دخل الصراع على السلطة والنفوذ داخل حركة "فتح"، مرحلةً جديدةً من الخلافات والانقسام، وكشف الفساد المستتر، وذلك بعد إصدار اللجنة المركزية للحركة قرارًا نهائيًّا بفصل عضو اللجنة محمد دحلان، وتحويله للقضاء بتهمة الفساد والضلوع في جرائم اغتيالات، والذي لوح وأنصاره بالتصعيد. ففي خطوة لم تكن مفاجئةً للمراقبين والمطلعين على حجم الخلافات بين رئيس السلطة محمود عباس ودحلان، أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح مساء الأحد (12-6) قرارًا بفصل دحلان بشكلٍ نهائيٍّ وتحويله للقضاء وتوفير أرضيةٍ لاجتثاث أنصاره والمحسوبين عليه في مؤسسات السلطة والحركة. مصير دحلان وجاءت هذه الخطوة لتطرح التساؤلات عن مصير دحلان الذي استطاع خلال سنوات قليلة بدعمٍ أمريكي وصهيوني أن يحتل موقعًا كبيرًا في حركة فتح والسلطة التابعة لها، مارس من خلاله التخريب والتنكيل بحق حركة حماس وقوى المقاومة من خلال مواقعه المتعددة، قبل أن يتحالف مع عباس للإطاحة بياسر عرفات قبل أن ينقلب على حليفه الجديد في إطار دوامة الصراع على السلطة والنفوذ التي لا تنتهي داخل حركة "فتح". وبالرغم من أن الاتهامات بالفساد والإثراء الفاحش والتورط في جرائم اغتيالات وتنظيم عصاباتٍ للقتل، تهمٌ لاحقت دحلان على مدار سنوات، من قبل المجتمع الفلسطيني إلا أن حركة فتح غضَّت الطرف عن هذه الحقائق وتمسَّكت به قائدًا كبيرًا إلى أن تهجَّم على عباس وأنجاله واتهمهم بالفساد، لتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من الصراع الكبير بينه وبين عباس الذي نجح على ما يبدو في تقليم أظافره. دحلان الذي كان يكتفي في السابق بتسريباتٍ عن فساد عباس وأنجاله والدائرة المحيطة به، خرج هذه المرة عن صمته ونشر رسالة مكتوبة وتسجيلات صوتية تحدث فيها عن بعض جوانب الفساد المالي لعباس لا سيما استيلاؤه على أموال صندوق الاستثمار وأموال حركة "فتح" وهي الخطوة التي عجلت في قرار فصله. فريق دحلان يتحرك بخطواتٍ مضادةٍ وعلى وقع القرار وتأثيراته المحتملة على فريق دحلان في حركة فتح، سارع هذا الفريق بالتحرك، حيث تداعى قادة فتح لاجتماعٍ في غزة اليوم الاثنين (13-6) لمناقشة هذه التطورات، معتبرين أن ما يجري استهدافٌ لحركة فتح في القطاع. وضمن ذات التحرك المضاد لخطوة اللجنة المركزية، اعتبر 11 نائبًا من حركة فتح 10 منهم من قطاع غزة، في بيان مشترك ان ما يحدث مع دحلان "اعتداءٌ صارخٌ على القانون الأساسي". وقالوا إن دحلان "منتخبٌ بأعلى الأصوات في محافظة خان يونس ويتمتع بالحصانة البرلمانية الكاملة" مشددين على عدم جواز توزيع الاتهامات عبر الإعلام دون صدور قرارات قضائية من المحاكم المختصة. واعتبر نواب فتح أن فصل دحلان وإحالة ملفه إلى لجنة التحقيق والنائب العام أو محكمة الفساد " إهانةٌ للمجلس التشريعي ومسٌ صارخٌ بالقانون". أما دحلان فوصف في تصريح متلفز القرار بأنه غير قانوني، مشددًا على أن عباس كان يريد اتخاذ مثل هذا القرار منذ عشرة أشهر، معتبرًا أنه سيواصل مشواره في حركة فتح. بدوره، شن القيادي في حركة فتح بغزة صلاح أبو ختلة هجومًا لاذعًا على اللجنة المركزية للحركة لاتخاذها قرار الفصل. وقال أبو ختلة في بيانٍ له " غزة لم تقل كلمتها بعد والآن نقول لكم إن أبناء وكوادر حركة فتح في كل مكانٍ لن يصمتوا عن هذا العبث في الحركة لأنكم باختصارٍ غير مؤتمنين على هذه الحركة". ووصف قرار فصل دحلان بأنه "وصمة عارٍ على جبين اللجنة المركزية"، معتبرًا أن اجتماع اللجنة المركزية الأخير (مساء السبت) استهدف بشكلٍ مباشرٍ كوادر حركة فتح في قطاع غزة أولاً ومحمد دحلان ثانيًا. وقال: "توافقنا كمجموعة أصدقاء وكادر فتحاوى مع الأخ محمد دحلان أن يلتزم الصمت تجاه تسلسل الأحداث التي تجاوزته لتطال كل المحيطين به والتي اشتممنا منها رائحة الحقد والحسد والكراهية، وهو ما لم نعرفه ولم نتربى عليه في حركتنا الآبية". وأضاف "إكراما لوحدة الحركة التزم دحلان الصمت طيلة هذه الفترة وتعددت لجان التحقيق مصاحبة لحملة إعلامية غير مسبوقة عبر وسائل إعلامية يفترض أن تدافع عن عضو لجنة مركزية منتخب". واعتبر أبو ختلة أن كل ما حدث "إنما يدلل على أن هذه اللجنة غير مؤتمنة على الحركة ومقدراتها وتاريخها وتراثها الذي عبد بدم الشهداء ومعاناة الأسرى". من جهة أخرى قال عدد من أعضاء المجلس الثوري أن الأوضاع في قطاع غزة "لم تعد تحتمل وان هناك غضب واسع في صفوف كوادر وجماهير الحركة ليس بسبب المواقف من دحلان فحسب وإنما بسبب الإهمال والتهميش الكبير من قبل اللجنة المركزية لقطاع غزة بشكل عام". واللافت أن كل فريق بدأ يكيل للطرف الثاني الاتهامات بالفساد والتورط في جرائم قتل وخيانة، ما يكشف المستور الذي طالما تهامس الشارع الفلسطيني بحقه، ما يطرح تساؤلات جدية عن سباب غياب العدالة عن ملاحقة الطرفين.