الحلقة الثانية استعرضت في الأسبوع الماضي عدة صور وتصورات عن الدين والتدين، وهي تصورات تضر بالدين، بقدر ما تضر بالبشرية، حين تحرمها من التصور الصحيح السليم للدين ورسالته، وللتدين وقيمته، وإذا كنا بصدد تحديد رسالة الدين وجوهره وحقيقته وبصدد تصحيح صورته وتصوره، فإن ذلك لن يكون مقبولا وحاسما إلا باعتماد المباشر على ما نطق به الدين نفسه. ولذلك سأقتصر على سوق نصوص الدين وتقديمها للناظرين. والقرآن الكريم هو مجمع الديانات وخاتم الرسالات، فحسبنا بعض نصوصه المعبرة عن خطاب الله تعالى وقصده وإرادته من إنزال دينه ووضع شريعته، فلنقف عليها ولنقف عندها، فهي كافية شافية: الدين هداية ونور أول ما بعث لأجله الرسل وأنزلت لأجله الكتب، هو أن يكون الناس على بصيرة وعلى هدى، وعلى نور من ربهم، يعرفون الحقائق الكبرى المتعلقة بخلقهم، وغاية وجودهم وحياتهم، وما بعد حياتهم وموتهم، فهذه هي الغاية الأولى والأساس لإنزال التوراة والإنجيل والقرآن، وسائر ما أنزل الله لعباده؛ {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} سورة المائدة .44 {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى موعظة للمتقين} المائدة 66 {الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان} (سورة آل عمران 1 .3 ({قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} سورة المائدة .16 {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} سورة يونس .57 الدين تزكية واستقامة الهداية تقود إلى الاستقامة، ومعرفة الحق تدعو إلى اتباعه، ومجيء النور إنما هو للاستنارة به، وإنما هو للإبصار والاعتبار، وهنا يأتي العنصر الثاني من العناصر المكونة لماهية الدين ورسالته: استقامة وارتقاء، وتزكية ونماء، وصلاح وإصلاح، بهذا بعثت الرسل، وبهذا أنطقت الكتب: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم وموسى} سورة الأعلى 14 .19 {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} سورة الشمس .10 {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} سورة الجمعة 2 {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} سورة الإسراء، .9 {قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم} سورة الأحقاف .30 {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} سورة الأحقاف .12 {قل إنما أنا بشر يوحى إلي إنما إلاهكم إلاه واحد فاستقيموا إليه واستغفروه} (سورة فصلت 6). الدين رحمة ومصلحة وسعادة الله تعالى غني عن عباده وسائر خلقه، غني عن إيمانهم وعبادتهم وأعمالهم، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. وإنما يريد من دينه وشرعه، أن يكون الناس على ما هو أرقى وأزكى، وما هو خير لهم ورحمة، وسعادة وسكينة. ولذلك فهو سبحانه لا يريد بهم عنتا ولا مشقة ولا عسرا، بل يريد لهم عكس ذلك كله. {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء .107 {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} (سورة التوبة 130-129) {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} طه 1 2 {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} (سورة طه) {والذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} (سورة الأعراف 157) {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (سورة الحديد/ 25).(سورة الحديد/25)