ارتفعت في الآونة الاخيرة أصوات عدد من العلماء والباحثين في الحضارة الإسلامية من أجل دعوة الأثرياء والمحسنين إلى التحبيس في المجالات العلمية والاجتماعية، وذلك إحياء لسنة الوقف الإسلامي وللأدوار التنموية التي كان يقوم بها في المجتمع قبل ظهور الدولة العصرية ومؤسساتها. ويكشف الواقع أن الأثرياء المغاربة الراغبين في التحبيس يتجهون إلى بناء المساجد بالدرجة الأولى وتمويل الكتاتيب القرآنية في القرى والبوادي، فالوقف مرتبط في أذهان المغاربة بالجانب الديني فقط في حين يقول العلماء إن الوقف تتنوع أصنافه حسب الحاجيات المجتمعية وتنفتح مصارفه على كل ما يخدم المجتمع ومختلف فئاته. “التجديد” تفتح ملف الوقف وأدواره التنموية عبر التاريخ؟ وتتساءل عن سبب ضعف إقبال المغاربة على التحبيس في المجالات العلمية والاجتماعية؟ والأولويات التي ينبغي أن يتجه إليها التحبيس؟ كما حاولت “التجديد”الوصول إلى نماذج حية لأوقاف تهدف إلى تحقيق أهداف تنموية والمشاركة إلى جانب مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في إنعاش الحركة الثقافية والفكرية في المغرب وأيضا تغطية الحاجيات الاجتماعية للفئات الهشة في المجتمع، لكن الأمر لم يكن سهلا، إلا أن هذا لا يمنع من وجود نماذج على قلتها نقدمها للقراء كتجارب إيجابية للدور الذي ينبغي أن يضطلع به الوقف في خدمة الإنسان والمجتمع، وهي النماذج التي يمكن أن تشجع المحسنين المغاربة على التجرؤ على ركوب تجربة الوقف من أجل خدمة المجتمع في كل المجالات. تساؤلات... هل الأوقاف هي تركة من الماضي؟ وهل ما زال المغاربة يوقفون؟ العديد من الباحثين والعلماء المغاربة ممن تواصلت معهم “التجديد” أكدوا على ضرورة إحياء سنة الوقف وألا يقتصر على مشاريع صغيرة وفردية ويتجاوز الوقف الديني الذي يركز بالأساس على بناء المساجد،ويتطلعون لأن يصبح المحسنون المغاربة على كثرتهم شركاء حقيقيون وفاعلون في تنمية المجتمع وإنعاش الحركة الثقافية والفكرية في البلاد إلى جانب التفكير في أوقاف تقدم خدمات للفئات الاجتماعية الهشة. ولأجل هذا الغرض يقود عدد من العلماء والمفكرون في مختلف دول العالم الإسلامي والمغرب أيضا حملة من أجل حث المحسنين والأثرياء على التحبيس في مجالات علمية وثقافية وتنموية، ورغم أن الدولة المعاصرة أصبحت هي المسؤول الأول عن توفير التعليم و نشر الثقافة وتقديم الخدمات الاجتماعية إلا أن الواقع يكشف أن الدولة وحدها لا يمكنها أن تضطلع بهذا الدور بدون مشاركة أبناء البلد الميسورين، لذلك صار من الملح أن يعود الوقف ليلعب دوره التاريخية وذلك في إطار ترسيخ قيم الانتماء للمجتمع وجعل أفراد الأمة أكثر استعدادا للمشاركة الفعالة في تبني هموم المجتمع والتخفيف من الإتكالية الشائعة لدى الناس اعتمادا على جهود الدولة، والدولة فقط. وهذا الأمر ليس جديدا، فلقد كانت الأوقاف على مر التاريخ إحدى الروافد الأساسية لبيت المال يصرف ريعه على جهات البر المختلفة من مؤسسات دينية وصحية إلى جانب كثير من المنشآت التعليمية والصحية والمرافق العامة الأخرى. الوقف على المساجد أولا يقول بعض المهتمين بالموضوع ل”التجديد” إن المحسنين الراغبين في التحبيس يرون أن الوقف على دور العبادة أسهل أنواع الوقف وأيسرها وأدومها، فالمحسنون من أثرياء المغرب يريدون القيام بأعمال إحسانية وأن يتركوا بعد وفاتهم “صدقة جارية” تستمر في خدمة الناس بعد أن ينتهي زمنهم الدنيوي ولا يجدون “أسهل “ من بناء مسجد أو مدرسة لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه للاطفال. مصادر “التجديد” قالت إن المحسن يتوفر على المال ويريد ان يستثمره في “صدقة جاري” لكنه لا يملك الوقت