الكبير والصغير... ويفهم في لغة العصافير... ويغلق على نفسه باثني وخمسين باب. في كل باب قمطر في حجم دفتر. ولكل قمطر قفل ومفتاح من نحاس... وفي كل قمطر كراسة من ستمائة و خمسة وستين ورقة من شجر أو من زهر الشجر... على كل ورقة طريق وصورة... رموز وحقيقة وعلى بعض الأوراق تنعدم الطريق أو تنعدم الصورة... وأوراق أخرى تنعدم فيها الطريق والصورة معا... لمن هذا الدولاب؟ ومن يكن صاحبه و صاحب هذه الكراسات؟ وكيف أتى إلى هذه المغارة وهجر المكان وترك الدولاب؟ والمفاتيح معلقة إلى الأقفال؟ وكأن صاحب الدولاب للتو غادر، ولازال قريبا من المكان؟... لا تستعجلوا فلكل طريق بداية ونهاية، لو نبدأ الطريق من البداية... آه لو كنا بدأنا من البداية، وبإخلاص منذ البداية... وعندما نخطأ نعود مرة أخرى من البداية،وبنفس الإخلاص وإذا عاودنا الخطأ نعود ومرة أخرى وبروح رياضية من جديد إلى البداية... ولو منعتنا أخطاءنا من الخطى إلى الأمام نبقى في البداية... ولا التيه في مكان لا نعرف موقعنا في الطريق... هل نحن في بداية الطريق ام وسطه أم في مؤخرته... هل نسير على الطريق الرئيسية أم أن الطريق الرئيسية رمت بنا إلى الطريق الثانوية... والطريق الثانوية تملصت منا وألقت بنا في دوامة من الطرق أضعنا فيها كل الطرق، نبحث على مسرب أو مسلك أو فجوة علنا نعثر على الطريق فلنبدأ من البداية... لنرى كيف ستكون النهاية... 2=خطاب الطريق نحو البحث عن الحقيقة كانت البداية في الجنة، علم فيها الخالق الأعلى،\"علم ادم الأسماء كلها\"، علم الإنسان علمه بالقلم ما لم يعلم، وخير ادم مع حواء بين الطريق المستقيم، والطريق إلى الجحيم... اختارادم وحواء معا الطريق إلى الجحيم... وهبطا كوكب الأرض عوض الطلوع إلى القمر... \"وناداهما ربهما،ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغقر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين،\" صدق الله العظيم. هبط ادم وحواء اذن على كوكب الأرض، مستقر ومتاع... كد، ونكد... كل واحد منهما في مكان... عاريين... لولا رأفة السماء غطت عورتهما بقليل من أوراق الجنة، ولو أن قلة تلك الأواق كثيرة عليهما، لأنهما عصيا أمر ربهما... والعصا لمن يعصى... والأرض طريق من هنا وطرق من هناك والطريق في كل مكان، حتى في مكان بدون طريق توجد الطريق. هل تعرفون كم كانت تبلغ مساحة كوكب الأرض في ذلك الوقت؟ وكم كانت تزن وحدة ادم وحواء فوق هذا الكوكب الضخم والموحش؟ وكم كان طول الليل والنهار؟ كان ادم وحواء إذا بكيا يبكيان عشرات ومئات السنين... لقد بكى ادم على الجنة ستين عاما وهو يبكي...وربما أكثر... وبكى على خطيئته سبعين عاما وأكثر... وبكى على ابنه القتيل أربعين عاما وأكثر ... والهدايا عند ادم تقاس بالأعوام، فلقد وهب ادم من عمره أربعين عام ليزيدها في عمر ابنه داوود عليه السلام... وسلام عل هبة ادم لابنه داوود العام إذاك يقاس بضوء الشمس والقمر... ولم يكن عدد السكان على كل هذه الأرض العظيمة، لم يكن يتجاوز في ذلك الوقت، زوجين، اثنين، ذكر وأنثى، لا أقل ولا أكثر، وإبليس اللعين إلى يوم الدين... ونحن بنو البشر الآن،كم من الوقت يستغرق بكاؤنا؟ كم مرة نبكي بحق وحقيقي؟ كم من الوقت ننسى جوعنا الآن...؟ لقد نسي ادم وحواء جوعهما ومنذ أكل الخطيئة في التفاحة... أضربا عن الطعام كم عدد من السنوات الضوئية من أجل أن يلقى بعضيهما على الطريق... وحتى من بعد أول لقاء على الأرض ربما بعد مليارات من السنوات الضوئية لم يصدقا اللقاء، وظلا أبد الدهر والى يومنا هذا... والى حد قراءة هذا الكتاب، في يومه وتاريخه ، لازالت حواء تبحث عن ادم وادم يبحث عن حواء... وحتى و إن كانا معا في شقة واحدة،وان شاء الله حتى في غرفة واحدة، ترى أدم يبحث عن حواء وحواء تبحث عن ادم... فالبصيرة الآن بين ادم وحواء، والى كل الأشياء أضحت عمياء، عمياء. كان كوكب الأرض آنذاك لايلبس غير لباس الفصول، وإذا غضب من نفسه ومن لباس الفصول يلبس الطوفان...