تعيش فرنسا هذه الأيام على وقع جدل سياسي قوي، وذلك بعد إثارة زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف مارين لوبين لموضوع الانتشار الواسع للحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية. إذ تحاول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين الربط بين هذا المظهر والوجود المؤثر والمتنامي للجالية المسلمة في فرنسا. وتتذرع لوبين في الحملة الشرسة التي تقودها ضد انتشار اللحوم «الحلال»، بالمعاناة التي تتعرض لها الحيوانات المذبوحة على الطريقة الإسلامية، وتعتبر أن في الأمر اعتداء على حرمة هذه المخلوقات التي تنص القوانين الفرنسية والأوروبية على حمايتها، وتشير إلى أن غالبية الفرنسيين يتعرضون للغش في مشترياتهم المتعلقة باللحوم. إلى ذلك بررت لوبين في حديث لإحدى القنوات المحلية دافعها مؤكدة أن قيم الجمهورية باتت تندثر، واصفة الجمهورية التي يعيش فيها الفرنسيون اليوم بالغامضة.وأكدت أنها لو لم تكن موجودة لما قام أحد بما تقوم به لإنقاذ الجمهورية. واتهمت لوبين الزعماء السياسيين الفرنسيين بالكذب على الشعب الفرنسي، مشيرة إلى بروز سلوكيات تمس أسس الجمهورية كإقامة الصلاة في الشوارع والأماكن العامة وانتشار اللحوم الحلال. وأدى موقف لوبين هذا إلى استقالة بول لاموتييه، أحد قيادات الحزب اعتراضا على نزعتها العنصرية وكراهيتها للعرب. وبرر لاموتييه خروجه من الحزب بأساليب العنصرية «النتنة» التي تستخدمها لوبين، التي اتهمها بالعنصرية والكراهية تجاه العرب. وكان الأمين العام لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الحاكم، جيان فرانسوا كوبيه طالب زعيمة اليمين المتطرف بمعاقبة لاموتييه الذي وصفه بأحد كبار باعة اللحم الحلال في فرنسا. ويتهم مراقبون اليمين المتطرف بركوب موجة العداء للمسلمين والعرب، ويعتبرون أن اليمين يستخدم المغالاة في الخطاب المتطرف والمزايدة الإعلامية لكسب أصوات الناخبين، وأنه لم يعد يتبنى من البرامج سوى التحريض على المسلمين ومضايقتهم كسلاح في الدعاية الانتخابية. حرب الأرقام في السياق ذاته، زعمت مارين لوبين أن معظم اللحوم الموزعة على عموم التراب الفرنسي هي لحوم مذبوحة على الطريقة الحلال، وأشارت إلى أن ثلاثة مسالخ من أصل أربعة تُذبح على الطريقة الإسلامية، مضيفة أن ما بين 40 % و45 % من هذه اللحوم هي لحوم إسلامية. لكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فنّد مزاعم لوبين، واصفاً الأرقام بالكاذبة. وأشار إلى أن 2.5 % فقط من أصل 200 ألف طن من اللحوم التي توزع سنويا في فرنسا، هي لحوم حلال. ومن جهته، وصف رئيس الرابطة المهنية الوطنية للمواشي واللحوم في فرنسا تصريحات لوبين «بالكاذبة» والموظفة لأغراض سياسية، وقال إن الكثير من اللحوم التي تُستعمل في فرنسا ليست مذبوحة على الطريقة الحلال. كما أكد أن هذا الجدل ليس جديدا، مشيرا إلى أن مرسوم عام 1964 ينص على أن الحيوانات يجب أن تخضع لعملية صعق قبل الذبح لأن الأمر سيخفف من معاناتها. استنكار ومن جهة أخرى استنكَر مسئولو الهيئات الإسلاميَّة واليهوديّة تصريحات فرانسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي، الذي دعا إلى إعادة النظر في تقاليد الذبح على الطريقة الشرعيَّة، باعتبارها طرقًا قديمة لا تتناسب مع مدنية وحداثة بلاده. وأعرب دليل بوبكر عمدة مسجد باريس، عن استيائه من تصريحات رئيس الحكومة الفرنسيَّة، مشيرًا في تصريح لإذاعة «أوروبا 1» إلى أنّ الجدل بدأ بالنقاش الذي نظمه حزب الاتحاد من أجل حركة شعبيّة الحاكم في 5 أبريل 2010 حول العلمانيّة، والذي دار في الحقيقة حول زعزعة مكانة الإسلام والحد من صلاحياته في المجتمع الفرنسي، فيما عبر محمد موسوي، رئيس المجلس الفرنسي الإسلامي، عن رفضه أن ينجر الإسلام والمسلمين إلى أن يكونا ضحية الحملة الانتخابيّة. وكان ريتشارد براسكييه رئيس مجلس الهيئات اليهوديّة بفرنسا أعرب الاثنين الماضي عن صدمته من تصريحات فيون «المذهلة»، والتي قال إنها تحمل شيئا من «الإذلال» وأنها «مخالفة لتقاليدنا الجمهوريّة».