في مشهد من العبث السياسي .. النظام الجزائري يواصل التصعيد الأحمق ضد المغرب    مصطفى أزرياح من تطوان يتوج بجائزة محمد السادس ل"أهل الحديث"    حريق بمطار محمد الخامس (فيديو)    حماس تنعي الناطق باسمها بعد استشهاده في غارة إسرائيلية    هل ينتقل نايف أكرد لماشستير يونايتد … بسبب إعجاب المدرب … ؟    خورخي فيلدا يشيد بقدرات لبؤات الأطلس:    الدبلوماسية الجزائرية في مأزق جديد: طرد القنصل المغربي يعكس تخبط وتوتر العالم الآخر    إيداع شابين سجن تطوان للاشتباه في قتلهما لتلميذ    الأمن يوقف أفراد عصابة حاولت اختطاف شخص بأيت ملول    السينما المغربية تحتفل بإطلاق "ماي فراند"    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    الأردن وزواج بغير مأذون    الشيخ عمر العراقي يدعو إلى الشفافية في إدارة المساجد بإسبانيا    محمد مزوز من طنجة يتوج بجائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية في فرع "جائزة التسيير"    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء بشراكة مع جمعية باقي الخير تفرح النزلاء الأحداث بملابس العيد    الدار البيضاء .. تتويج أبناء أسرة الأمن الوطني الفائزين في المسابقة القرآنية الرمضانية    نهضة بركان يُطيح باتحاد طنجة ويحجز مقعده في ربع نهائي كأس العرش    أيها المغاربة .. حذار من الوقوع في الفخ الجزائري    إيقاف ثلاث قاصرات متورطات في سرقة منزل بتجزئة المغرب الجديد بالعرائش    وزير الصحة يؤكد استمرار انخفاض حالات الإصابة ب"بوحمرون" للأسبوع الثامن تواليا    استفزازات متكررة من الجزائر في الأعياد الدينية.. مصادفات متفرقة أم سياسة ممنهجة؟    أمير المؤمنين يحيي ليلة القدر المباركة ويسلم جوائز لأهل القرآن والحديث    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    مبادرة الحوث بثمن معقول إنجازات متميزة وتحديات جديدة في مسار الاستدامة    نشاط احتفالي بمركز "أمل الرباط" النفساني إحياء لليلة القدر    مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي للاحتفاء بمرور 250 سنة على اعتراف المغرب بالولايات المتحدة    "كأس إفريقيا U20" تنظم في مصر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    شراكة استراتيجية بين اتصالات المغرب وإنوي لتسريع تعميم الألياف البصرية وشبكات 5G بالمملكة    صواريخ حوثية تمطر مطار بن غوريون وحاملة طائرات أمريكية واسرائيل تعترض إثنين    السماح لنزلاء المؤسسات السجنية بالتوصل بقفة المؤونة ابتداء من ثاني أيام عيد الفطر لمرة واحدة    مخزون السدود يواصل الارتفاع بالمغرب وسط تفاوت بين الأحواض المائية    مطالب للحكومة باسترجاع أموال الدعم "المنهوبة" من مستوردي الأغنام    في مقهى «الأندلسية» بالقاهرة وعندك قهوة زيادة وشيشة للبيه الأفندي المغربي    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    أداء إيجابي ينهي تداولات البورصة    القضاء الجزائري يحكم على الكاتب بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات مع النفاذ    بوطازوت تضطر للانسحاب من تقديم "للا العروسة" بعد إجرائها عملية جراحية    كرة القدم النسوية .. هذه لائحة اللاعبات المدعوات لوديتي تونس والكاميرون    ألمانيا تدين داعشيا بفضل تعاون مغربي    غزة: 855 شهيدا منذ استئناف الضربات    المنتخب السعودي ضيفا لبطولة الكأس الذهبية "كونكاكاف"    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    عادل أبا تراب ل"رسالة 24″: هذا هو سبب نجاح "الجرح القديم" ومقبل على تقمص جميع الشخصيات    بنعلي : الهيدروكربورات والمعادن مفتاح السيادة الطاقية للمغرب    الجيش والكوكب يعبران إلى ثمن نهائي كأس العرش..    المملكة المتحدة.. الذكاء الاصطناعي في طليعة المعركة ضد الجريمة    حب الحاجب الذي لا يموت..!    رايان إير تضاعف رهاناتها بالمغرب.. 30 مليون مسافر في الأفق    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فيدرالية قطاع الدواجن ترد على الاتهامات .. ردود مهنية على مزاعم المضاربة والتهرب الضريبي    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمالية مقامي التعظيم والخضوع في أذكار الركوع والسجود
