اعتبر بعض من حضر الوقفة التضامنية، التي نظمتها عشية أول أمس (الأحد) الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضة الأقصى، إيذانا بنهاية ما وصفوه ب"التراخي" الذي أصاب الشعب المغربي في دعمه للفلسطييين خلال السنة الجارية. ويرجع هؤلاء هذا "التراخي"، في نظرهم، إلى أسباب تجمل في الإحباط الذي أصاب الشعب المغربي بعد نكسة احتلال الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق، فضلا عن تأثيرات أحداث السادس عشر من ماي الماضي الإرهابية وانشغالات القوى السياسية والمدنية الوطنية بالمسلسل الانتخابي الذي شهده المغرب أخيرا. غير أن أصحاب هذا القول يؤكدون، بالمقابل، أن القضية الفلسطينية تظل، رغم كل المتغيرات والأحداث، ثابتة في وجدان الشعب الفلسطيني، لذلك يؤمل من مثل هذه الوقفات، كما يشير إلى ذلك قول عبد الحميد أمين، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن تكون انطلاقة لنفس جديد عند المغاربة في تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ومناهضة الصهيونية". آخرون ممن يقيمون مستوى الدعم المعنوي للمغاربة تجاه الفلسطينيين هذا العام يحملون مسؤولية "التراخي" المذكور سلفا إلى الضعف التعبوي للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، حيث لم تأت، منذ زمن غير هين، أي مبادرة منها لتحفيز المغاربة وتأطيرهم للخروج في احتجاجات ضد الغطرسة الصهيونية التي كثيرا ما حركت الشعب المغربي سنوات مضت. ولم تأت هذه الوقفة الاحتجاجية، التي عرفت حضورا قليلا تجمع أمام سفارة دولة فلسطين بالرباط، فقط لتجديد نفس المغاربة ، كما اعتبر ذلك رئيس الجمعية المنظمة للوقفة، بل إنها تأتي لتجديد الاستنكار بكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني التي أصبحت تدب خطوة خطوة في بلادنا، إذ يقول رئيس الجمعية، في الكلمة التي ألقاها وسط الجمع المحتشد أمام السفارة الفلسطينية، إن هذه الوقفة هي "مناسبة لاستنكار التطبيع الزاحف مع الكيان الصهيوني بكافة بلدان العالم العربي وخاصة المغرب، مجددا، في هذا الإطار، التنديد بزيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني إلى المغرب التي اعتبرها "زيارة تطبيعية تشجع الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني". وكان بيان صادر عن الجمعية المذكورة أكد أنه "بحلول 28 شتنبر 2003 تكون انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والتقتيل والتجويع والحصار قد أكملت سنتها الثالثة وتستعد لدخول سنتها الرابعة"، موضحا أنه "خلال هذه السنوات الثلاث قدم الشعب الفلسطيني و-ما يزال المئات - من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمشردين وتدمير البنيات التحتية للمؤسسات الفلسطينية، إضافة إلى الحصار المستمر، وتوغل قوات الاحتلال المتكرر في المناطق الفلسطينية وهدمها للبيوت". ووصل "الإرهاب الصهيوني"، وفق ما قاله البيان، إلى حد التهديد بطرد الرئيس الفلسطيني المنتخب من طرف شعبه، بل وبتصفيته في تحد صارخ لكل الأعراف وللشرعية وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبدعم وحماية من الولاياتالمتحدةالأمريكية". يونس البضيوي استقت "التجديد" ، على هامش الوقفة التضامنية التي نظمت عشية أول أمس في الذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضة الأقصى، تصريحات صبت مجملها في تقييم الدعم المغربي للقضية الفلسطينية هذا العام، ونورد في ما يلي هذه التصريحات: أبو مروان: سفير دولة فلسطين بالرباط نحن نعتز بهذه المواقف الأخوية الشعبية المغربية التي أقل ما يمكن أن يقال فيها بأنها تعبر عن عمق الالتزام المغربي بالقيم والمقدسات العربية والإسلامية، لأن الانتهاكات