نظم مختبر اللغة والإبداع والوسائط الجديدة بشراكة مع مركز الدولة الدولي لحوار الأديان مؤتمرا دوليا حول دور الأديان في تعزيز قيم المعرفة بين الواقع والمأمول وذلك يوم 4 و 5 ماي بقاعدة الندوات برئاسة جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وقد شارك في هذا المؤتمر العديد من الباحثين المتخصصين من داخل المغرب وخارجه، وقد تضمن المؤتمر العديد من الأوراق المهمة والأفكار الجديرة بالنقاش. العلم والإيمان.. أية علاقة؟ ومن جهتها اعتبرت الدكتورة فريدة زمرو أستاذة التفسير وعلوم القرآن بدار الحديث الحسنية في مداخلتها المعنونة ب'' العلاقة بين العلم والإيمان قراءة في مفاهيم العلم والتسخير في القرآن الكريم ''ان علاقة العلم بالإيمان في القرآن الكريم تتجلى في مظهرين: الأول يكشف عنه المعجم المفهومي القرآني الذي نلحظ من خلاله استعمال القرآن الكريم لعدد من المفاهيم التي يتقاطع فيها العلم والإيمان. والمظهر الثاني: يبدو واضحا في الربط بين الآيات الكونية التي تعكس بعض القوانين العلمية والسنن الطبيعية وبين عقيدة الإيمان. ورصدت الدكتورة في بحثها حضور مفردة العلم في النص القرآني متتبعة صيغ ورودها والدلالات التي تأخذها عند كل سياق لتخلص إلى خلاصتين أساسيتين: الأولى وهو عدم انفصال العلم في القرآن الكريم عن الثوابت العقدية، وعن مفاهيم التسخير التي تؤسس في التصور القرآني لوسائل استثمار المعرفة العلمية لإقامة حياة كريمة للإنسان على الأرض بما يحقق التوازن بين الجانب الروحي والجانب المادي. وتتابع الباحثة رصدها للمفاهيم القرآنية التي تنتمي إلى الحقل الدلالي لمفهوم العلم مثل العقل، والبصيرة والتفكر وتخلص إلى أن هذه المفاهيم الأربعة تشترك كلها في تأكيد تلازمها مع الثوابت العقدية، ثم تعرج الباحثة على مفاهيم التسخير في القرآن الكريم مركزة على مفهومين متلازمين هما مفهوم التسخير والاستخلاف حيث توقفت الباحثة على دلالاتهما في النص القرآني، وخلصت إلى أن تسخير الكون للإنسان واستخلافه في الأرض وتمكينه من عمارتها، بكل الوسائل التي طورها الإنسان بفضل العلم والمعرفة، حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تطور تقني وطفرة علمية؛ إنما هي وسيلة لتحقيق الغاية التي لأجلها خلق الإنسان واستخلف في الأرض، وهي عبادة الله عز وجل، لضمان الحياة الحقيقية في الآخرة. وبحسب الدكتورة زمرو فإن القيم الدينية والإيمانية تمثل صمام الأمان للجنس البشري في حياته على هذه الأرض، لأنها هي وهي فقط ما يمكنه من خلق توازن بين الرغبة الطبيعية في قهر الطبيعة وتطويعها لخدمته، بالوسائل التي تتاح له مع التقدم العلمي، وبين ضرورة الحفاظ على مقومات هذه الحياة في بعديها المادي والروحي. الإسلام أحدث ثورة معرفية بعيدة وفي مداخلته حول نظرية المعرفة في الإسلام أوضح الدكتور عبد المجيد النجار أن المقصود بها ليس هو الحديث عن العلم لأن مفهوم العلم ففه حسب النجار مفهوم لدى الجميع وإنما المقصود بها الوصول إلى العلم. وحاول الدكتور عبد المجيد النجار أن يؤصل لعلاقة التلازم بين نظرية المعرفة في الإسلام وبين التصور الإسلامي للوجود مبرزا تأسس هذه النظرية عليه انطلاقا من التقسيم الوجودي القرآني للعالم إلى عالم شهادة وعالم غيب. وقد انتقد عبد المجيد النجار نظرة الفلسفات اليونانية للعالم المادي باعتبارها كانت تعتبره عالما دونيا مرذولا أو غير حقيقي أو تلقي عليه ظلالا من الشك كما هو الشأن عند السفسطائيين مؤكدا في نظراته وجود صدى لهذه الفلسفات في التصور الفلسفات الغربية الحديثة ممثلا لذلك بديكارت الذي كان يعتبر العالم المادي امتدادا كميا ليس له