كم هي كلفة الضرر المعنوي والسياسي الناجم عن التدخل الأمني العنيف الذي استهدف رجال التعليم ومن حملة الدكتوراه، والذي تمت تغطية مظاهر بشعة منه في محطات فضائية وتحول إلى مادة دعائية وتعبوية في شبكة الإنترنت؟ ليس هناك من شك في أن معطى الصورة ودور الفضائيات أصبح محددا في زمن الحراك الديموقراطي والاحتجاج الاجتماعي في المنطقة العربية، وأن ما شهدناه من مواقف إزاء الحدث تهدد بوضع مشروع الإصلاح الدستوري موضع مساءلة؟ كما تكشف عن استعدادات جيوب مقاومة التطور الديموقراطي لبلادنا للقيام بمغامرات تتحول إلى وقود هذه المساءلة؟ ماذا يعني ما تم القيام به يومين قبل انطلاق أعمال لجنة مراجعة الدستور؟ وهل من قرر ذلك اختار توجيه رسالة استباقية من أن دار لقمان ستبقى على حالها؟ وأن الحديث عن إجراءات لبناء الثقة وتصفية الأجواء السياسية وتفكيك بنيات الدولة الخفية مجرد أوهام لا طائل من المطالبة بها؟ أم سيبرر ذلك بأنه مجرد حادثة سير مثل أحداث العنف بالبيضاء وبعدها في خريبكة ثم الآن في الرباط؟ للأسف ثمة من يرفض استيعاب حقائق اليوم، ويصر على الاشتغال بمنطق الأمس، رغم أن العالم يتغير وبشكل سريع يتجاوز من يرفض مواكبته أو يقف في مواجهته، وما يجري حاليا في عدد من الدول العربية أفضل درس من أن يكون تغييرا هادئا وسليما يحفظ مكتسبات الوحدة والهوية والاستقرار هو الخيار الأمثل، وغيره مكلف ونتائجه كارثية ستعرض مجموع المسار السياسي المغربي للاضطراب العميق. لقد طالبت العديد من القوى السياسية الغيورة على مستقبل البلد بإجراءات ثقة مستعجلة، واليوم بعد سلسلة الأخطاء المنهجية الأمنية أصبح واضحا أن يتم الحسم في هذا الملف، اليوم قبل الغد، وأن كل تأخر يوجه ضربة عميقة للتطلعات الإصلاحية الشبابية والشعبية، ومعها الخطاب الملكي وما عبر عنه من استيعاب عميق للوضع الجديد في العالم والموقع المطلوب للمغرب ضمنه حتى يبقى محتفظا بريادته. إن المسؤولية تقتضي اليوم مواجهة مخاطر الإجهاض السياسي للموجة الديموقراطية المغربية، وهو إجهاض حرص على الاشتغال بعفوية لكنه اليوم أصبح مكشوفا والمطلوب محاسبة القائمين وراءه، وفتح التحقيق المستعجل لتحديد المسؤوليات، وصيانة ورش الإصلاح الدستوري بتعزيز الثقة فيه وتوسيع دائرة المنخرطين فيه، فنحن اليوم إزاء محطة مفصلية ومصيرية من تاريخ البلد، ولا يمكن السماح لأحد بالتلاعب بها أو تحريفها.