التي تمارس من قبل الصهاينة بمجسد الأقصى المبارك إنما تمس العرب والمسلمين في أقدس مقدساتهم. وهذا الموقف الشعبي المغربي إنما يعبر عن أصالة مغربية، ويعبر عن التزام مبدئي والتزام ديني وإخلاص للقيم العربية والإسلامية، ومصداقا للشعار الذي رفعته جماهير الشعب المغربي الشقيق بكونها تعتبر القضية الفلسطينية قضية مغربية وطنية. الأحداث التي تمر على فلسطين هي أحداث متسارعة ومرتبطة بالمد الاستعماري في العالم، لذلك فالقضية الفلسطينية تتقدم عندما يكون هناك تقدم للمد التحرري، وعندما تكون هناك تضحيات جسيمة يقدمها الشعب الفلسطيني نيابة عن الأمة العربية والإسلامية، والشعب الفلسطيني والحمد لله مستمر في التمسك بأهدافه وبمبادئه وفي التضحية التي تحقق هذه الأهداف إلى أن يتم تحرير فلسطين. * محمد العوني: صحافي وناشط حقوقي لا أعتبر أن هناك فتورا في الشارع المغربي بشأن سلوكه تجاه القضية الفلسطينية، لأن كل الفرص التي أتيحت للشعب المغربي كان يعبر فيها بقوة عن دعمه للقضية الفلسطينية، وجميع القضايا العربية الأخرى، وفي مقدمتها حاليا إلى جانب القضية الفلسطينية قضية الشعب العراقي المحتل من طرف القوات الأمريكية.. فالشهور الأخيرة كانت شهور العطلة ثم أتت فترة الانتخابات، كل هذا جعل التعبير المغربي لم يكن في المستوى الذي تعودناه من الشعب المغربي.. وأعتبر أن هذه الوقفة المنظمة اليوم وكذلك التي سبقتها في الأسبوع الماضي تعبران عن بداية تحرك الشارع المغربي من أجل التعبير عن دعمه القوي للشعب الفلسطيني، الذي ينبغي أن ينتقل إلى مستوى آخر من الدعم، فإلى جانب الاستمرار في تنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية وكل أشكال التضامن المعنوي ينبغي أن ننتقل إلى مستوى الدعم المادي والكفاحي المباشر. أظن أن النتيجة التي استطاع كسبها المغاربة بإقفال مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط هي جد مهمة وسيناضل المغاربة من أجل الحفاظ على هذا المكسب، وأي محاولة تطبيع ستواجه بكل قوة، فمن المهم أساسا هو أن يعلم جميع الذين يميلون إلى الهرولة تجاه الكيان الصهيوني أن الشعب المغربي قادر على أن يوقف كل هذه النزعات.. وأعتقد أن محاولات التطبيع، ولو أنها لم تستطع أن تخترق المغرب كبلد وكشعب، فينبغي أن نتجند بكل قوة من أجل مواجهة كل أشكال الاختراق الصهيوني الذي يستدعي التوحد وعدم الاكتفاء بالشعارات، وأن نجعل هذه قضية الشعب الفلسطيني وكذا العراقي أيضا، بعيدة عن كل الحسابات السياسوية. * عبد الحميد أمين: رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صحيح أن هناك فتور في الدعم المعروف تاريخيا للشعب المغربي تجاه القضية الفلسطينية والآن أيضا تجاه الشعب العراقي، وفي رأيي مرد هذا الفتور إلى الإحباط الذي أصاب الشارع المغربي بعد الهزيمة المفاجئة للنظام العراقي ويعود كذلك إلى أحداث 16 ماي الأخيرة، وما دام أن الصهيونية تواصل ضغطها وإرهابها للشعب الفلسطيني فنحن متأكدون من أن الشعب المغربي سيسترجع من جديد نفسه المساند للشعب الفلسطيني وللشعب العراقي ما دام أن القضيتين أصبحتا واحدة. أما بخصوص ظهور بعض مؤشرات التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني فإن موقف جمعيتنا واضح من هذه المسألة، وسبق وأن عبرت عنه في بياناتها الرافضة لكل أشكال التطبيع هذه، أما الشعب المغربي فنعلم أيضا أن موقفه ثابت ولن يتغير من القضية الفلسطينية، فليست زيارة لوزير خارجية صهيوني هي التي ستغير من موقف الشعب المغربي وموقف القوى الحية والمناهضة للاستعمار وللصهيونية وللامبريالية، وبالتالي لا يمكن أن نقبل التطبيع، خصوصا في هذه الفترة التي يشتد فيها الإرهاب الصهيوني علي لشعب الفلسطيني