حقيقة في عالم المادة وإنما هو من إضافات وصنع العقل الإنساني. وأوضح النجار أن الإسلام حين جاء أحدث ما يشبه الثورة المعرفية إذ اعتبر العالم المادي عالما حقيقيا وشريفا وليس مرذولا ولا دونيا، وذلك حين أرسى أسس تصوره للوجود التي تعتبر الله هو الحالق الذي خلق هذا العالم المادي المبني على سنن مطردة لا تتبدل ولا تتغير. وابرز النجار أن التصور الإسلامي للوجود يعلي من شأن العالم المادي ويعترف به، ولذلك تقوم نظرية المعرفة في الإٍسلام حسب النجار على اليقين والوثوقية وتقرر أن الحقيقة يمكن أن يعرفها الإنسان ويمكن أن يعرفها باستمرارية زمنية دون أن يتطرق إلى ذلك أدنى ريبة. ويقف النجار أيضا على خاصية أخرى من خصائص المعرفة الإسلامية وهي كونها تتسم بالواقعي، إذ تقوم على مبدأ السببية ونفي التناقض، بما يعني ذلك أن العالم المادي موجود كما هو وأن دور العقل هو استكناه هذا العالم وتركيب الحقائق الخارجية له ومحاولة تحصيل صور الحقيقة منه. وأشار النجار في مداخلته إلى أن من بين أهم خصائص نظرية المعرفة في الإسلام اهتمامها بإبراز وسائل المعرفة، إذ في الوقت الذي كانت الفلسفة اليونانية لا تولي اهتماما للحس والحواس، فقد حدد الإسلام للحواس موقعها ضمن وسائل المعرفة معتبرا إياها البداية التي تعين العقل على التركيب، ثم اشار أيضا إلى الوسيلة الثالثة ضمن وسائل المعرفة في النظرية الإسلامية وهي الوحي مؤكدا تكامل الوسائل الثلاثة خ العقل والوحي والحواس خ وعدم تناقضها. وتوقف الدكتور النجار عند الشروط التي اشترطتها نظرية المعرفة الإسلامية في هذه الوسائل، إذ اشترطت على الحواس أن يوجد داعي من النفس في استعمال الحواس، كما اشترطت على العقل تحرره همن العادات والتقاليد او من الهوى أو الكهنة، فيما اشترطت على الوحي أن يكون موثوقا به صحيحا وأن يتم التعامل معه وفق نظرية الرؤية التكاملية في النظر إلى القرآن والسنة . وألمح الدكتور النجار في ختام مداخلته إلى أن نظرية المعرفة في الإسلام لا توجد مسطرة ومركبة في مصادر الإسلام، وإنما هناك إشارات ورد التنصيص عليها وأن دور المفكرين والعلماء هو استجماعها. وأشار النجار إلى جهود العلماء القدامي في القيام ببلورة هذه النظرية خاصة علماء الكلام وعلى رأسهم القاضي عبد الجبار حيث اعتبر النجار أن هذا العلم بسط هذه النظرية في تفاصيلها لافتا الانتباه إلى وجود كنوز تراثية تسعف في استكمال عناصر هذه النظرية بالإضافة إلى ما ورد من إشارات في الكتاب والسنة. الإسلام مهد المعارف والعلوم اليهودية وفي مداخلته عن '''' أوضح الدكتور أحمد شحلان أستاذ الدراسات الشرقية أن اليهود لم يكن عندهم علم دون توراتهم وتلمودهم إلى أن جاء الإسلام معتبرا في مداخلته الإسلام مهد المعارف اليهود وأنه لولا الإسلام ما كان لليهودية معارف. وقد قدم الدكتور شحلان لمحة تاريخية عن حياة اليهود العلمية في ظل حضارة الإسلام مبرزا الدور الذي قامت به الترجمة في ظل الدولة العباسية إذ استثمر اليهود هذه اللحظة التاريخية واغترفوا من المعارف الإسلامية في مظانها ونقلوها إلى العبرية وإن لم يعترفوا بها. ونتيجة لذلك يرى شحلان ظهر في اليهود بعد قرنين مذهبان: مذهب القرائين المتأثر بالمعتزلة وهو الذي رفض رواده التلمود، ومذهب الربانيين. ويشير الدكتور شحلان إلى أن المذهبين معا تأثرا بعلوم الإسلام واستفادا من المناهج التي تأصلت في ظل الحضارة الإسلامية، غير أنه اكد في مداخلته على أن الطفرة العلمية الكبرى التي عرفها الفكر اليهودي إنما تمت في الغرب الإسلامي بسبب تغير سياسة الدولة الإسلامية استعاضتها عن العصبية في تدبير أمور الدولة بقضية الكفاءة، إذ صار لليهود مكانة وموقع في ظل الدولة الإسلامية وأصبحت لهم مساهمة علمية ومجالس علم نبت فيها العلم اليهودي واغترف من العلم الإسلامي مما أدى حسب الدكتور شحلان إلى ازدهار العلوم اليهودية. ومثل الدكتور شحلان لذلك بالمدرسة اللغوية اليهودية وكيف تتلمذت على المسلمين في مجال النحو والمعجم والبلاغة وعلم الكلام والفلسفة منطلقة في ذلك من نقل العلوم بالحرف العبري. وأشار شحلان إلى ظهور نوعين من التأليف في العلوم اليهودية في الأندلس بعد مرور ثلاثة قرون التأليف باللغة العربية لكن بالحرف العبري مشيرا في ذلك إلى نموذج أبي الوليد مروان بن نجاح الذي ألف كتابا في النحو سماه التلقيح وهو يضم المعارف العربية الإسلامية، ثم نموذج يحيى بن بقودا وهو أول من وضع أسسا للتصوف في علم اليهود في كتابه ''الهداية إلى فرائض القلوب'' وجاء الكتاب تقليدا للإمام الغزالي في ''إحياء علوم الدين'' وخاصة القسم الرابع قسم المنجيات، ثم أشار شحلان إلى نموذج موسى بن عزرا في كتابه ''المحاضرة والمذاكرة'' فيما يخص مثال الأدب والأشعار والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وخلص شحلان ضمن هذا القسم إلى أن القسم الأكبر من كتب العلوم التي كتبها اليهود باللغة العربية الحرف العبري هي الخاصة بالعلوم الفلسفية والعلوم الحقة في القرن الثاني عشر بعد أن بدأ يتوارى ظل الإسلام، لتأتي المرحلة الثانية وهي الترجمة إلى اللغة العبرية. وقد عرج الدكتور شحلان في هذا الصدد إلى قضية ترجمة كتب ابن رشد وإشكالية فهم فلاسفة الإسلام لمنطق أرسطو، مقدما جوابه بهذا الخصوص ومعتبرا أن الإشكال لا يعود إلى سوء فهم الفلاسفة المسلمين لعبارة أرسطو، ولكنها تكمن في التحريف الذي مارسته الترجمة العبرية على عبارة أرسطو، وسجل شحلان بهذا الصدد ثلاثة ملاحظات أساسية: تتعلق الأولى بسوء الترجمة العبرية، والثانية بحذف هذه الترجمة لكل الآيات والأحاديث التي كان يستشهد بها ابن رشد، والثالثة باستبدالها بما يناسبها من عبارات التوراة، وقد اعتبر شحلان أن نقطة الخلاف في مسألة ترجمة ابن رشد لعبارة أرسطو هي التحريف الذي لحق الترجمة العبرية واعتماد الغرب لهذه الترجمات كأساس في فهم عبارة ابن رشد. ويرى الدكتور شحلان أن الإمام الغزالي لم يضر بأرسطو، كما أن الغزالي وابن رشد لم يضر أحدهما بالآخر وإنما كانا في خدمة بعضها البعض وذلك من خلال تعاونهما في نقل المعرفة الإسلامية إلى الغرب. ويعتبر الدكتور شحلان أن ابن حزم قام بدور كبير في استكمال هذه المهمة معتبرا إياه العلم الذي وضع أسس علم مقارنة الأديان ومشيرا إلأى أن ابن حزم لم تنحصر في أهميته في نقه المعارف إلى أوربا بل كان له تاثير فيما بعد على الفسلفة الغربية، ويقدم شحلان في ذلك نموذج الفيسلوف اسبينوزا في كتابه السياسة واللاهوت حيث جزم الدكتور شحلان بتأثر هذا الفيلسوف بابن حزم من خلال عالم يهودي كان أستاذا له وهو ابراهام بن عزرا الذي ترجم كتب ابن حزم واستفاد اسبينوزا من ابن حزم عبر هذا العالم اليهودي. في ضرورة تصحيح النظرة إلى العلاقة بين الدين والعلم وفي مداخلته حول الخصومة بين العلم والدين في المنظور الإسلامي أوضح الدكتور حسن العلمي أستاذ الحديث والفقه الإسلامي بكلية الآداب بجماعة ابن طفيل بالقنيطرة أن الصراع بين السلطة والمعرفة صراع قديم لم يخل منه عصر عبر تاريخ البشرية، وقد في ورقته لمحة تاريخية عن صراع العلم والدين في التجربة الأوربية ودور التحالف الكنسي الإقطاعي في محاربة العلم، إلى أن جاء فكر ''الأنوار '' فى القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي على يد أعلام المفكرين وفلاسفة الأنوار من ''العلماء الموسوعيين'' أمثال ''جون لوك '' و ''ديفيد هيوم '' و ''نيوتن'' فى إنجلترا، و''فولتير'' في فرنسا، و ''ليبنتز''الذين قاموا بحملة لتحرير الحضارة الغربية من سلطة الكنسية ونزعتها اللاهوتية واعتبروا تقدم الإنسانية يقوم على أسس طبيعية تحت سلطان العقل والبحث العلمى المجرد. ويرى الدكتور حسن العلمي أن هذا هو الإطار التاريخي لنشأة العداء التاريخي بين العلم والدين في مواجهة الفكر اللاهوتي للكنسية، مما أفضى في العصور المتأخرة إلى استقلال العلم عن الدين . ويرى الدكتور حسن العلمي أن مفهوم التنوير في أوربا المسيحية ارتبط بنبذ الدين وبهيمنة التصور المادي للحياة، وأنه لهذا السبب، تأثرت النخب العلمانية في العالم العربي بفكرة ارتباط التقدم والرقي بالتحرر من الدين، ويرى في هذا الصدد أنه لا يمكن أن يتم تجاوز هذا الإرث التاريخي في الصراع بين العلم والدين إلا بتصحيح مفهوم العلم والدين وإعادة تأسيس العلاقة بينهما في المنظور الإسلامي مع بيان أثر ذلك في مسار الحوار بين الحضارة الإسلامية والحضارات أما الدكتور عبد السلام بلاجي، فقد اعتبر في مداخلته التي اختار لها عنوان ''تكامل الوحي والعقل في تحقيق مصالح الإنسان'' أن هناك تكاملا بين ثلاثي الوحي والعقل والفطرة في حفظ توازن الكون وتحقيق مصالح الإنسان، فحسب بلاجي فالوحي والعقل مصدران للمعارف، والفطرة أداة إسناد لهما، ''فما توافق فيه المصدران وعضدته الفطرة اعتبر مصدرا تكامليا خالصا حتى لا نقول مطلقا، وما اختلفا حوله أو تنازعا فيه، نظرنا في موقف الفطرة فحيث تحيزت فثم مصلحة الكون والإنسان، وحيثما كانت المصلحة فثمة شرع الله''. ويرى الأستاذ بلاجي أن علماء الأصول والمقاصد كأبي حامد الغزالي وابن عقيل الحنبلي وفخر الدين الرازي والإمام العز بن عبد السلام ونجم الدين الطوفي وأبي إسحاق الشاطبي تبنهوا إلى هذه الحقيقة وأكدوا تضافر الوحي والعقل على تحقيق مصالح الخلق ودفع المفاسد وأورد بعض ثلاث أمثلةتبين لهذا التكامل هي العلاقات الجنسية، والصناعات الحربية، والهندسة الوراثية مؤكدا في هذا الصدد أن مقاصد العلاقات الجنسية طبقا للوحي تكمن في الإحصان النفسي والبدني للجنسين، والإنجاب لاستمرار النوع، ومشيرا إلى تأكيد العقل والعلم لذلك، وإسناد الفطرة الإنسانية السليمة لهذا الأمر ليخلص إلى أن كل علاقة جنسية لا تتوخى المقاصد المذكورة، فهي تلحق الضرر بمصالح الإنسان كالعلاقات الجنسية اللوطية أو السحاقية وما شابههما، ثم أورد أيضا مثال الحرب، واعتبر أن مقاصدها خوحيا وعقلا وفطرة- تتلخص في رد العدوان وحماية المستضعفين، منبها إلى أن الصناعات الحربية لا ينبغي أن تتعدى هذه المقاصد، فتتوسع في إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي تفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل. ويتابع بلاجي في مثاله الثالث، إذ يرى أن على الهندسة الوراثية أن تتوخى مصالح الإنسانية، وأن تتجنب كل ما يلحق الضرر بها وفقا لموازين الشرع، والعقل والفطرة السليمة، وإلا حادت عن سواء السبيل. حيث تقرر حظر استخدام أدواتها في الأغراض الشريرة والعدوانية، وفي كل ما يحرُمُ شرعاً، ومن ذلك العبث بشخصية الإنسان ومسؤوليته الفردية، أو التدخل في بنية المورثات بدعوى تحسين السلالة البشرية. هذا وركز الدكتور في ورقته على ما أسماه بأسس وحدة المعرفة في الإسلام وتكامل مصادرها ومؤيداتها مركزا على مقاصد الأساسية والتي تتمثل حسب الباحث في دفع المفاسد عن الإنسان، وجلب المصالح له موردا في ورقته نماذج من العلماء الذين لم يكتفوا فقط بالنداء بتكامل المعرفة وإنما كان لهم فضل في ممارسة هذا التكامل.