حصالات الأطفال تتخذ أشكالا مختلفة يتسلمها الأطفال ببراءتهم على أنها لعب يمارسون بها لعبة اسمها اسمها جمع القطع النقدية، ليكتشفوا مع تقدم الأيام أنها حيلة من الآباء لمنع الأبناء من شراء الحلويات وغيرها من مشتريات الطفولة، بل ليدركوا وهم كبار أنها وسيلة تربوية لتعليم الأبناء فن الادخار والتحكم في صرف النقود. من الأطفال من يوفر نقود الحصالات لشراء اللباس ومنهم من يوفرها للاستفادة من مخيمات وأسفار مسلية بل منهم من يدخرها حتى تصبح قيمتها أكبر مما كان يتصور الآباء لشراء مجوهرات، لكن الأهم أن فرح الطفل بصوت النقود في الحصالة يتحول إلى شغف لمعرفة ماذا سيشتري بها إن تكاثرت ليدرك في النهاية أن هدية من قبيل الحصالة لم تكن عبثا بل لغاية في نفس يعقوب. أستاذ علم الاجتماع حسن قرنفل يدعو إلى الاعتدال في تعليم الأطفال للادخار حتى لا يتحول الطفل من ممارس لهواية جمع الأموال إلى بخيل لا يستطيع صرف أمواله عند الكبر. الحصالة بدل "مول الحانوت" اعتادت "مروة" ابنة الثلاث سنوات على الاتجاه صوب "مول الحانوت" كلما تمكنت من حصد نقود، سواء من والديها أو من الضيوف، لتشتري أنواع الحلوى والشوكلاتة وغيرها من المشتريات الطفولية، وهو الأمر الذي أصبح يؤرق بال أمها أولا وأبيها ثانيا. اهتدت الأم بعد أن شكت أمرها لإحدى صديقاتها إلى شراء "حصالة" لمروة. صرحت "ن. ه" ل "التجديد" أنها قصدت محلا تجاريا بحي يعقوب المنصور بالرباط فوجدت ضالتها متمثلة في أشكال مختلفة من الحصالات مثيرة للأطفال إذ بعضها مصنوع من البلاستيك على شكل لعب للأطفال، والبعض الآخر مصنوع من القصدير لكنه عليه رسومات لشخصيات يحبها الأطفال من خلال البرامج التلفزيونية الخاصة بالأطفال، كل هذا شجع أم "مروة" على اقتناء "الحصالة" من أجل إقناع هذه الصغيرة بملئها بدل التوجه في كل مرة لشراء الحلوى، وزادت الأم في الإقناع بأن ما ستجمعه الطفلة هو ملك لها وستشتري لها به الأم ما ترغب فيه. قالت الأم إنها وجدت صعوبة في البداية لكنها مع مرور الأيام نجحت في إبعاد النقود عن " مول الحانوت" وتوجيهها نحو "الحصالة"، مشيرة إلى أنها ارتاحت حتى من هم خوفها على أمعاء بنتها مما تشتريه كل مرة من "مول الحانوت"، بل إن مروة ملأت الحصالة الأولى واشترت لها أمها الثانية، واعتادت على شراء حصالة كلما امتلأت واحدة، وتجد انتعاشة عندما تريد شراء كسوة العيد أو لعبة كبيرة فتجد أن حصالتها تفيدها في إتمام ثمن ما تريده، وهكذا ارتاحت الأم وفرحت البنت التي لم تدر أنها بجمع النقود وهي صغيرة تعلمت فن الادخار لكبر سنها. "الحصالة" وتكوين الشخصية يبدو جمع الأطفال في الصغر للنقود في "الحصالات" أمرا بسيطا لكنه مع مرور الوقت يتحول إلى سلوك للطفل تجاه المال، ليتحول في نهاية المطاف إلى مؤثر في شخصية الطفل. ويرى محمد الهبري، حارس عام بمركز تكوين أطر الشباب التابع للمعهد الملكي لتكوين الأطر من خلال ما تتم ملاحظته في مخيمات الأطفال، حسب تصريحه ل "التجديد"، أن بعض الأطفال لديهم طريقة واضحة في صرف مصروفهم مما يدل على أن هؤلاء تعلموا طريقة تدبير مصروفهم في أسرهم. وفي الوقت ذاته هناك بعض الأطفال يفرغون مكبوتاتهم، إذا كانوا ممن يعانون من شح آبائهم، ولذلك فهم أثناء المخيم تبدو عشوائيتهم في صرف مصروفهم، وهنا تظهر علاقة الأب بابنه. وخلص الهبري إلى أن طريقة صرف المصروف تبرز إلى حد ما علاقة الابن بوالديه ومدى انتباههم إلى علاقة المصروف بشخصية الطفل، ليؤكد