بات واضحا أن النقاش المطروح حول الحريات الفردية الذي تجدد مؤخرا " قشور ديال البنان" كما يقال لانه يسعى لتحريف النقاش حول الاصلاح، والتشويش على عمل الحكومة ومحاولة ارباكها ، لان هناك تيار سياسي وايديولوجي له نفوذ إعلامي ليس من مصلحته نجاح عملية الاصلاح عبر حكومة نصف ملتحية -كما يصفها - تشتغل بانسجام مع جلالة الملك محمد السادس ، وهو امر بالتأكيد يقلق ويقض مضجع ذلك التيار. فما معنى ظهور مسرحية " ديالي " بالتزامن مع المطالبة بالغاء الفصل 490 من القانون الجنائي - الذي يجرم العلاقة الجنسية خارج مؤسسة الزواج - بدعوة دعم الحريات الفردية . ومامعنى دعوة أحد المراكز النسائية - حسب ماورد في أحد المواقع الالكترونية- المؤسسة التشريعية و الأحزاب و المنظمات العلمانية و منظمات حقوق الانسان لمنع حجاب البنات الصغيرات ، ومامعنى الاحتفاء والاهتمام الكبير لبعض المواقع الالكترونية بالشواذ وانشطتهم ومشاريعم و... ومامعنى تحدي من وصفهم موقع الكتروني بشباب جمعية حقوقية المنع وعرض فيلم "برسيبوليس " الذي عرضته قناة "نسمة" التونسية وتسبب في مشاكل وضجة كبيرة بتونس لما قيل ان فيه "تجسيد الذات الالهية" بل ان الموقع ذاته قال انه تم عرضه بطنجة -والعهدة عليه- بين الشباب. وطبعا لاداعي للرجوع للدعوات أطلقت سابقا من الدعوة لالغاء التجريم القانوني لشراء المسلمين للخمر، والدعوة لافطار رمضان علنا ، واعتبار عيد الاضحى مجزرة وليس سنة أو شيئا من الدين الاسلامي، والدعوة للتطبيع مع الشذوذ الجنسي. هذه الدعوات والتحركات تسعى أولا لفرض أولويات تيار سياسي وايديولوجي يمثل اقلية على اولويات شعب متمثلة في الرغبة بالاصلاح والتنمية والتشغيل والرفع من المستوى المعيشي للناس و احقاق العدالة ومحاربة الظلم والفساد و تشجيع الاستثمار وتقوية الاقتصاد الوطني والرقي بالتربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي والرقي بإعلام مهني موضوعي وبالفن(موسيقى، مسرح، سينما..) و ثانيا لإثارة التيار الإسلامي بشكل عام واستفزازه وجره لمعركة اختارتها أقلية بتصيد ردود افعال ومواقف تفتقد الحكمة لتنطلق ماكينتها الإعلامية في وقت يتطلب الموقف عدم الانجرار لتلك المعركة و تجاهل تلك الدعوات حتى لاتلقى الرواج الذي تبحث عنه من جهة ومن جهة اخرى لأن المغاربة والحمد لله راشدون ولهم من الاحترام والاعتزاز بدينهم وقيمهم ما يحبط احلام تلك الاقلية، و من جهة ثالثة حتى لا يخيل للمراقب والمتابع من الخارج المتابع لنوعية من الصحافة المغربية، وكأن المجتمع المغربي يعاني ازمة هوية ويعيش صراع بين طرف يدعو للحرية والانفتاح وطرف يدعو للانغلاق والحال ان الامر ليس كذلك. مع كامل الأسف هذه الأقلية أو التيار جرب مثل هذه المعارك وفشل فيها ورغم ذلك لم يستوعب الدرس، وهو أنه في كثير من القضايا التي يطرحها وسلف ذكرها تزيد من حجم عزلته في المجتمع، و لا يثير حفيظة التيار الديني كما يعتقد، بل يثير حفيظة الاغلبية الساحقة للمغاربة المحافظة بطبعها و التي ترفض وستضل ترفض أي تسامح مع العلاقات الجنسية غير الشرعية (الزنا) بحجة ان ذلك واقع، لانه لا يطالب عاقل بقبول التسامح مع جرائم السرقة والمخدرات مثلا لانهما موجودين في الواقع ويطالب بإلغاء الفصول القانونية التي تعاقب على ذلك، بل يسعى ويطالب بايجاد حلول معقولة وواقعية للتغلب عليها ومواجهتها . المؤكد أن المغاربة لن يقبلوا ولن يتسامحوا مع الدعوة مثلا للافطار العلني لرمضان، او مع بيع الخمر للمسلمين او كل ما من شأنه ان يتصادم مع النصوص الدينية وخاصة فيما يتعلق بالقطعيات والسنن المؤكدة، وهذا لايعني اننا نعيش في مجتمع مثالي ليس فيه من يشرب الخمر او يزني على سبيل المثال، لان الانسان كما هو معلوم ليس معصوما من الخطأ، لكن هناك فرق بين ارتكاب الذنب مع الاقرار بانه خطأ، والدعوة إليه علنا والتفاخر بذلك، فشارب الخمر مثلا احسن حالا ممن لايشربه ولكن يدعو لشربه علنا، لان الاول يقر ويعترف في حال السكر وغيره انه مخطئ ومذنب ويسال الله التوبة، اما الثاني فيتصادم مع نص ديني قطعي بالتحريم ، وينطبق هذا على الزنا وغير ذلك وفي هذا السياق يفهم القول المأثور "إذا ابتليتم فاستتروا"، وتفهم الشروط الصعبة التي وضعها الإسلام لإثبات جريمة الزنا حرصا منه على صيانة عرض الانسان من اي تطاول. باختصار الانسان حر كفرد في قناعاته وعقيدته بنص القرآن في قوله الله تعالى " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ " وقوله " وقل الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، وحر في سلوكه وتصرفاته ويفعل في نفسه مايشاء (يشرب خمرا أو يفطر رمضان ..) ويتحمل مسؤوليته في ذلك أمام الله لقوله عزل وجل "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ". لكنه قطعا ليس حرا بمنطق الشرع والقانون في فعل ذلك بالفضاء العام او اشهاره والدعوة له داخل المجتمع، ولايمكن للاقلية القليلة أن تفرض أجندتها على الأغلبية الساحقة وهذه ابسط قواعد الديمقراطية، وباحترام هذا يمكن التعايش بدون زوابع تذكر والانصراف لما ينفع البلاد والعباد .