بدأت يوم الاربعاء 4 يناير 2012 ثاني حكومة اسلامية تشكل في المنطقة بفعل انتفاضات الربيع العربي، فبعد اقدام السيد حمادي الجبالي على تشكيل حكومة ائتلافية في تونس بقيادة حزب النهضة، ها هو الدكتور عبد الاله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي يعلن تشكيل حكومة ائتلافية مماثلة للمرة الاولى في تاريخ المغرب. انه الاختبار الاصعب لحركات واحزاب الاسلام السياسي، التي ظلت دائما في خنادق المعارضة، ويتنقل زعماؤها(تونس) بين السجون بتهم عدة بينها الارهاب، ومحاولة قلب انظمة الحكم ، او زعزعة استقرار البلاد. فليس هناك اسهل من الوقوف في خندق المعارضة وانتقاد الحكومات الليبرالية او غير الاسلامية وبرامجها وتضخيم عيوبها ونواحي قصورها. الدكتور بنكيران شخصية ديناميكية معروفة بانفتاحها على التيارات الاخرى غير الاسلامية، وابداء الاستعداد للتعايش معها، وهو لا ينكر ضخامة الاختبار الذي تقف حكومته وحزبه على ابوابه، فقد اعترف يوم امس وهو يعلن تشكيلة حكومته واسماء الوزراء المشاركين فيها بان مهمة رئيس الحكومة " ليست بالهينة" وقال "ان المغرب في حاجة لرجاله ونسائه لبناء مستقبل زاهر للاجيال المقبلة"، معربا عن قناعته بان المواطن المغربي "قادر على تحقيق المعجزات". وهو محق في ذلك فكل ما يحتاجه هذا المواطن ليحقق المعجزات هو حكومة نزيهة تتمتع بقدرة ادارية جيدة، وشفافية عالية، وتكريس مبدأ المحاسبة وقطع دابر الفساد، وتقديم الكفاءات على الولاءات الحزبية والمناطقية، مثلما كان عليه الحال في معظم الحكومات السابقة. التحديات الاقتصادية هي الأكبر التي تقف في طريق الحكومة، وتتطلب جهدا إعجازيا لمواجهتها فمعدلات البطالة في اوساط الشباب تزيد عن عشرين في المئة، ومصادر الدخل الاساسية مثل الزراعة والسياحة والصناعات التكميلية بحاجة الى نظرة إدارية جديدة تحقن مزيدا من الاستثمارات العربية والاجنبية في عروقها حتى تعطي ثمارها وظائف للعاطلين جنبا الى جنب مع المزيد من الاموال لخزينة الدولة التي تعاني من عجوزات وانيميا مالية حادة. نتفق مع الكثيرين بان وجود امرأة واحدة في التشكيلة الوزارية وفي وزارة غير اساسية كان نبأ غير سار، وبداية غير جيدة لاول حكومة يشكلها الاسلاميون في المغرب الحديث، فالمرأة المغربية لعبت دورا كبيرا في انتفاضة المغرب الاصلاحية، وتملك كفاءات عالية في المجالات كافة، والمأمول ان يتم تدارك هذا القصور في تعديلات وزارية قادمة. لكن من الخطأ اطلاق احكام متسرعة، وسابقة لاوانها، على هذه الحكومة، وقبل ان تبدأ عملها وتطبيق برامجها على الارض. المغرب يقف على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة، تجسد تمثيلا أكبر لرغبة الشعب، والاحتكام لصناديق الاقتراع والانتخاب الحر الشفاف، وهذه خطوة تستحق التنويه والإشادة، ولذلك لا نتردد في أن نهنئ المغرب بديمقراطيته وحكومته الجديدة، ونتمنى لها في الوقت نفسه النجاح في مهمتها الصعبة.