الكافي لإنشاء مشروع اجتماعي وتخصيص وقت لمتابعته حتى يضمن تحقيق النتائج المرجوة والوصول إلى الفات المستهدفة بالمشروع، كما أنهم يخشون على مصير ما أوقفوه بعد وفاتهم لعدم ثقتهم في من سيدبره. إقبال أغنياء المغرب على الوقف من أجل تمويل مشاريع تنموية وعلمية ما زال ضعيفا بل إنه يكاد يكون منعدما حسب أحد العلماء، وإذا كان البعض يفسره بما أشرنا إليه سلفا إلا أن الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة يقول إنه لا توجد إشكالات قانونية أو شرعية أمام الأثرياء الراغبين في التحبيس على مشاريع تنموية، ويرى أن العائق الأساسي أمام هذا النوع من الوقف هو “عدم العلم به”، ويؤكد بنحمزة على أن المؤسسات الاجتماعية والعلمية لا يمكنها أن تستمر دون توفرها على أموال تدعمها وتمولها من أجل تقديم خدماتها بشكل أفضل، بنحمزة متفائل ويعتقد أن “هناك بداية وعي بالوقف والإحسان في المجال العلمي والاجتماعي” لكنه يشدد على أن الأولوية ينبغي أن تعطى لمجال محو الأمية على أساس أن التعليم هو البوابة الأساسية لنهضة أي مجتمع. الثروة الوقفية.. وأقسامها بالمغرب نص الفصل 73 من ظهير 19 رجب 1333 الموافق 02 يونيو 1915 على أن: الحبس أموال أوقفها المحبس المسلم ويكون التمتع بها لفائدة أنواع المستفيدين الذين يعينهم المحبس. وينقسم الوقف إلى قسمين: أحباس عامة وأحباس خاصة. وهذا ما أشار إليه الفصل 75 من نفس الظهير حيث نص على أنه: توجد أحباس عامة تديرها الإدارة العامة للأحباس وأحباس الزوايا وأحباس خاصة تباشر عليها هذه الإدارة نفسها حق الرقابة. فالأحباس العامة هي كل ما حبس على جهة من جهات الخير والبر وعلى المساجد والتعليم من عقارات ومصاحف وكتب وأدوات التوقيت كالإسطرلابات والساعات، علاوة على تحبيسات المغاربة على الحرمين الشريفين والقدس. وهذه الأحباس تديرها وتشرف عليها الوزارة مباشرة. أما الأحباس الخاصة والتي تعرف بالمعقبة في المغرب الوقف الذري أو الأهلي في البلدان الأخرى فهو كل ماحبس على أشخاص معينين بذاتهم أو على ذرياتهم من بعدهم. وهذا النوع من الأحباس يديرها المحبس عليهم لكنها تخضع لمراقبة وإشراف الوزارة لكونها تؤول نهائيا غالبا إلى جهة عامة، كما تخضع التصرفات التي تقع عليها من كراء طويل الأمد أو معاوضة لنفس المقتضيات التي تخضع لها الأحباس العامة. الأعيان المحبسة وهي نوعان: 1 الأعيان الموقوفة للانتفاع بها بعينها كالمساجد والمدارس والزوايا ... وينص الفصل السادس من الظهير الشريف الصادر في 06 محرم 1405ه المتعلق بالأماكن لمخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها على أنه: تعتبر وقفا على عامة المسلمين ولا يمكن أن تكون محل ملكية خاصة جميع الأبنية التي تقام فيها شعائر الدين الإسلامي من مساجد وزوايا. كما يلزم هذا الظهير كل من يبني مسجدا أن يبني أو يقتني له مرافق تكون وقفا عليه ويكون ريعها كافيا للصرف على القيمين الدينين به وعلى تسييره. 2 الأعيان التي تستغل ويصرف ريعها على الجهات المحبسة عليها وهي كذلك نوعان: أ الأراضي الفلاحية: وتناهز مساحتها 80.000 هكتار، غالبها يؤجر سنويا للفلاحين لمدد مختلفة، ومنها بعض الأراضي التي قامت الوزارة باستثمارها بالغرس والاستصلاح وتسيرها مباشرة وتبيع غللها بالمزاد العلني. ب العقارات المبنية: وهي المحلات السكنية والتجارية والحمامات وغيرها من المباني ذات العائد وتكرى بأجرة معينة شهرية. ويبلغ عددها 48.433 وحدة تتوزع حسب نوع الاستعمال على النحو التالي: 12482 وحدة للاستعمال السكني وتمثل نسبة 26 % 23785 وحدة للاستغلال التجاري وتمثل نسبة 49 % 9698 ملكا مثقلا بالمنافع وتمثل 20 % 2468 قطعة عارية وتمثل 5 %