نشر في التجديد يوم 17 - 04 - 2012

بعد أن ينتهي العبد من القراءة فإنه يخر راكعا، وينحني لله تواضعا وتعظيما جسده، مبحرا في مقامات التعظيم الإلهي عن طريق التأمل في ألفاظ الركوع، التي ترسم للعبد لوحة خاشعة مسبحة بآلاء المولى العظيم، قال ابن القيم: فثناء العبد على ربه في هذا الركن؛ هو أن ينحني له صلبه، ويضع له قامته وينكس له رأسه، وينحني له ظهره، ويكبره معظما له، ناطقا بتسبيحه المقترن بتعظيمه.(1)
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أدعية من أشهرها قول العبد في ركوعه: «سبحان ربي العظيم ثلاث مرات» (2) وقوله:»سبوح قدوس رب الملائكة والروح» (3) وقوله أيضا:»اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي لله رب العالمين» (4)
والمتأمل في هذه الأذكار العميقة المعنى القوية المبنى، يتذوق العبد سر مقام العبودية من خلال مشهد حركة الركوع وأذكاره، بحيث أن أذكار الركوع تسافر بالعبد نحو مقامات التسبيح، وتنقله لمشاهدة منازل الجمال في طبيعة الذات الإلهية؛ إنه تسبيح تعظيم وتقدير وتوقير لله عز وجل، وهذا هو المقصود من التسبيح في الركوع، والتسبيح معناه هو تنزيه المولى هعز وجل أي نقص في ذاته وإبداعاته، وبذكر عبارات المجد والثناء يعرف العبد مقام ربه، ومقامه عند ربه، فهو الإله العظيم القدوس المستحق للتسبيح، وهو العبد الخاضع المنكسر بين يديه سبحانه.
فأنت إذا أردت أن تثني على ربك نسبت إليه الكمالات التي تعرفها، لكن الله سبحانه منزه عن الكمالات البشرية التي يتصورها عقلك القاصر، والتي قد تصلح أن تنسب لنفسك أو البشر من حولك، لكنها لا تليق بالخالق العظيم سبحانه، وهذا القصور في تصور الكمال لأنك بشر وتفكيرك تفكير بشر، لكنه سبحانه لا تصل إلى عظمته العقول والأفهام، فكل ما خطر ببالك من درجات الكمال، فالله بخلاف ذلك لأنه أعلى وأجل من ذلك.(5)
ويمضي العبد في تذوق مزيد من رشفات التسبيح، خاضع الفكر والوجدان، في تملي عظمة الله، وما يشع منها من بهاء الكمال في أسمائه الحسنى؛ ملكا، قدوسا، سلاما، مؤمنا، مهيمنا، عزيزا، جبارا، متكبرا، بارئا، مصورا، عزيزا، حكيما، فتاحا، عليما... وتنشر الأسماء أنوارها الفائضة من مشكاة الله.. من معاني تملأ غصنك الراكع رهبة في مقام التعظيم.(6)
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:فأما الركوع فعظموا فيه الرب.(7) فكمال العبودية في مشهد الركوع هو استشعار عظمة الله تعالى، وهذا المقام –التعظيم- له مقدمات معرفية نابعة من استيعاب العبد لما يقوله من أذكار في حركة الركوع، قال ابن القيم: وهذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر المعرفة يكون الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به: أشدهم له تعظيما وإجلالا. وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، وأقوالهم تدور على هذا. فقال تعالى:(مالكم لا ترجون لله وقارا){ نوح:13} قال ابن عباس وابن عباس: لا ترجون لله عظمة. وقال سعيد ابن جبير: مالكم لا تعظمون الله حق عظمته؟ وقال الكلبي: لا تخافون لله عظمة... وقال صاحب المنازل رحمه الله: التعظيم معرفة الله.(8)
وبهذه المعرفة اليقينية بالله تعالى وصفاته يسبح العبد في مقاما التعظيم والتسبيح لله تعالى، وتنخرك أعضاء الجسد كلها في هذه الحركة التعبدية، فتصبح كل أعضائه خاشعة متبتلة بحق العبودية، وما من ذرة في جسده إلا تسبح الله تعالى في أعماق أعماقه، وهذا المعنى هو تمثل قول العبد: خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي لله رب العالمين.
هذا وبعد الرفع من الركوع يستعد العبد للانتقال إلى مشهد السجود، وهو أعلى مقام تعبدي في فريضة الصلاة، لأنه يحقق للعبد معنى القرب من الله تعالى، وما الركوع إلا محطة تمهيدية تهييئية ينتقل بها العبد إلى القصد التعبدي الأكبر.
