حتى اليوم مازالت المرأة تغني في دار الأسد للثقافة والفنون، فقد أحيت الفنانة السورية نعمى عمران الأمسية الغنائية النسائية الرابعة ضمن هذا المهرجان بوجود فرقة أورنينا للموسيقى العربية التي يقودها محمد قدري دلال. وبدأت عمران برنامجها الفني الذي حمل عنوان "الحب والطرب على مقامات حلب" بأغنية "ما لنا كلنا جوٍ يارسول" عن قصيدة للمتنبي، وتضمن البرنامج عدة قصائد وأنشودات صوفية أدتها معتمدة على تكنيك الغناء الأوبرالي الذي احترفته أثناء دراستها في المعهد العالي للموسيقى في دمشق. ومن هذه القصائد قصيدتين مرسلة لابن الفارض "مابين معترك الأحداق والمهج" و"قلبي يحدثني"، وقصيدة مرسلة لولادة بنت المستكفي وهي"أغار عليك". كما أحيت موشحات لشعراء وملحنين مجهولين، وذكّرت بأخرى كانت قد اختفت لدرجة أن جيلنا لم يسمع بها نهائيا. وعند انتهائها من كل "مقطع غنائي" كان الجمهور يصفّق بشدة لعله يسترجع بهذا قليلاً مما قد مضى عندما كانت الأغنية العربية تقاس بشدة الكلمة واللحن والصوت، كما صفّق الجمهور كثيراً للفواصل الموسيقية المرتجلة التي أدتها فرقة أورنينا للموسيقى العربية، مثل ارتجالات بشار شريفة على الفيولونسيل وارتجالات غسان عموري على القانون، لكن أروع هذه الارتجالات كان ارتجال محمد قدري دلال على العود الذي كان في بداية الحفل. ولشدة إعجابه، حار الجمهور في تحديد هوية الغناء المقدن، هل هو إنشاد أم غناء أم ترتيل؟ فبين العشق والهوى وبين التصوف واستحضار التاريخ تنقلت نعمى عمران محاولةً ابتكار قوالب غنائية جديدة يمتزج فيها الأداء الشرقي والأداء الغربي معاً. وأرجعنا الجو العام الذي كان سائداً في هذه الحفلة إلى أيام الطرب الأصيل، وذكرنا بحفلات أم كلثوم وكل من عاصرها أو سبقها من مطربات الزمن الجميل، فجلوس الفرقة الموسيقية باللباس الموحد وكلٌ حسب مكانه وصفته، ودخول نعمى عمران إلى خشبة المسرح وجلوسها على كرسيٍ ريثما يحين وقت الغناء، ووقوفها منتصبةً أثناءه حالةٌ افتقدناها كثيراً وصرنا نستغرب وجودها في وقتنا الحالي.