الحزب الثاني والثلاثون يقتصر هذا الحزب على سورة واحدة وهي سورة طه، والأمر نفسه بالنسبة للحزب الموالى، إذ يقتصر على سورة وحيدة وهي سورة الأنبياء. وتتوحد السورتان في عرض قصص الأنبياء عليهم السلام، وذلك مواساة للرسول صلى الله عليه وسلم وبيانا لقدرة الله على نصرتة لأنبيائه وجعلهم هم الأعلون. وسورة طه مكية وآياتها 134 آية، وغرضُها تركيز أصول الدين التوحيد، والنبوة، والبعث والنشور. وسميت سورة طه وهو اسم من أسمائه الشريفة عليه الصلاة والسلام، تطييباً لقلبه، وتسليةً لفؤاده عما يلقاه من صدود وعناد، ولهذا ابتدأت السورة بملاطفته بالنداء (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى). ففي هذه السورة الكريمة تظهر شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، في شدّ أزره، وتقوية روحه، حتى لا يتأثر بما يُلقى إليه من الكيد والعناد، والاستهزاء والتكذيب، ولإِرشاده إلى وظيفته الأساسية، وهي التبليغ والتذكير، والإِنذار والتبشير، وليس عليه أن يجبر الناس على الإِيمان. وعرضت السورة لقصص الأنبياء، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطميناً لقلبه الشريف، كما هو الشأن في السورة الموالية، فذكرت بالتفصيل قصة موسى وهارون مع فرعون الطاغية الجبار، ويكاد يكون معظم السورة في الحديث عنها وبالأخص موقف المناجاة بين موسى وربه، وموقف تكليفه بالرسالة، وموقف الجدال بين موسى وفرعون، وموقف المبارزة بينه وبين السحرة، وتتجلى في ثنايا تلك القصة رعايةُ الله لموسى، نبيّه وكليمه، وإِهلاك الله لأعدائه الكفرة المجرمين. وتناولت السورة قصة آدم بشكل سريع خاطف، برزت فيه رحمة الله لآدم بعد الخطيئة، وهدايته لذريته بإِرسال الرسل مبشرين ومنذرين، ثم ترك الخيار لهم لاختيار طريق الخير أو الشر. وفي ثنايا السورة الكريمة تبرز بعض مشاهد القيامة، في عبارات يرتجف لها الكون، وتهتز لها القلوب هَلعاً وجزعاً، ويعتري الناس الذهولُ والسكون (وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا). وعرضت السورة ليوم الحشر الأكبر، حيث يتم الحساب العادل، ويعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار، تصديقاً لوعد الله الذي لا يتخلف، بإِثابة المؤمنين وعقاب المجرمين. وختمت ببعض التوجيهات الربانية للرسول صلى الله عليه وسلم في الصبر وتحمل الأذى في سبيل الله حتى يأتي نصر الله. الحزب الثالث والثلاثون سورة الأنبياء مكية وعدد آياتها ,111 وهي تعالج موضوع العقيدة الإِسلامية في ميادينها الكبيرة الرسالة، الوحدانية البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها، والقيامة وأهوالها، وعن قصص الأنبياء والمرسلين. سميت سورة الأنبياء لأن الله تعالى ذكر فيها جملةً من الأنبياء الكرام في استعراضٍ سريع، يطول أحياناً ويقصر أحياناً، وذكر جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في سبيل الله، وتفانيهم في تبليغ الدعوة لإِسعاد البشرية. حيث ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن غفلة الناس عن الآخرة، وعن الحساب والجزاء، بينما القيامة تلوح لهم وهم في غفلةٍ عن ذلك اليوم الرهيب، وقد شغلتهم مغريات الحياة عن الحساب المرقوب: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ...). ثم انتقلت إلى الحديث عن المكذبين، وهم يشهدون مصارع الغابرين، ولكنهم لا يعتبرون ولا يتعظون، حتى إِذا ما فاجأهم العذاب، رفعوا أصواتهم بالتضرع والاستغاثة ولكن هيهات. وتعرضت السورة لدلائل القدرة في الأنفس والآفاق، لتنبه على عظمة الخالق المدبر الحكيم، فيما خلق وأبدع، ولتربط بين وحدة الكون، ووحدة الإِله الكبير. وبعد عرض الأدلة والبراهين، الشاهدة على وحدانية رب العالمين، تذكر السورة حال المشركين وهم يتلقون الرسول عليه السلام بالاستهزاء والسخرية والتكذيب، وتعقّب على ذلك بسنة الله الكونية في إِهلاك الطغاة المجرمين. ثم تتناول السورة الكريمة قصص بعض الرسل، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً لفؤاده الشريف، وتتحدث بالإِسهاب عن قصة إِبراهيم عليه السلام مع قومه الوثنيّين، في أسلوب مشوّق، فيه من نصاعة البيان، وقوة الحجة والبرهان ما يجعل الخصم يقر بالهزيمة في خنوعٍ واستسلام، وفي قصته عبر وعظات. وتتابع السورة الحديث عن الرسل الكرام فتتحدث عن إِسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإِسماعيل، وإِدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، وعيسى بإِيجاز مع بيان الأهوال والشدائد التي تعرضوا لها، وتختم ببيان رسالة سيد المرسلين محمد بن عبد الله المرسل رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).