أو الجليد لعصور وعصور... ولم ترسم عليه بعد خطوط الطول والعرض الوهمية ... ولم تكن عليها خطوطا بهذا الخليط من الألوان، خطوط حمراء، زرقاء، وصفراء، بيضاء... هل عندكم ألوان أخرى فأضيفوا ما شئتم من الألوان وما شاء الله... كما لم يكن كوكب الأرض مقسما إلى مناطق جاه ونفوذ... ومناطق نافعة وأخرى غير نافعة... لم تكن إذاك لا هواتف محمولة... ولا بوابات رقمية... ولا أقمار اصطناعية ، ولا سيارات، ولا طائرات، أو باخرات ولا عبارات... ولا حتى مركب صغير من ورق... لا شيء من هذا ولا شيء من ذاك... ولا غني ولا فقير... ولا دولة غنية، ولا دولة فقيرة، ولا جماعة قروية ولا حضرية... ولا سلطات ولا منتخبين... لا أحزاب يمينية ولا يسارية، لا نظام دكتاتوري ولا نظام ديمقراطي... لا شيء... لا شيء ثم لا شيء... كان كوكب الأرض أضعاف وأضعاف، واحسب حد الإعياء في الجبر والحساب... كان كوكب الأرض إذاك اكبر وبكثير من كوكب الأرض الآن... كوكب الأرض الآن؟ ليس سوى قرية صغيرة أو حتى دوارا...إلا على المستضعفين... ضعاف العقول في حفظ الأمانة، ضعاف العقول في التسيير.. في التدبير... ضعاف العقول لا يرون بعيدا في التربية والتعليم والصحة والتعمير... ضعاف العقول في التشييد... ضعاف العقول في رسم الطريق... ضعاف العقول لا يفكرون في الطريق... ضعاف العقول في كتابة و قراءة الحياة...=ليس الأمي من يجهل كتابة وقراءة الحروف= بل ألأمي من يجهل قراءة الحياة و كلها عبر و دروس وادم كيف وجد الطريق إلى حواء؟ وحواء كيف وجدت الطريق إلى ادم وكل منهما نزل في مكان اختلف فيه الرواة... فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى صدق الله الخالق العظيم. 3=خطاب الطفولة والصورة الطريق زقاق و درب ومسلك ومسرب... ومنفذ في مكان بدون طريق يوجد الطريق الطريق ينفذ في السهول وفي الجبال وفي جوف الأرض.. وفي السماء... وينساب جنب وفوق وتحت سطح الماء... الطريق إلى القلب ليس كالطريق إلى العقل... وكلاهما أحسن من الطريق إلى البطن... هل تستأمنون مني يوميات الطريق؟ كما يستأمنها دولاب من خشب أصيل... رأيته في حلم الصبا... في مغارة في مكان ما، معلقة على صدر جبل ... وكأني لم أدخل بعد إلى الكتاب.. وكأنني كنت أنتظر على أحر من الجمر اليوم الذي سيأخذني فيه الطريق على درب الكتاب مع أولاد الجيران أحمل انا بدوري قلم من قصب في يدي اليمنى، ولوحة في اليد اليسرى وقليل من مسحوق الصمغ الأسود ... لأعبر الزقاق وأحمل صبايا إلى الضفة الأخرى... إلى فوق... ضقت درعا بين الجدران... ضقت درعا باللعب في ورشة متنقلة داخل البيت في الفناء، ألعب تارة وتارة أكل التراب... ورشة بمواد محلية مائة بالمائة يفيض بها المطبخ أو \"منسج \"الجدة... صندوق من الكارتون وشمعة لصناعة سينما...متحركة غير ناطقة علب عود الكبريت وأسلاك نحاسية لصناعة الهواتف القصيرة المدى...متحركة وليست نقالة. علب السردين وسدادات قنينات الزيت لصناعة سيارات السباق، متحركة والعجلات متحركة... و أسلحة وشاشة من عود المكنسات الغير المستعملة... وملصقات منزوعة من لفيف السكر عليها صورة نمر أو نخلة... ومروحية من ورق وقصب وأشياء أخري لو أسمي كل شيء باسمه... آه من وهن اللسان في الضاد لسميت كل تلك الأشياء بالأسماء والمفردات... والدي ضاق هو الآخر من ورشة لعبي مشتتة في كل مكان، كان عندما يشتد غضبه يمطرها بألقاب شتى. مرة لقب\"زريبة\" ولقب \"عاشوراء\" . أفر من غضب والدي احتمي مرة ظهر جدتي... اختفي فوق السطوح وراء كومة من أواني وأدوات غير مستعملة حتى اكتشف هروبي الباب... أقف عند حد الباب يوقفني والدي بالقسم بأغلظ اليمين وبصراخ إن أنا تجاوزت حد الباب، وان عصيت فالعصا لمن يعصى... لم أكن أعصى, ولكن أحيانا أتمرد... أقف عند حد الباب، وأتسمر في الوقوف وأتمرد على الدخول كان يكفيني الوقوف حد الباب لأسعد بفردوس مسور بحائطين واقفين عند حد اللقاء ولو قلتم يلتقيان فسوف لن يحذف الحائط الحائط الذي سبق... عكس ما تمليه قواعد الضاد فيما إذا التقى ساكنين يحذف سبق... الحائطان غير ساكنين،إنهما واقفين... مرفوعين الرأسين يتنفسان يتحركان، يرمقان اللقاء... يحسان بحرارة اللقاء... في كل مرة يؤجلان العناق، يؤجلان الاختلاء... كي يعبر الطريق الزقاق... ويسوي سرير نهر رحل من النفق، ليحتمي فيه ما تبقى من الحائط العتيق ... بقايا حبات عقد سميك من سبائك تراب وطين وعجين التابوت، كانت المدينة أيام زمان تسور به عنق المساكن العتيقة وصك الوصية يقول= النفق لينام فيه الحائط القديم ، ما تبقى من سور السكن العتيق..= أبو مهدي ملك الزهراء الجمعة 31 يوليوز 2009