اختارت الفنانة التونسية سنيا مبارك أن تقدم التراث الصوفي بطريقة جديدة تجمع فيها بين الموروث الشعري واللحني ورؤيتها الخاصة كمطربة وملحنة، من خلال عرض "وجد - 2" الذي جاء امتداداً لعرض عام 2004 بعنوان: "وجد". العرض يقدّم رؤية فنية وتصوراً عاماً للفنانة التي انطلقت من نصوص الشعر الصوفي القديم ومن أوراد الطرق الصوفية التونسية والمغاربية مثل محيي الدين خريف والسهروردي والشيخ محمد المدنيني، إلى جانب اعتمادها على ألحان جديدة لتلك النصوص وضعت هي بعضها، ويعود بعضها الآخر لملحنين مثل فتحي زغندة ورشيد يدعس والطاهر القيزاني وسمير العقربي. وتقول مبارك لموقع الحياة: "وإن اختلفت الطرق والمدارس الصوفية بين العصور والأمصار، فإنها تلتقي في حبّ الذات الإلهية ومدح النبيّ الأكرم محمد (صلّى الله عليه وسلّم). وكذلك الشأن في نظرة كبار الأئمة والعلماء المسلمين لما يأتيه المتصوفة من رؤية للدين والدنيا وسلوك يومي عادة ما يكون مختلفاً مع سلوك العامة، فإن هؤلاء وجدوا في المتصوفة وأعلامهم قدوة حسنة للمسلمين بخاصة حين يجتمع لديهم الفقه والتصوف وهو ما يبرز في التصدير الذي ضمنّاه مواقف كبار الأئمة والعلماء من المتصوفة". وتضيف: "كان التصوف والسماع عند مختلف هذه الطرق والمدارس يقوم على الإخلاص للدين والسعي إلى بلوغ درجات من التجلي تنقل النفس من عالمنا الدنيوي إلى مراتب أعلى، ووسيلة هؤلاء نصوص بليغة المعاني وأصوات تحترف الطرب لتشدّ السامع وتحمله إلى درجات قصوى من الانتشاء بالذكر والمدح". ومن هنا يأتي هذا العمل الموسيقي الإنشادي الجديد "وجد - 2"، امتداداً لتجربة أولى قدمتها مبارك عام 2004 وتضمنت مجموعة مهمة من الأشعار الصوفية والابتهالات الدينية التونسية والشرقية منها "يا قمرة الليل"، "نوبة أم الزين الجمالية"، "أشرق". ومن أجل الغوص أكثر في المدونة الشعرية الصوفية لشعراء الأندلس وأبرز الطرق الصوفية مثل الطريقة الشاذلية أو القادرية أوالتيجانية أو المدنية، سعت مبارك إلى إقامة حوار جديد بين أبناء هذا العصر وبين ذاك التراث الكبير الذي "يمثل جانباً من ثقافتنا وتاريخنا الفني والوجداني". وتضيف مبارك: "من هنا نسعى إلى تقديم عرض ينقسم إلى محورين كبيرين هما: التغنّي بحب الذات الإلهية والإخلاص في مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام". وجاءت الرؤية الفنية لهذا العرض قائمة أساساً على العنصر الطربي في التلحين والأداء والتنفيذ الموسيقي الذي قام هو الآخر على مجموعة من الآلات كالناي والقانون والطبلة والدف والتي تجد حضوراً قويّاً في مثل هذه المناخات الفنية. وكما كان لصوت الفنانة سنيا مبارك حضور بارز في هذا العرض الذي جالت به مهرجانات تونسية عدة كان آخرها في مدينة سوسة في الساحل التونسي، فإن الطرب يعتبر مقوماً أساسياً في اللون الصوفي وهو ما يتجلى في تجارب المنشدين الكبار. وشارك مبارك في عرضها ثلة من المنشدين وعازفي البندير والدف الذين أضفوا على العرض جمالية خاصة تكتمل برؤية سينوغرافية مبتكرة لهذا العمل الفني الصوفي الجديد.