المتحدث نفسه أن تمكين الطفل من مصروف خاص هو بمثابة استقلال نفسي، وينبغي أن يكون، من وجهة نظره، بعد تكوين فكرة عن الابن من خلال تجريبه. ومن هنا نجد أن تدريب الطفل من خلال تعامله مع الحصالة يساهم في تكوين علاقة الطفل مع النقود في مختلف محطات حياته ومنها محطة مشاركته في التخييم الذي تبرز فيه عدة سمات شخصية للأطفال لأنهم يكونون بعيدين عن أسرهم. ولعل تشجيع الطفل المدخِر والطفل المستثمر ومساعدته ينمي لديه التميز بالعقل المبدع والشخصية القيادية مما يساعده على فن التدبير والتوفير واستخدام موارده المالية بشكل متوازن بين الاستهلاك والادخار والاستثمار. ايجابيات إعطاء المصروف للطفل يرى الدكتور محمد عباس نور الدين، في كتابه «التنشئة الأسرية: رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها والإشكاليات التي تطرحها» أن من إيجابيات إعطاء المصروف للطفل من وجهة نظر المختصين في قضايا التربية الأسرية أنه يسمح له بأن يتعامل مع أشخاص خارج الأسرة. وهذه الخطوة هامة في النمو النفسي والاجتماعي يجب تشجيعها. والإيجابية الثانية لإعطاء الطفل مصروفه الخاص أنه يتعود من خلال التصرف بمصروفه على مفهوم الأخذ والعطاء، ومفهوم الحقوق والواجبات، ومفهوم الملكية الخاصة، فالطفل الذي يذهب إلى الدكان ليشتري من مصروفه الخاص قطعة حلوى أو لعبة، يدخل في علاقة اجتماعية هامة، إذ عليه أن يبتاع من الدكان ويدفع ثمن ما اشتراه، ويقوم بعملية حسابية هي الأولى من نوعها في حياته، إذ يقارن ثمن السلعة التي يريد شراءها بالمبلغ الذي لديه، ويصل إلى اتخاذ قرار بشراء السلعة أو عدم شرائها، وبحسب المبلغ الذي سيبقى له إذا ما اشترى السلعة أو المبلغ الذي يحتاجه زيادة على مصروفه لشرائها، إلى غير ذلك من العمليات الحسابية التي ما كان له أن يدركها لولا ممارسته الواقعية لهذا الموقف. والإيجابية الثالثة لإعطاء الطفل مصروفه الخاص، أن المصروف يتيح له أن تكون له أشياؤه الخاصة به، وعليه صيانتها، وبذلك يميز بين ما له وما للآخرين، إلا أن على الوالدين عدم المبالغة إلى درجة تدفع الطفل للأنانية وجشع التملك. وإنّ توفير حاجات الطفل، وتلبية طلباته المعقولة، والتي من ضمنها منحه مصروفا خاصا به، له حرية التصرف في إنفاقه، يساعد الوالدين في تنشئته على عزة النفس ومناعة الطبع والاستغناء عن الناس، وهذا الخلق لا يمكن أن يترسخ في نفس الطفل وهو يعانى الحرمان ويشعر بالنقص تجاه الآخرين. رأي علم الاجتماع قال حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، ل "التجديد" بأن هناك رؤية مزدوجة تجاه حث الأطفال على جمع النقود التي يتلقونها من آبائهم أو أقربائهم في الحصالات، فالرؤية الأولى إيجابية وتتجلى في مساعدة الطفل على كسب سلوك عقلاني اتجاه المال في المستقبل يتسم بالدقة والموضوعية بعدم صرف الأموال في أشياء تافهة. أما الرؤية السلبية حسب قرنفل فتتجلى إذا تمت المبالغة في كون حرمان الأبناء من صرف دراهم معدودة حسب اختيارهم قد يؤدي بالأطفال إلى كسب سلوك البخل، وهذا له جانب سلبي يقول المختص في علم الاجتماع. ويرى قرنفل أن أحسن الطرق التي يجب على الآباء انتهاجها هي الاعتدال إذ يترك الطفل ليستمتع بشراء ما يرغب فيه، وفي الوقت نفسه يتم نهيه عن الإسراف في صرف ما يتوفر عليه من نقود، مشيرا إلى أن سلوك الشخص في التعامل مع المال بعد نضجه تحدده عدة عناصر منها عنصر تربية أهله له منذ الصغر سواء بالاعتدال أو غيره.