فمع أن الركوع خضوع مستقل إلا أنه بمثابة المقدمة الموصلة لخضوع السجود، ومن هنا ناسب أن تكون صفة الرب عز وجل التي يتلوها المصلي في الركوع بمثابة الإعداد للصفة الأعمق للصفة التي يتلوها في تذلل السجود.(9) إن السجود هو الخضوع التام لله تعالى، والخضوع من أهم القواعد التي يتأسس عليها مفهوم العبودية، قال ابن القيم: ولما كان سجود القلب خضوعه التام لربه أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم القيامة، كما قيل لبعض السلف: هل يسجد القلب؟ قال:أي والله سجدة لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله عز وجل. إشارة إلى إخباث القلب وذله، وخضوعه، وتواضعه وإنابته وحضوره مع الله أينما كان...(10) وقال محمد الغزالي: والحكمة من إقامة هذه الأركان تدريب الناس على طاعة الله وإحسان الخضوع له والبعد عن الرذائل التي زجر عنها.(11)
وجمال مقام الخضوع يظهر جليا في أذكار السجود، وقد تعددت هي الأخرى؛ وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات.(12) وهذا الدعاء يرسم لنا لوحة روحانية سامية، إذ أن العبد في سجوده يسبح الله تعالى بعلياء رفعته، فهو العلي الأعلى الذي ليس فوقه شيء، وبهذا المشهد نستشعر بأن كلما تذلل العبد إلى الله في سجوده كلما دل على قدر الله عنده، وعلى قدره عند الله تعالى.
وقد ورد أيضا أن النبي كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين.(13) قال أبو شادي: فردد هذا الدعاء في نوبة حياء تعتريك من التوالي إلى نعم الله عليك مع توالي عصيانك له، وتتابع إحسانه مع تتابع إساءاتك، لتتحول هذه السجدة إلى سجدة حب بين يدي مولاك، وهذا الذكر يدفعك إلى التلذذ بالسجود والإطالة فيه، حين تذكر نعمة الله عليك وقد شق لك سمعك وبصرك وصورك في أحسن صورة، وتأمل حالك إن عشت في عالم من الظلام الدامس ساعة من النهار كما يعيش العميان، أو توهم العيش في عالم الصمت الرهيب برهة من الزمن كالصم لتدرك قيمة نعمة الله عليك.(14)
و كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل في السجود، حيث كان مقدار سجوده مقدار خمسين آية، وكان يقول: إذا صلى أحدكم فليتم ركوعه، ولا ينقر في سجوده، فإنما مثل ذلك كمثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين، فماذا يغنيان عنه. (15) والمقصود من الإطالة في السجود هو تحقيق النظر في منازل الجمال في مقام الخضوع والتذلل لله تعالى، واستشعار قرب الله تعالى، وتمثل معاني العبودية الحقة.
ثم إن من طبيعة انحناء الركوع تتناسب مع الشعور بعظمة الخالق عز وجل والتعبير عنها. أما طبيعة وضع الجبين على التراب وإلقاء الذات وإفنائها بين يدي الله عز وجل فتتناسب مع الشعور بسموه تبارك وتعالى والتعبير عن هذا السمو بصفة الأعلى.. مطلقة شاملة.(16)
وخلال هذا التحليل نرى أن هذين الركنين أساسيين في الصلاة، وأورادهما تدل على عمق في التأمل الناقل إلى الخشوع في الصلاة، وتذوق حلاوة وجمال الحركة التعبدية التي يقوم بها المسلم خلال يومه، وتساعده على الدخول في عالم من الروحانيات العالية وسفر وجودي يرى من خلاله مقامات الذكر والتسبيح والعظمة الإلهية، ويسمع الإله وهو يقول له « واسجد واقترب» (17)
(1) - ابن القيم: أسرس الصلاة:93 (2) - رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني والبزار والطبراني (3) - رواه مسلم وأبو عوانة (4) - رواه النسائي بسند صحيح (5) - د.خالد أبو شادي: أول مرة أصلي:50 (6) - د.فريد الأنصاري: قناديل الصلاة:39 (7) - رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن ابن عباس (8) - ابن القيم: مدارج السالكين: ج 2 /398
(9) - علي كوراني: فلسفة الصلاة:282 (10) - ابن القيم: أسرار الصلاة: 98 (11) - محمد الغزالي: الجانب العاطفي من الإسلام:54 (12) - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم (13) - رواه مسلم وأبوا عوانة والطحاوي والدارقطني ( 14) - د.خالد أبو شادي: أول مرة أصلي:68
(15) - حديث حسن رواه تمام ابن عساكر عن أبي عبد الله الأشعري (16) - علي كوراني: فلسفة الصلاة:282 (17) - سورة العلق: 20


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.